الأب حامي ابنته!

يُعتبر الأب تقليدياً صاحب السلطة بنظر أولاده. غالباً ما يغيب عن يوميات أبنائه أكثر من الأم ويتدخل حين تشعر هذه الأخيرة بالتعب أو العجز. يكون الأب أيضاً الشخص الذي يسمح للطفل، صبياً كان أو فتاة، بالانفصال عن والدته. إنه مسار مألوف بالنسبة إلى معظم النساء الراشدات. يتقاسم الأب مع ابنه اهتمامات حتمية ويعرّفه على رياضته المفضّلة وأحدث نماذج السيارات ويصبح شريكاً له في نشاطاته. لكن يختلف الوضع مع ابنته. سيتقرّب منها طبعاً لكن بأسلوب مختلف. ليس نادراً أن تنشأ منافسة معينة في مرحلة المراهقة بين الشقيقة وشقيقها لأن الأب وابنه قد يمضيان وقتاً أطول معاً خلال هذه الفترة. قد ينشأ صراع حينها بين الابن الذي يستعد لسن الرشد والأب الذي يتقدم في السن. مع الفتاة، يؤدي الأب دور الحامي ويجد بعض الصعوبة في التكيّف مع الوضع حين تتغير ابنته جسدياً ونفسياً وتستعد كي تصبح امرأة.

Ad

يساهم الأب في بناء شخصية أولاده بغض النظر عن جنسهم، لكن يبرز اختلاف واضح في تعامله مع الفتاة كونه يبقى بنظرها أول رجل في حياتها وقد يساعدها على تطوير أنوثتها من دون أن تدرك ذلك. تؤدي الأم دوراً مؤثراً طبعاً لكنها تكون محور الصدامات عموماً بينما يكون الأب بمثابة قاضٍ وقدوة. قد تعتبره الفتاة مثالياً أو ترفضه لكنه يؤثر في مطلق الأحوال على بداية حياة كل امرأة.

علاقة متناقضة وتطورية

• بعد الولادة: في هذا العمر، تعيش الطفلة علاقة تماهي مع والدتها. من الطبيعي أن تكون علاقتها مع الأم التي حملتها وأرضعتها قوية. لكن سرعان ما تعتاد المولودة الجديدة على وجود الأب وتتعرّف على صوته وتدرك أنه يحميها بقدر والدتها.

• المرحلة الأولى من الطفولة: تتحول الطفلة بعد فترة إلى فتاة صغيرة وتدرك أنها مختلفة عن والدها. يصبح الأب في هذه المرحلة الشخص الذي يمكن أن تمارس سحرها عليه بأسلوب بريء ولاواعٍ، فتُقبّله وتبتسم له ويذوب الأب في حبها. في بعض الحالات الاستثنائية، قد تترافق العلاقات غير الطبيعية مع مظاهر العنف أو اللامبالاة لكن يتفهّم الأب سلوك ابنته ويتقبّلها. يعبّر الأب عن فخره بابنته ويتساهل معها وقد يفرط في تدليلها. حتى أنه قد يعارض والدتها التي ترمز إلى السلطة بنظرها. من الشائع أن ترحّب الطفلة بوالدها عند عودته إلى المنزل وتحتمي به وتقوم بكل ما يلزم لجذب انتباهه حين يكون مشغولاً.

• الفتاة: في مرحلة معينة، تتحول الابنة الصغيرة إلى فتاة حقيقية فتتغير نظرة الأب إليها. تبدأ الفتاة أيضاً باعتبار والدها رجلاً حقيقياً فتتراجع مظاهر الاحتكاك الجسدي بينهما وتختفي تدريجاً لأنها تدرك أنه ينتمي إلى الجنس المعاكس. يغيّر الأب سلوكه أيضاً ويعتبر أي تقارب مفرط محرجاً أو مزعجاً. يؤدي هذا التباعد الجسدي إلى تراجع قوة العلاقة لكن يبقى الحب قائماً بين الطرفين. تبدأ الفتاة بمراقبة العلاقة بين والديها وبين أهالي رفاقها وتفهم تداعيات الانفصال أو الطلاق. كما تبدأ بتقييم الوضع وقد تنتقد والدها ويتوسّع هامش استقلاليتها في هذه العلاقة. يجد الأب صعوبة أحياناً في التعامل مع هذه العلاقة الجديدة وقد يسخر من ابنته على سبيل المزاح ويُغضِبها ويرتبك حين تبدأ دورتها الشهرية.

• المراهِقة: يحصل التغيّر الكبير في مرحلة المراهقة لأن الفتاة تبدأ بمنافسة أمها. فتُغيّر أسلوب ملابسها وتبدأ بوضع المكياج. وحين تدخل الجامعة، يترسخ ميلها إلى كسب الاستقلالية. تتنقل المراهِقة في هذه الفترة بين أبيها وأمها بحسب علاقتها ومصلحتها معهما وتحاول جذب انتباه والدها بأي طريقة، فتتبرّج أو تثقب جسمها كي تتأكد من أنه يحبها مهما فعلت أو للفت نظره وإغضابه! يواجه الأب المصاعب في هذه المرحلة المعقدة ويميل إلى انتقاد ملابسها التي لا تناسب عمرها أو تسريحتها المبالغ فيها أو مكياجها القوي أو أدائها المدرسي. باختصار، تتغير مكانة الأب بنظر الفتاة في هذه المرحلة ولا يُسَرّ الأب دوماً بهذا الوضع.

الانفصال عن صورة الأب «المثالي»

قد تحتاج الفتاة إلى استشارة الطبيب النفسي كي تتخلى عن الصورة المثالية التي تحملها عن والدها وكي تحبه كما هو من خلال التعرّف على مواصفات رجال آخرين. قد تحاول الفتاة بسبب علاقتها مع والدها إقامة علاقات مع رجال متزوجين تحت تأثير عقدة "أوديب” التي تنشأ في أيام الطفولة. قد تواجه الفتاة في صغرها خيبات عدة وتبحث في مختلف مراحل حياتها عن موافقة والدها وتتجنب أن يخيب أمله بها لأي سبب. يجب أن يتوقف سعي الفتاة إلى الكمال لإرضاء والدها حين تصبح ناضجة وتتمكن من رؤية ذلك الرجل على حقيقته، بمعنى أنه رجل متقدم في السن ويحمل المزايا والعيوب. يجب أن تختار الفتاة حينها رجلاً غير مثالي ولا يشبه والدها.

مهمّة أبوية دقيقة

لا يكون دور الأب بسيطاً في مرحلة الطفولة لكنه مضطر لإيجاد التوازن الصحيح من حيث النظرة التي يحملها عن ابنته في مرحلة المراهقة تحديداً. يجب أن يقدّر قيمتها كي تشعر بالأمان وتتمكّن من إقامة علاقات عاطفية سليمة ومستقرة. تشكّل الثقة بحب الأب واحدة من ركائز العلاقات العاطفية التي تعيشها الفتاة مستقبلاً. يؤدي غياب الحب من جانب الأب أو أي خلل في علاقته بابنته إلى تطوير حاجة لاستكشاف أسباب الفشل المتكرر.

ما دور الأم في هذه المعمعة؟

تنزعج الأم من الوضع بشكل أساسي حين تبلغ الفتاة سنتها الثالثة أو الرابعة وتتقرّب من والدها، فتشعر الأم بالإهمال. في العائلات التي تتولى فيها الأم تربية ابنتها وحدها، تطول مدة التماهي بين الطرفين إذا كان الأب غائباً. يجب ألا تشعر الفتاة بأنها مسؤولة عن تقديم الحماية. إذا لم يتحمّل الأب مسؤوليته، يمكن أن تلجأ الفتاة الصغيرة إلى عمّها أو أي رجل مقرّب من العائلة أو زوج والدتها. يمكن أن تتكيف مع هذا التغيير بسهولة في عمر مبكر.

يؤدي الأب دوراً محورياً في حياة الفتاة والصبي معاً، فيفصل بين الأم والطفل ويساعده على إطلاق حياته الاجتماعية ويرسم الحدود للفتاة تحديداً. يمكنه تحقيق ذلك عبر فرض وجود الأم كي تفهم الفتاة أنها شريكته الحقيقية. لكن لا تغرم كل فتاة بوالدها مع أن هذه التجربة تكون حنونة وغير مزعجة في عمر الثالثة أو الرابعة. يعاني الأب أكثر من الأم حين تنتهي هذه المرحلة ويصبح أباً مثل الآخرين. عندما يدرك كل فرد من العائلة مكانته الصحيحة، سيسود توازن صحي يسمح بتطوّر كل شخصية بشكل سليم.

المرأة وصورة الأب

ذكرت دراسة أوروبية حديثة أن المرأة تختار عموماً رجلاً يشبه والدها أو شريكاً بملامح شبيهة لوالدها (العينان، الأنف...). كذلك، يختار الرجل امرأة يكون الجزء السفلي من وجهها شبيهاً بأمه. تبقى الدراسة ضيقة النطاق لكنها تؤكد على تأثّر حياة الراشدين بأهاليهم من الجنس المعاكس. لكن على عكس المعتقدات الشائعة في هذا المجال، لا تتكل المرأة على الصورة التي تحملها عن والدها للقيام بخياراتها وتُرسّخ الحياة المعاصرة هذه النزعة بوتيرة متزايدة. تنمو فتيات كثيرات اليوم مع أب منفصل عن أمهنّ. في هذه الحالة، تشاهد الفتاة والدها على حقيقته وتميل العلاقة إلى التراجع حين تعيش الابنة أولى تجاربها العاطفية.

تبني الفتاة حياتها العاطفية بطريقة مستقلة شرط أن تلاحظ الحب الذي يكنّه والدها لأمها وأن تبادله الأم مشاعره. يجب أن يتبنى الأب سلوكاً نموذجياً فلا يبالغ في الاحتكاك بابنته أو التقرب منها ولا يكلّمها بالأسلوب الذي يستعمله مع زوجته لأن هذا السلوك قد يولّد ارتباكاً دائماً لدى الفتاة.

يكون الأب أول "فارس أحلام” في حياة الطفلة الصغيرة لكن تؤثر تصرفاته مع زوجته على ابنته بشكل دائم، سواء كان الأبوان منفصلين أو بقيا معاً. بحسب سلوكياته والظروف التربوية العامة، قد تبحث الفتاة حين تكبر عن شريك تحدد مواصفاته بنفسها أو تسعى إلى إيجاد صورة مطابقة لوالدها!

اختبار نفسي: هل أنتِ «مدلّلة» والدك؟

يصعب ألا تقيم الفتاة علاقة تماهي مع والدها حين يكون هذا الأخير حاضراً لدعمها منذ أولى مراحل طفولتها. لكن يختلف هذا الوضع عن تحوّل الابنة إلى "مدلّلة” والدها. يوضح الاختبار التالي الفرق...

1. سبق أن شعرتِ بالغيرة من والدتك على والدك.

أ.مطلقاً!

ب. حصل ذلك في صغري.

ج. نعم وتتجدد هذه المشاعر حتى الآن أحياناً.

2. من هو أول شخص تتصلين به حين تواجهين مشكلة؟

أ. زوجي.

ب. أمي.

ج. أبي.

3. كم مرة في الأسبوع تتصلين بوالدك أو تقابلينه؟

أ. مرة في الشهر!

ب. أكثر من ثلاث مرات.

ج. مرة على الأقل في اليوم.

4. قبل اتخاذ قرار مهمّ، تطلبين رأي...

أ. صديقتك المفضلة.

ب. زوجك أو والدتك.

ج. والدك دوماً.

5. هل تحسدك والدتك على علاقتك المميزة مع والدك؟

أ. لا، لماذا؟

ب. أنا مقرّبة من والدتي بقدر والدي.

ج. أشعر بذلك أحياناً.

6. من تشبهين جسدياً أو فكرياً؟

أ. لا أشبه أياً من والديّ.

ب. أشبه أمي بكل وضوح!

ج. أنا نسخة مطابقة من أبي.

7. هل تزاولين مهنة والدك أم تهتمين بما يحبه؟

أ. لا، مطلقاً.

ب. نعم، بيننا اهتمامات مشتركة كثيرة.

ج. أسير على خطاه وأحب كل ما يحبه.

8 من قدوتك أو بطلك في الحياة؟

أ. لا أقتدي بأحد.

ب. الأشخاص الذين ينجحون أو يساعدون الآخرين.

ج. والدي طبعاً!

9. من أول شخص تفكرين به حين يسألونك عن «رجل حياتك»؟

أ. زوجك أو حبيبك أو أب أولادك.

ب. ابنك.

ج. والدك.

10. من الشخص الذي تريدين أن يفتخر بك؟

أ. رب عملك.

ب. زوجك.

ج. والدك.

احتساب النتائج

• ولا نقطة لكل إجابة "أ”.

• نقطة واحدة لكل إجابة "ب”.

• نقطتان لكل إجابة "ج”.

تحليل النتائج

• أقل من 5 نقاط: علاقة متباعدة!

بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي جمعتِك بوالدك في الماضي، تركتِ مسافة بينكما في الحاضر كي تتمكني من عيش حياتك على طريقتك. ربما تحتاجين إلى تقوية علاقتك به كي لا تندمي يوماً على بُعدك عنه!

• بين 5 و12 نقطة: علاقة متوازنة!

نجحتِ في إيجاد التوازن المناسب في علاقتك مع والديك، ولا سيما والدك، فما عدتِ تعتبرينه مثالياً ولكنك تكنّين له عاطفة صادقة.

تحتاجين إليه مثلما يحتاج إليك لكنّ هذا الوضع لا يؤثر على علاقاتك مع الرجال الآخرين.

• أكثر من 12 نقطة: علاقة من التماهي الكامل!

يصعب عليك أن تتخلي عن الصورة المثالية التي رسمتِها عن والدك لتلبية جميع رغباتك وحاجاتك! حان الوقت للتخلي عن علاقة التماهي التي تجمعك به لتحويلها إلى علاقة متوازنة بين أب وابنته. يمكن أن يساعدك العلاج النفسي ويسمح لك باكتساب الاستقلالية في حياتك.

والدي بطل حياتي!

هدى، معلّمة (25 عاماً): «أبحث عنه دوماً»!

"ربّتني والدتي وحدها، لذا لطالما احتجتُ إلى وجود أبي بقربي. كنت أشعر بالغيرة من رفاقي المقربين من آبائهم. لم أشعر يوماً بأنني ابنة أبي المدلّلة. لهذا السبب على الأرجح، لطالما افتقرتُ إلى الثقة بالنفس وأصبتُ بالشره المرضي وزاد وزني وعجزتُ عن إقامة علاقات عاطفية هادئة وثابتة. لم تكشف لي أمي عن هوية أبي لكني أبحث عنه دوماً اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يجب أن أكتشف هويته كي أتمكن من عيش حياتي. إذا وجدتُه وقبلني في حياته، سأحقق السعادة التي كنت أبحث عنها أخيراً”!

سلمى، ممرضة (43 عاماً): «حبّه خانق»!

"أحب والدي كثيراً وأعتبره جزءاً أساسياً من ذاتي وحياتي. لكن لم أتمكن حتى الآن من إقامة علاقة متوازنة مع رجل آخر بسببه. عمري 43 عاماً وحان وقت التغيير! تجمعني علاقة تماهي مع أبي ونتصل ببعضنا أكثر من عشر مرات في اليوم ونقضي العطلة معاً. والدي أرمل وقد خسر والدتي منذ 15 سنة لذا تحوّلتُ إلى "شريكة حياته” رغماً عني. إنه أب محبّ وحنون لكني بدأتُ أشعر بأن حبه خانق. لا أعرف كيف يمكن أن أبتعد عنه من دون أن أجرحه. أفكر باللجوء إلى العلاج النفسي لتحقيق هذه الغاية وقد أطلب بعض الجلسات له أيضاً. قد ننجح حينها في متابعة حياتنا تزامناً مع حماية الحب الذي يجمعنا من دون أن يخنق أحدنا الآخر”.

آية، صحافية (50 عاماً): «مرجعي الأول»!

"لطالما كان والدي مرجعي الأول في الحياة: سرتُ على خطاه وأصبحتُ صحافية مثله وقد مات في مرحلة مبكرة ولم أكن قد تجاوزتُ حينها الصورة المثالية التي رسمتُها عنه. احتجتُ إلى تحليل نفسي طويل كي أفهم ما منعني من بناء علاقة سليمة مع أي رجل. كنت أشعر بأن أحداً لا يصل إلى مستوى أبي. كنت متعلقة به لدرجة أنني رحتُ أبحث عنه في الرجال الذين قابلتُهم. كان يجب أن أعرف أبي على حقيقته، بمزاياه وعيوبه، كي أنجح أخيراً في إقامة علاقة عاطفية صحية”.

زينة، تاجرة (38 عاماً): «توصّلتُ أخيراً إلى التعبير عن مشاكل طفولتي»!

"في شبابي، كان والدي غائباً وعنيفاً بطبيعته. كنا خمسة أولاد في المنزل. كان والدي يجتهد في العمل ويمضي معظم وقته في الخارج. وحين يعود في عطلة نهاية الأسبوع، كان يبدو عصبياً جداً ويضربنا ويجرحنا... ومع ذلك كنت أعرف أنه يحبنا بطريقته الخاصة. حين أصبحتُ أماً منذ 12 سنة، مرض والدي وأصيب بالسرطان. فقررتُ أن أكلمه أثناء وجوده في المستشفى وعبّرتُ له عن معاناتي وحبي وكرهي له ولغيابه وأسلوبه العنيف... أصغى إليّ بصمت ثم راح يبكي. أخبرني عن طفولته مع والده العنيف والصعوبة التي واجهها في تربية أولاده وعبّر عن ندمه وطلب مني السماح. عانقتُه وسامحتُه ومات في اليوم التالي. رحل بعدما شعر بالسلام وتمكنتُ من عيش حياتي لأنني توصّلتُ أخيراً إلى التعبير عن مشاكل طفولتي”.