سنوياً ومع كل عيد أضحى نستعيد ذكرى سيئ الذكر صدام حسين، لتزامن إعدامه مع هذه المناسبة السعيدة، مما جعل فرحتنا فرحتين في مثل هذا اليوم، حيث تجمع هذه الأيام المباركة بين منسك رجم الشيطان الرجيم وإعدام أحد كبار تلامذته النجباء، الذي ربما يكون قد تفوق على أستاذه في بعض الحالات والمواقف، فإبليس مثلاً بدأ حياته المهنية بأن زيّن لأمنا حواء وأبينا آدم أكل التفاحة، بينما تلميذه صدام بدأ درب الصعود للهاوية بمحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، وشتان بين القتل والتزيين، كما لم يُعرف عن إبليس اتخاذه أسلوب التنقيع بالأسيد كوسيلة إقناع، إذ اكتفى بالوسوسة فقط، وترك الباقي لنا لإكمال المهمة.

ورغم قساوة تاريخ صدام الإجرامي المعروف، فإن العرب انقسموا كعادتهم بعد غزوه للكويت، بين خصوم وأعداء للمجرم ومدافعين معجبين به، ولم يتغير كثيراً هذا الانقسام حتى اليوم رغم دفن الرجل وابتلاء الدود بجثته، فمن عاداتنا العربية الأصيلة أن يخوض الأحياء معارك الأموات ويستبسلوا فيها، لدرجة قد تثير استغرابهم لو أتيح لهم النظر لحالنا، ما تغير اليوم فقط هو دوافع ومنطلقات محبة وعداوة كل فريق منهم، فقد كنا نكرهه لأسباب موضوعية وصريحة تمسنا مباشرة، فهو احتل بلادنا وشرد وقتل شعبنا، وكرهه الخليجيون معنا لأسبابنا ذاتها، ولطمعه فيهم كذلك، أما من أحبوه ودافعوا عنه حينها فكانوا غالباً يغلفون كرههم لنا وحقدهم الطبقي تحت غطاء الأفكار الرومانسية القومية أو الإسلاموية بظهور البطل المنقذ، الذي يعدهم بتعديل الموازين بين أثرياء الخليج وفقراء العرب ويعيد فلسطين والحقوق السليبة، والتي أثرت كذلك في كثير من الكويتيين تجاهه فيما قبل الغزو، أما اليوم فانقسمنا بين كره أو محبة له، لأنه سني وكأن لمذهبه دوراً في سلوكه وأخلاقه معنا، أو صرنا نحبه أو نكرهه ليس لأنه غزا الكويت واحتل الخفجي وضرب الرياض وهدد الإمارات، بل لأنه ضد إيران، وكأنه كان يهيم عشقاً بالخليجيين أو يأبه للعرب، فإيران الآن هي المعيار حباً وكرهاً، رغم أن لا حربه ولا سلمه معها نفعاه لينفعانا، بل وأعطاها كل ما تريد وأكثر مما تستحق وفوقها طياراته الحربية، وعلى هذا المنوال من الأسباب البعيدة عن تجربتنا الذاتية معه، أصبح حكمنا اليوم ومعاركنا حول الرجل لا تبنى على ما ارتكبه بحقنا بشكل واضح ومباشر لا يقبل التأويل والتحليل، بل على ترشيحات الآخرين، ويبدو أنها ستستمر طويلاً.

Ad

ولأن الموضوع بين الطرفين يبدو أنه لا يتعدى حالياً الرغبة في الإغاظة والإثارة المبنية غالباً على جهل مدقع بتاريخ صدام حسين وسيرته الذاتية المميزة، فإن المعركة بين الفريقين انحسرت بالآونة الأخيرة في ساحة مسألة الترحم على صدام حسين، والإشكالية المثيرة للسخرية على حالنا أن كل فريق ينجح في إغضاب الآخر بتقديم الأدلة التي تفيد بجواز الترحم عليه من عدمه، وكأن رحمة الله تتوقف على توصياتهم وتزكياتهم، فيا عزيزي المتحمس الصادق أو الجاهل أو الغبي أياً ما كنت، هدئ من روعك، ولا تعط ذاتك وقيمة ترحّمك أكبر من حقهما، فمن لم ينفعه عمله لن يضره عدم ترحمك، فما بالكم بمجرم عتل زنيم، فإن لم يعاقب الله الحجاج لقتله النفوس فلن يضرك الزنى، "أنت اسلم على نفسك الحين وتالي فكر تتوسط لغيرك... لا وصدام حسين بعد!".