أول العمود:

Ad

حتى الحلول التي طرحت لإرضاء المواطن بسبب أزمة رفع الدعم عن البنزين تدل على الضحالة التي يتمتع بها السياسيون في هذا البلد.

***

سقط المتطرفون الفرنسيون من جهة، ومؤيدو لبس الـ"بوركيني" (لباس السباحة النسائي الساتر) من المسلمين من جهة أخرى في الامتحان حينما اعتبروا أن هذا اللباس ذو دلالة دينية. المتطرفون اعتبروه مشروعا سياسيا ضد المجتمع مبنيا على استعباد المرأة، كما قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، ومن دافعوا عنه من زاوية دينية اعتبروه زيا من العقيدة أو "إسلاميا" على وجه الدقة.

الـ"بوركيني" لمصممته الأسترالية من أصل لبناني عاهدة زناتي ظهر في عام 2003 وصار علامة تجارية في 2007 حتى في دول أوروبية، ولقي رواجا كبيرا بين المسلمات كحال الحجاب والعباءة الإسلامية.

من الواضح أن المسألة سياسية بحتة لها صلة بالموقف من الجالية الإسلامية في فرنسا بسبب أحداث كثيرة منها إجرامية كالقتل والتفجيرات التي تقوم بها جماعات متطرفة وتقع لاحقا على رؤوس العامة المسالمين من الجالية المسلمة، أو لأسباب اجتماعية وسلوكية تعمل دون تعمد على تعويم سلوكيات إسلامية بين الفرنسيين كالحجاب والذبح الحلال وطقوس دفن الموتى وبناء المساجد التي يبلغ عددها اليوم 2500 مسجد.

من الصعوبة أن يحسم الجدل حول الـ"بوركيني" باتجاه المنع- وهذا ما أكده قرار المجلس الأعلى القضائي الأخير نحو إلغاء الحظر- لأن استعمالاته تكون في الشواطئ العامة، وهي فضاء عام وأماكن تسلية وقضاء وقت ممتع، على عكس مسألة حظر إظهار الرموز الدينية في المدارس التي منعت بقانون عام 2004 وحظر النقاب الذي منع بقانون عام 2010.

الجدل في المجتمع الفرنسي شديد حول هذا الزي، خصوصاً مع بوادر الصلف والتشدد مع مرتادي الشواطئ من المسلمات واقتيادهن بالقوة ومنع تمتعهن بالسباحة أمام مرأى من جمهور الشواطئ! والقول بقبوله على الشواطئ ومنعه في المسابح المغلقة يعد مرفوضا إذا كانت مادة التصنيع تتطابق والشروط الصحية المطلوبة، وتماثل مواد تصنيع الـ"بوكيني" التقليدي، كما هي الحال في السويد والنرويج ودول أوروبية أخرى، حيث تقوم ببيعه على من ترغب في المسابح المغلقة.

في رأيي أن استخدام القوة مع مرتديات الـ"بوركيني" يتنافى مع مبادئ الحرية الشخصية التي يؤكدها قانون العلمانية الفرنسي ودستور الدولة، بل إن الحملة ضد هذا الزي فيها تطرف وتشدد في غير محله، ونتمنى أن يقف عند دوافعه السياسية والانتخابية الوقتية، لأن هذه المسببات إلى زوال بسبب رغبة القوى السياسية الفرنسية في عدم منح اليمين المتطرف أي فرصة للكسب السياسي.