تحدث كاتبنا الرائع الأستاذ حسن العيسى في مقاله ليوم الثلاثاء الماضي عن موظفينا الحكوميين الذين يوعزون لأنفسهم دور السلطات الثلاث، فهم يقبضون على الأفراد، يحاكمونهم، ثم ينفذون الحكم في نفس واحد. ذكر العيسى ضابط الشرطة الذي سمح لنفسه بالقبض على ثلاثة مواطنين شباب، ثم حلق رؤوسهم في تصرف بشع مهين بحجة أنهم متشبهون بالنساء. لم يتقدم هؤلاء لمحاكمة، لم يصدر عليهم حكم، لم تأتِ جهة مختصة لتنفيذ العقوبة، كل شيء تم على يد ضابط شرطة، فكان هو الشرطي والقاضي والسياف وباسم قانون معيب لا إنساني بالأساس. ثم أتى اللواء مازن الجراح ليهدد من يتأخرون في تجديد جوازات السفر بسحب بطاقاتهم المدنية، ويستغرب العيسى وأنا معه تصرف الجراح وكأن «الدولة مزرعة خاصة به» على حد تعبير كاتبنا، إلا أننا لا نتفاجأ، فتلك ليست المرة الأولى ولربما لن تكون الأخيرة التي يتصرف بها الجراح بأسلوب الكاوبوي هذا، فالرجل قبل فترة أعلن شراء جنسيات وشحن البدون إلى جزر القمر، هل من أريحية أكثر من ذلك؟

ولكن كيف يجرؤ موظفو الحكومة؟ يتحدث العيسى عن ازدواجية معاييرنا نحن كشعب، فتلك لربما هي أحد أهم الأسباب التي تجعلنا نحيا في حارة «كل من إيدو إلو». نحن نغضب عندما يمس الموضوع مصالحنا، لكننا نتغاضى وأحياناً نشجع الهمجية عندما تكون بعيدة عنا، فكان التشجيع عارما في إهانة الشباب الثلاثة والاستنكار تاما تجاه التهديد بسحب البطاقة المدنية، كل واحد ومصلحته، فصنعنا بأيادينا ذلك الموظف الحكومي الذي يتعنتر بحكم رخاوة المحاسبة وازدواجية الجماهير.

Ad

تكشفنا دائما مواقفنا، ومع ذلك، لا توجد محاسبة جماعية للنفس، فالمحاسبة والتقييم من صفات المجتمعات المتطورة المؤمنة بالحرية وبحقوق الإنسان. كشفتنا أحداث البحرين ومصائب سورية، كشفتنا مصيبة سحب الجنسيات، كشفتنا اعتقالات أصحاب الرأي، كشفنا الموقف تجاه مسلم البراك ثم الموقف تجاه عبدالحميد دشتي وكل موقف تقريباً في قضية رأي، كل يوم يكشفنا قبولنا للبغيض الذي يكون حميداً طالما هو بعيد عنا، ولا يتحول للبغض إلا إذا مسنا في حياتنا. ويكشفنا اليوم وكل يوم الرضا بإهانة الناس طبقاً لمعاييرنا الأخلاقية والدينية، بكل سذاجة نحكم أن فلاناً آثم، مصيره النار، فنذيقه منها شيئا في هذه الدنيا، حتى ضابط الشرطة تحول إلى قاضٍ وفقيه في ذات الوقت، حكم وحلق، قرر وأنزل العقوبة بحسب تقييمه الأخلاقي الخاص.

نعيش كلنا منغمسين في ازدواجية يومية، رأي في يد ورأي مناقض في يد أخرى. كيف تكون فارساً ويداك مشغولتان بنفاقك؟ الازدواجية تشغل يديك وتسقط سيفك... يا عنتر.