في روايته "الرجل الخفي" الصادرة عام 1952، يصور الراحل رالف أليسون الأميركيين من ذوي البشرة السوداء على أنهم طائفة من الصامتين الذين طالت معاناتهم والذين لا تلتفت إليهم على الإطلاق الأغلبية من السكان من ذوي البشرة البيضاء. وفي عام 2016 أصبح لدينا طبقة جديدة- وعالمية- غير مرئية: 260 مليون صبي وفتاة من المحرومين حاليا من الوصول إلى التعليم الأساسي.

ضحايا اليوم غير المرئيين هم الأطفال اللاجئون المحتجزون في خيام وأكواخ، ولن يشهدوا أبدا اليوم الأول في المدرسة؛ إنهم الملايين الذين تترواح أعمارهم بين 9 إلى 12 عاما والمحكوم عليهم بالعمل في سن الطفولة، والملايين من الفتيات الصغيرات اللاتي قُدِّر لهن الزواج في سن الطفولة والحرمان من التعليم ببساطة بسبب جنسهن، وضمان مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال هو نضال الحقوق المدنية في عصرنا.

Ad

يخسر الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة بسبب فشلنا في الاستثمار في التعليم؛ ولكن الخسارة كانت أيضا من نصيب 600 مليون صبي وفتاة آخرين ملتحقين بالمدرسة، ولكنهم لا يتعلمون، ففي الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا يتعلم نصف الأطفال في سن الدراسة الابتدائية أساسيات القراءة والكتابة والمهارات الحسابية.

في مجمل الأمر، يصل 900 مليون طفل من أصل 1.4 مليار طفل في العالم إلى سن البلوغ بلا تعليم أو تعليم ناقص. وفقا لتقرير من المنتظر أن يصدر قريبا عن اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي (لجنة التعليم)، التي أتولى رئاستها، فإن أفراد هذه الأغلبية المهمَلة يفتقرون إلى المهارات التي سيحتاجون إليها لتحقيق النجاح في سوق العمل العالمية الدائمة التغير.

في عالم المستقبل المترابط، سيحتاج الأطفال إلى تعلم تكنولوجيا المعلومات ومهارات الحوسبة إذا كان لهم أن يتمكنوا من العثور على عمل بأجر مجز، ولكن في الدول ذات الدخل المنخفض، حيث تشتد الحاجة إلى التكنولوجيا لتحسين خدمات التعليم والنمو الشامل، يذهب 10% فقط من التلاميذ إلى مدارس متصلة بالإنترنت.

من غير المرجح أن يكون نهج "العمل كالمعتاد" كافيا لإغلاق هذه الثغرات في التعليم. في الواقع، بحلول عام 2030- العام الذي وعدت أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بتسليم التعليم الأساسي الشامل بحلوله- سيكون 1.5 مليار بالغ بلا تعليم أعلى من الدراسة الابتدائية. والأسوأ من هذا سيظل نصف شباب العالم يدخلون قوة العمل بلا مؤهلات معترف بها، وسيعانون في الأرجح من فترات طويلة من البطالة.

لسنوات ظل المجتمع الدولي يعقد اجتماعات القمة للتأكيد على التزامه بالتعليم، ولكنه فشل المرة تلو الأخرى في الوفاء بهذا الوعد، وهو ما من شأنه أن يحرم الجيل القادم من أثمن هدية يمكنهم الحصول عليها، في عام 2002 ذهب نحو 13% من مساعدات التنمية الخارجية لتعليم الأطفال؛ واليوم انخفض الرقم إلى 10%، وفي الدول المنخفضة الدخل لم يتجاوز الإنفاق على التعليم 17 دولارا للطفل في المتوسط.

إن حرمان أطفال العالم من حقهم على هذا النحو، يعني إهدار المورد غير المستغل الأعظم قيمة لدينا، وعلاوة على ذلك ربما نمهد بهذا الطريق لسيناريو الهلاك الحديث، لأن جيلا كاملا من الشباب المستوحش غير المتعلم من الممكن أن يتحول إلى فريسة سهلة للمتطرفين والمنظمات الإرهابية.

من حسن الحظ أن كيفية تحسين مخرجات التعليم ليست سِرا: فأفضل المدارس تستعين بمعلمين وإداريين مخلصين وأكفاء، وتدرس مناهج تتصل باحتياجات الأطفال في المستقبل، وعلاوة على ذلك تعمل شبكة الإنترنت على تمكين أفقر الأطفال في أبعد الأماكن من الوصول إلى أفضل المكتبات والمعلمين في العالم، وبالاستعانة بأنظمة التدقيق والمساءلة يصبح بوسعنا أن نجعل استثمارات المستقبل متوقفة على النتائج، وأن نحول كل فصل دراسي إلى مركز للتعلم لكل طِفل.

لتحقيق هذه الغاية نشرت للتو لجنة التعليم، التي تضم قادة من الحكومات والأوساط الأكاديمية، والأعمال التجارية، ومهنة الاقتصاد، خريطة طريق وميزانية عالمية مقترحة لتوفير تعليم ابتدائي وثانوي عالي الجودة، وتُظهِر الأدلة التي توافرت لدينا أن الدول النامية قادرة على تسليم التعليم للجميع بحلول عام 2030 إذا تبنت إصلاحات داخلية لمحاكاة نتائج قصص النجاح الأخيرة، كتلك في فيتنام.

لكي ينجح برنامجنا سيحتاج الاستثمار العالمي في التعليم إلى الارتفاع بشكل مطرد من 1.2 تريليون دولار أميركي الآن إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030؛ وستحتاج الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى تحديث قطاعات التعليم لديها من خلال زيادة استثماراتها المحلية إلى 5.8% من الإنفاق الوطني، أعلى بنحو 1.8% من المتوسط الحالي.

إذا كانت الدول على استعداد لاحترام مثل هذا الالتزام، فلن تفشل في تسليم التعليم للجميع بسبب الافتقار إلى التمويل، ولضمان توافر الأموال تعرض لجنة التعليم مقترحات تفصيلية لإصلاح الإطار العالمي الحالي لتمويل التعليم، وجمع بنوك التنمية المتعددة الأطراف معا لإعطاء التعليم الأولوية وإطلاق موارد جديدة.

التعليم هو الاستثمار الأكثر فعالية الذي يمكننا القيام به، وعلى هذا فإن الحجة الاقتصادية لزيادة التمويل شديدة الوضوح، ويتلخص هدف لجنة التعليم في جعل أطفال اليوم والغد "جيلا متعلما"، وإذا نجحنا فنتوقع أن يصبح نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الدول المنخفضة الدخل أعلى بنحو 70% مما هو عليه الآن بحلول عام 2050.

وعلى النقيض من هذا، إذا استسلم العالم للتقاعس عن العمل والشلل، فنحن نتوقع أن يتكبد الناتج المحلي الإجمالي العالمي نتيجة لهذا نحو 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2050، وستقع وطأة هذه التكلفة على الدول المنخفضة الدخل، حيث سيظل 25% من السكان يعيشون في فقر مدقع، وهذه هي التكاليف التي يمكن قياسها كميا نتيجة لتجاهل جيل غير مرئي من الشباب؛ أما التكاليف الأخرى، فيما يتصل بالفرص الضائعة وتدمير حياة البشر، فمن المستحيل قياسها كميا، ولكنها لا تقل إثارة للانزعاج والقلق.

* غوردون براون ، رئيس وزراء المملكة المتحدة ووزير خزانتها سابقا، وهو مبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي، ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»