التصريحات الأخيرة على الصعيد الحكومي وكذلك النيابي بأن البلد مقبل على حافة الإفلاس خلال السنوات العشر القادمة لا تأتي من فراغ، وقد تكون لها دلالات حقيقية مؤلمة، وبالتأكيد تبعات سياسية وأمنية خطيرة، وبمعادلة بسيطة فإن الموارد المالية للدولة ستبقى وفق معدلاتها الراهنة المعتمدة على تصدير 2.5 مليون برميل من النفط يومياً، أي ما يعادل 50 مليار دولار سنوياً تقريباً، في حين يتوقع أن يصل حجم السكان إلى نحو 5.5 ملايين نسمة، 40% منهم من المواطنين.

إذا أخذنا بعين الاعتبار الحركة الديمغرافية الكويتية، فإنه يتوقع أن يكون عدد الخريجين من الثانوية العامة حتى عام 2026 نحو 500 ألف طالب، بالإضافة إلى 50 ألف خريج جامعي سنوياً ممن ينتظرون دورهم في الحصول على وظيفة، وهذا مؤشر واحد فقط، دع عنك تكاليف الرعاية الصحية وطلبات الحصول على السكن الحكومي وأعداد المتقاعدين!

Ad

الميزانية السنوية وفق الأرقام المتوقعة بالتأكيد لا تكفي سداد أجور موظفي الدولة فقط، فما بالك بالمخصصات المطلوبة لإدارة شؤون الدولة الأخرى، وهي تشمل أربعة أبواب من الميزانية تساوي في مجموعها ميزانية الباب الأول تقريباً.

الغريب أن الحكومة تعلن هذه البيانات وبعض أعضاء مجلس الأمة يؤكدون صحتها، بل يحذرون منها، ومع ذلك لم نرَ أو نسمع عن أي خطط أو برامج أو إعلان مبني على حقائق وأرقام لعلاج هذا الوضع الخطير، وأقصى ما أسفر عنه المخاض الحكومي- النيابي هو رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار الكهرباء والماء وإلغاء التموين وفرض بعض الرسوم الأخرى، وهذه الإجراءات لا تساوي جناح بعوضة في مداواة مرض الميزانية المزمن، فالأرقام المالية التي قد ترهق كاهل المواطن العادي لن تقدم أو تؤخر في مؤشرات الموازنة العامة، إذ لا يتعدى تأثيرها من 5 إلى 10% في أفضل الأحوال، الأمر الذي يبقي حافة الإفلاس وجميع تبعات ذلك على حالها.

هذا الإعلان الرسمي للوضع الصعب، وهذا الموقف السلبي من طرح بدائل جريئة ومدروسة وواعدة لا يعكسان الإفلاس المالي للدولة فقط، وإنما الإفلاس السياسي والإفلاس الفكري والإفلاس في تحمل روح المسؤولية عند متخذي القرار سواءً في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية.

أشقاؤنا في دول الخليج، رغم أنهم سيعانون المشاكل المالية نفسها، ورغم غياب المؤسسات الرقابية والسلطات الشعبية بصلاحياتها الواسعة المتوافرة لدينا، تحملت فيها الحكومات المسؤولية أمام شعوبها وطرحت برامج مبنية على أرقام وجداول زمنية لمواجهة التحديات الاقتصادية القادمة، وبغض النظر عن احتمالات هذه القرارات ونتائجها ومستوى تقييمها، لكن جماعتنا ما زالوا في سبات عميق على مخدات كبيرة وناعمة تساعد على النوم الطويل، لذا نأمل أن يتحول نومهم إلى كابوس مخيف لعلهم يفزعون منه ليتعوذوا من الشيطان وبدأوا بالتفكير الجاد، أو يكملوا نومهم لعل من هم أحرص على البلد وهموم شعبه ومستقبل أبنائه يتصدون لذلك!