بعد حصار مميت من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد دام نحو أربع سنوات، بدأت داريا المدمرة قرب دمشق أمس تنفيذ اتفاق يقضي بخروج آلاف المدنيين والمقاتلين من هذه المدينة، التي طالما كان لها رمزية خاصة لدى المعارضة السورية.

وبالتزامن مع عملية إخلاء داريا، تتواصل الجهود الدبلوماسية في مسعى لاستئناف مفاوضات السلام بين الحكومة والمعارضة السوريتين بلقاء جمع أمس وزير الخارجية الأميركية جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف.

Ad

وتوصلت الحكومة السورية والفصائل المعارضة في داريا أمس الأول، وفق الاعلام الرسمي، إلى اتفاق يقضي بخروج 700 مقاتل الى إدلب و«4000 من الرجال والنساء مع عائلاتهم إلى مراكز إيواء»، فضلاً عن تسليم المقاتلين لسلاحهم.

ومن المدخل الجنوبي للمدينة المدمرة دخلت أولى سيارات الهلال الأحمر من دون ان يتضح موعد بدء عملية الإجلاء، كما يجري تحضير القافلات لدخول المدينة وإخراج الأهالي والمقاتلين.

رمز الاحتجاج

وأفاد المجلس المحلي لمدينة داريا المعارض على صفحته على فيسبوك ظهر أمس، أن «عملية خروج الاهالي من داريا بدأت»، على أن تستكمل اليوم.

وأظهرت صورة نشرها مجلس المحلي احد الشبان وهو يقبل اسم داريا على احد جدران المدينة.

ولداريا رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، فهي كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد الأسد في مارس 2011، كما انها خارجة على سلطة النظام منذ اربع سنوات، بعدما تحولت الاحتجاجات الى نزاع مسلح، وهي من اولى البلدات التي فرض عليها حصار.

وقال أحد مقاتلي الفصائل المعارضة في المدينة من بيروت ان داريا تعيش «أصعب اللحظات، الجميع يبكي، الطفل يودع مدرسته، والأم تودع ابنها الشهيد عند قبره». يجمع سكان داريا، وفق قوله، «اغراضهم المتواضعة المتبقية، لتبقى معهم ذكرى لأربع سنوات من الحصار والجوع والقصف، وتبقى ذكرى لمجتمع دولي خذلهم دون اي ذنب».

وجهة الخارجين

وكان مصدر في الفصائل المعارضة اكد لـ»فرانس برس» أن «المدنيين سيتوجهون الى مناطق تحت سيطرة النظام في محيط دمشق، وسيذهب المقاتلون مع عائلاتهم الى محافظة ادلب في حين فضل آخرون تسوية اوضاعهم مع النظام».

ويسيطر تحالف «جيش الفتح»، وعلى رأسه جبهة «فتح الشام» وحركة «أحرار الشام»، على كامل محافظة ادلب باستثناء بلدتين محاصرتين. وستحتاج عملية اخلاء داريا إلى «اربعة ايام قبل ان يدخل الجيش السوري» اليها، وفق مصدر سوري ميداني.

إخلاء المدينة

ويعيش نحو ثمانية آلاف شخص في داريا الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات جنوب غرب العاصمة. وهي أيضاً مجاورة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.

وأوضح المقاتل المعارض في المدينة أن قرار التوصل الى اتفاق مع الحكومة السورية على إخلاء المدينة «بعد صمود دام أربع سنوات يعود الى الوضع الإنساني المتدهور فيها، والقصف المتواصل عليها، فكان لابد من حماية المدنيين».

وأضاف «المدينة لم تعد صالحة للسكن، فقد باتت مدمرة تماماً» اذ كانت داريا تتعرض للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يوميا، فضلا عن القصف المدفعي والغارات الجوية، ما أسفر عن دمار هائل فيها.

وكانت داريا قبل الحرب تعد نحو 80 الف نسمة، لكن هذا العدد انخفض 90 في المئة، حيث واجه السكان طوال سنوات الحصار نقصا حادا في الموارد. ودخلت في شهر يونيو أول قافلة مساعدات الى داريا منذ حصارها في العام 2012. وعند مدخل داريا الجنوبي، كتب على احد جدران الأبنية «داريا الحرة مع تحيات الجيش الحر».

كيري ولافروف

وبعيداً عما يجري على الأرض، بدأ كيري ولافروف اجتماعا في فندق فخم على ضفاف بحيرة بيمان في جنيف لمدينة السويسرية، لبحث استئناف المفاوضات السورية.

وكان الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا، صرح أمس الأول، ان لقاء كيري لافروف سيكون «مهما»، وقد يكون له تأثير على استراتيجيته لاستئناف المفاوضات.

ويأتي الاجتماع في وقت يزداد النزاع السوري تعقيداً مع التدخل العسكري التركي في شمال البلاد ضد تنظيم «داعش» والمقاتلين الأكراد.

العملية التركية

وفي مؤشر إلى استمرار العمليات بعد طرد «داعش» من مدينة جرابلس، أفادت وكالة «فرانس برس» بأن أنقرة ارسلت أمس اربع دبابات اضافية الى المدينة، مشيرة إلى وقوع عدة انفجارات فيها.

وفي حين شدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم على أن أنقرة لن تسمح بفرض أمر واقع الحدود، نفى أن عمليتها العسكرية المستمرة في سورية لليوم الثالث تركز على الأكراد، معتبراً أنها «اكاذيب».

وقال يلدريم رداً على سؤال حول مقال نشرت صحيفة «در شبيغل» الألمانية تحت عنوان «العملية التركية: تنظيم الدولة الاسلامية ذريعة، الأكراد هم الهدف»، «اما انهم لا يعلمون شيئا عن العالم، واما ان عملهم يقضي بنقل اكاذيب»، مضيفاً: «مهمة جنودنا تقضي بضمان امن حدودنا وحياة مواطنينا. وسنواصل العمليات حتى ضمان امن حدودنا بنسبة مئة في المئة، حتى نطرد عناصر داعش خارج المنطقة».

حلب المساعدات

وفي حلب، طالب عدد من الهيئات المدنية والمجالس المحلية في الأحياء الشرقية المنظمات الإنسانية بإدخال المساعدات عبر معبر الراموسة بدلاً من معبر الكاستيلو، الذي تسيطر عليه القوات الحكومية بعد خروج عدة مظاهرات تعبر عن رفضها لاعتماد «الكاستيلو» معبرا إنسانيا وحيدا، مؤكدة أنه غير آمن.

وأوضح عضو مجلس مدينة حلب الحرة مصعب الخلف أن الكاستيلو يحاول من خلاله النظام تحقيق مكاسب سياسية، وتحكمه بالمساعدات الإنسانية للمعارضة والأفراد، مؤكداً أن «مجلس حلب قدم كتابا للهيئة الأممية يتضمن الاعتراض على طريق الكاستيلو، دون أن يتلقى رداً على طلبهم حتى الآن».