خرج قطاع كبير من الجمهور في مصر في تظاهرات للمطالبة بحذف اسم الفنانة الراحلة فاتن حمامة من واجهة إحدى المدارس، ومن بينهم من يُفترض أنه مثقف وواع مثل المحامي صاحب الدعوى أو القاضي الذي أصدر الحكم.

كيف تُصبح نظرتنا إلى الفن والفنانين بهذا السوء؟ فسيدة الشاشة العربية يحتفل بميلادها ورحيلها محرك البحث «غوغل». كيف تكون غير جديرة بوضع اسمها على واجهة مدرسة في إحدى القرى الصغيرة؟

Ad

في هذا السياق، يرى المنتج د. محمد العدل أن «السبب في هذه النظرة يعود إلى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عندما تم الاتفاق بينه وبين التيار الديني لتخليصه من معارضيه، فسيطروا على الشارع حتى وصلوا إلى سدة الحكم بعد ثورة يناير، في مقابل تراجع الدولة وغيابها عن الشارع تماماً، خصوصاً القرى والنجوع، واستمر هذا التراجع حتى الآن».

يتابع العدل أن هذا الغياب سمح للقوى المتشددة بنشر مفاهيمها الخاصة التي تزدري الفن والثقافة وكل ما هو خاص بالعقل، من ثم السيطرة التامة على الناس، متسائلاً: «أين أصبح دور المسرح المدرسي أو قصور الثقافة والمكتبات التي كانت منتشرة في القرى والأحياء في الستينيات وأدت إلى نهضة ثقافية آنذاك؟». ويجيب: «اختفى ذلك مع تراجع الدولة وغيابها، وهي التي سمحت للأفكار الهدامة والمتشددة بالانتشار بين الناس».

يرى المخرج الكبير محمد فاضل بدوره أن حذف اسم فاتن حمامة كارثة بالمقاييس كافة، وإهانة لجموع الفنانين، لأن اسم الراحلة يستحق أن يُرفع عالياً في قاعة المحاضرات بجامعات مصر كافة، وهي تستحق تسمية ميدان باسمها ووضع تمثال لها في أكبر ميادين مصر لأنها قيمة فنية كبيرة يجهلها من رفع الدعوى ومن أصدر الحكم المشين.

ويضيف فاضل: «نعيش في دولة دينية بالمقاييس كافة، حتى وإن ادعينا غير ذلك، بدليل الرجوع إلى الأزهر والاحتكام إليه في قضايا غير دينية». ويشير المخرج إلى أزمة فيلم «المهاجر» وكثير من الأعمال الفنية والأدبية التي تدخّل الأزهر فيها، وهو أمر لا يحدث إلا في الدول الدينية. ويتابع أن الأنظمة التي حكمت مصر استغلت الدين للسيطرة على عقول البسطاء عن طريق رجال الدين ومدعي التدين، ما أوصلنا إلى هذا المستوى من الانحدار: غياب المسرح المدرسي والجامعي، وغلق قصور الثقافة في المحافظات، وسيطرة الجامع على نواحي الحياة... «حتى صرنا نرى الفن شيئاً مخزياً وغير جدير بالاحترام».

أفكار هدامة

في المجال نفسه، توضح الفنانة إلهام شاهين أن في الحكم دليل تخلف وانحدار نعانيه بسبب الأفكار الهدامة التي انتشرت في المجتمع خلال السنوات الأخيرة، وتضيف: «كان يجب الاهتمام بما تقدمه المدرسة للتلامذة من مواد لأنها الأهم وليس اسمها، فضلاً عن أن فاتن حمامة رمز كبير بيننا لن يضرها إن وضع اسمها على مدرسة أو رُفع، فهي قامة كبيرة في تاريخ مصر والوطن العربي بل والإنسانية كلها».

وتختم كلامها: «الفن قوة ناعمة وأهميته ستبقى راسخة في تشكيل وعي الناس رغم محاولات تشويهه».

الناقدة حنان شومان تعتقد أن ثمة أكثر من زاوية لهذه القضية، «أولها محام مجهول يبحث عن الشهرة والظهور الإعلامي من خلال اقتران اسمه باسم فنانة كبيرة مثل فاتن حمامة، علماً أن ثمة من ساروا على الدرب نفسها واكتسبوا شهرتهم من مثل هذه القضايا. والأمر الثاني هو نظرة المجتمع إلى الفن والفنانين بشيء من الاشمئزاز والدونية، فهو قد يتابع أخبارهم ويُعجب بأعمالهم وبهم شخصياً، ولكن في وقت ما تظهر نظرة احتقار هذه المهنة والعاملين فيها». وتضيف شومان: «على رغم كل ما قيل في هذه القضية السخيفة، تبقى فاتن حمامة قامة وقيمة فنية وثقافية عالية، وأهم من رافع الدعوى والقاضي الذي أصدر الحكم».

المد السلفي

يقول الناقد طارق الشناوي: «نشهد مرحلة من التراجع الثقافي والفني لم تمر بها مصر من عقود طويلة، بدأت بإلغاء عيد الفن بعد عودته لعام واحد فقط».

ويضيف أن المجتمع يعاني ازدواجاً غريباً في فهم ماهية الفن والثقافة، ومع تزايد المد السلفي والمتشدد ونظرته السلبية إلى الفن ظهرت مثل هذه الدعاوى المناهضة للثقافة عموماً.

ويختم الشناوي: «اسم فاتن حمامة يعني الاحترام والالتزام بسبب تاريخها الكبير وأفلامها، لا سيما «أريد حلا»، التي كان لها تأثير اجتماعي كبير طاول قانون الأحوال الشخصية والطلاق».