أطل ملف العلاج بالخارج- وما يحمله من فساد- من جديد على الساحة السياسية بعد أن دخلت الحكومة في ورطة العجز وما يتطلبه من تقليص النفقات تفاديا لتخفيض الوكالات العالمية لمركز الدولة المالي. فأصدر وزير الصحة قرارا يوقف بموجبه إرسال المرضى للخارج إلا في حالات السرطان والأمراض المستعصية وحالات أخرى، مما يعني ضمنيا احتمالية استمرار فساد هذا الملف لأن الواسطات ستدخل من جديد من باب الاستثناءات.

ومع ذلك هناك عدة أمور يمكن ملاحظتها من قرار الوزير ومن هذا الملف بمجمله، فقرار الوزير بمنع إرسال المرضى باستثناء مرضى السرطان والحالات المستعصية هو إقرار واعتراف بأن كثيرا من المرضى- إن لم يكن أغلبهم- طيلة السنوات الماضية كانت حالاتهم عادية ويمكن علاجها بالكويت. وهذا يعني أن الدولة بذّرت مئات الملايين من المال العام على من لا يستحق، إضافة إلى زعزعة الثقة بالقطاع الصحي الكويتي، وما يترتب على ذلك من تبعات على المدى البعيد، وفي هذا الصدد أنصح بقراءة مقالة الدكتور يوسف بهبهاني تحت عنوان "العلاج بالخارج.. حقائق وأرقام لحقبة سوداء" في مدونته الخاصة ليطلع على حجم الفساد وآثاره على القطاع الصحي المحلي برمته.

Ad

لكن اللافت في الموضوع هو حجم السكوت النيابي والشعبي على هذا الفساد، في حين نجد الأصوات تتعالى على ملفات أصغر حجما بكثير، وتفسير هذه الظاهرة بسيط لأن العلاج بالخارج لم يكن سوى أداة للرشوة السياسية لكثير من النواب وناخبيهم حتى يتم شراء سكوتهم عن التلاعب بمقدرات البلد، فقد بدأ هذا الملف بالتورم منذ 10 سنوات تقريبا عندما وصل برميل النفط إلى 150 دولارا، فكان لزاما على السلطة حقن الشعب بمزيد من إبر التخدير حتى يتسنى للكبار التلاعب بإيرادات الدولة المتدفقة. من هنا بدأ مسلسل الكوادر والزيادات- الذي نرى آثاره الكارثية اليوم- إضافة إلى العلاج بالخارج. وكلما زاد تدهور الخدمات وإدارة الحكومة للمؤسسات، زادت جرعة التخدير وزادت الحالات المرسلة للخارج لإسكات الشعب.

وقبول الناس لهذه الرشوة السياسية وانتخابهم لنواب فاسدين لكسر القانون وبيع ذممهم من أجل تمرير هذه المعاملات والنهب الممنهج للمال العام كل ذلك يعكس كفر الناس بالدولة وعدم إيمانهم باستمرارها، فما يجري الآن هو تسابق محموم من الكبار والصغار على تصفية ثروة البلد، وليذهب للجحيم مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة. هذا ما يجري فعليا في البلد، وما ظاهرة العلاج بالخارج سوى وجه من أوجه هذه الظاهرة.

***

ما دمنا نتحدث عن الصحة، همسة في أذن المعنيين في الحكومة:

أحد مسؤولي مركز الكويت لمكافحة السرطان بات في الفترة الأخيرة الشخص المدلل لبعض قياديي الوزارة، و"معطينه الخيط والمخيط"، وصنع لنفسه سلطة فوق سلطة الهرم الإداري بالمركز تحت أعين المعنيين، وأصبح يعاني فوبيا جمع المكاتب والمناصب واللجان ووضع يده على بعض مرافق المبنى دون حاجته لها، وقفل أبوابها فقط للوجاهة وإثبات الوجود. ولكن أعرف طبعا أنه لا حياة لمن تنادي، فتوزيع المناصب على المعقدين وعديمي الكفاءة هو وجه آخر للرشوة السياسية وتصفية الدولة يضاف إلى العلاج بالخارج.