يستحق الخبر الذي تداولته الصحف والمواقع خلال الأيام الأخيرة حول تبادل وزارة الكهرباء وشركة المياه قطع الخدمات عن بعضهما بسبب الفواتير والمديونيات المتراكمة، التوقف أمامه والتساؤل عن الطريقة التي تدير بها الحكومة خلافاتها الداخلية، وحل "الاشتباكات" بين الوزارات والهيئة الحكومية.

تفاصيل الخبر ليست خافية على أحد، وفيها أن وزارة الكهرباء اتخذت بالفعل خطوة قطع التيار الكهربائي عن بعض المنشآت الإدارية التابعة لشركة مياه القاهرة منذ شهرين، بسبب تراكم المديونيات عليها، فردت الشركة بقطع المياه عن عدد من المنشآت التابعة لوزارة الكهرباء، وهي التفاصيل التي فتحت باباً من السخرية، والاستغراب عن الأسلوب المتبع بين مؤسستين تابعتين لحكومة واحدة.

Ad

ولو مددنا هذا الخط، خط طريقة قطع الخدمات المتبادل على امتداده، فلنا أن نتخيل ماذا سيحدث إذا وقع خلاف مالي بين وزارة الكهرباء وزارة الداخلية؟ هل ستبادر وزارة الكهرباء بقطع الخدمة عن أقسام الشرطة، وهنا سيكون من حق الأقسام أن ترد بأسلوب مماثل، وهو أن تحتجز موظفي وزارة الكهرباء كأسرى لديها، حتى يتم إعادة التيار مرة أخرى؟

أما في حال اختلفت وزارتا الري والزراعة، ففي هذه الحالة ستلجأ وزارة الري لقطع المياه عن أراضي وزارة الزراعة، وقد تمنع ري الأراضي الزراعية، وفي هذه الحالة قد تلجأ وزارة الزراعة للضغط، بأن تمنع موظفي وزارة الري من شراء منتجاتها من خلال منافذ بيعها المتعددة.

لكن المشكلة في هذه الطريقة، هو أن بعض الجهات الحكومية سيكون موقفها صعباً، لأنها لا يمكنها للأسف أن تفعل أي شيء للضغط، أو الرد في حال اختلفت مع وزارة أخرى، لأنها مثل المواطن العادي لا يملك أدوات ضغط في يده على الوزارات، فماذا بإمكان وزارة التخطيط مثلاً أن تفعل رداً على زميلاتها من الوزارات الأخرى إذا اختلفت مع إحداها؟ وكيف سترد وزارة البيئة، ولا شيء تملكه في يدها، إلا إذا قررت أن تترك أكوام القمامة تتراكم أمام الوزارة المناوئة؟

الأكيد أن ما حدث بين وزارة الكهرباء، وشركة مياه القاهرة، هو كوميديا سوداء، وتبدو كأنها صورة كوميدية ربما لم تصل إليها عقول مؤلفي الأفلام الساخرة بعد، لكنها فتحت الباب للعديد من النكات، وعشرات الكاريكاتيرات على صفحات الصحف، ومئات الكوميكس المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للسخرية من الحكومة، التي لا تستطيع حل خلافاتها الداخلية، فتلجأ بعض مؤسساتها لطريقة "المكايدة" كما وصفها البعض.

هذه الحالة من "الكوميديا" في إدارة أمور الدولة، والتي يبدو أنها في سبيلها، في بعض الوزارات، للتحول أو اعتماد أسلوب "احتجاز الرهائن"، من يستطيع أن يمتلك ويسيطر على الرهينة، ويتمكن من لي ذراع الآخر.

ما تكشف عنه هذه الحادثة، التي لها أصداء في الماضي، هو أن هناك مشكلة في تعامل أجنحة ومؤسسات وأجهزة الدولة مع بعضها، هناك مشكلة في إدارة الخلافات، ومشكلة في إدارة الموارد، ومشكلة في حل المشاكل الناجمة عن التشابكات الإدارية.

وعلى الحكومة أن تعي أنه يجب ألا تصدّر هذه الحالة من الارتباك، وعدم التنسيق، وعدم التعاون وغياب التجانس للمواطنين، فإذا كانت هذه الحالة هي التي يقرأها المواطن في الصحف، فماذا تتوقع منه الحكومة أن يفعل عندما يتعامل مع مصلحة حكومية؟