غير مستغرب أن تعصف الخلافات بتحالف روسيا وإيران، فكلٌّ من هذين الطرفين له حساباته ومصالحه الخاصة، ولذلك فإنه أمر طبيعي أنْ يُحوّل الروس استخدام قاذفاتهم الاستراتيجية إلى استعراضٍ مسرحي لإفهام كل من يهمهم الأمر، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية، أنّ دولتهم "الاتحادية" قد أخذت مكانة الاتحاد السوفياتي في ذروة تألقه، وأنها لم تصبح دولة كبرى فقط، بل دولة عظمى لها الحق المفروض فرضاً أن تفعل في الشرق الأوسط ما تريده، وكل ما يتلاءم مع مصالحها وتطلعاتها الإقليمية والكونية.

لقد كان على الإيرانيين، الذين يقودون إيران بمفاهيم القرون الغابرة، أن يفهموا هذا، وأن يدركوا أنّ العلاقات بين الدول علاقات مصالح وعلاقات تحقيق مكاسب، وأنّ تدخل روسيا على خط الأزمة السورية، وبكل هذا "الفجور" وكل هذه الاستعراضية، لم يكن حباً لبشار الأسد ولا إعجاباً بطول رقبته، ولا بفهمه واستيعابه، بالطبع، لـ"الماركسية-اللينينية"، التي ركَلها ميخائيل غورباتشوف بقدمه، وسار على هذا النهج من بعده بوريس يلتسن، وهذا النجم المتلألئ فلاديمير بوتين، بل من أجل إثبات أن دولتهم أصبحت دولة عظمى، وأن لها الحق في أنْ تكون لها حصة كبرى في الشرق الأوسط الذي خلافاً لقناعات هذه الإدارة الأميركية البائسة لا يزال منطقة استراتيجية، إنْ بسبب موقعه الجغرافي، وإنْ بالنسبة لما يحتويه من مصادر الطاقة المتعددة الرئيسية.

Ad

والواضح أن هؤلاء، الذين ينشغلون بالتصارع على القيادة وعلى النفوذ في إيران، هُم أدنى مستوى من أنْ يدركوا أنَّ بلدهم سيكون الخاسر الأكبر، إن هو أقحم نفسه في ميدان اللعب مع الكبار، وأنّ اتفاقية النووي التي أبرمها باراك أوباما معهم، وهو غير مستبعد أن يحاسب عليها ذات يوم قريب، إنْ هي سهلت لهم احتلال العراق وسورية فإنها لا يمكن أن تحميهم من سطوة فلاديمير بوتين الذي بات يتصرف بنزعة ستالينية واضحة، وبنزعة "قيصرية" عزّزها كل هذا التردي السياسي الذي غدت تعانيه الولايات المتحدة.

وهكذا، فإنه كان على هؤلاء الذين يحكمون إيران بعقلية ما قبل العصور الوسطى بمئات السنين، أن يدركوا أنهم بكل هذه العلاقات غير المتكافئة مع روسيا قد سلموا ذقونهم، وليس قاعدة "همدان" فقط، لـ"قيصر" جديد، ولرجل وصل إلى الحكم بأساليب ملتوية كثيرة عنوانها: "غروزني" الشيشانية التي أصابها ما يصيب حلب الآن، والذي مَثَلُه الأعلى جوزيف ستالين الذي تجاوز بما فعله بشعبه وشعوب أوروبا الشرقية كل طغاة وجلاوزة التاريخ.

إن على هؤلاء الذين أثبتوا أنهم ما زالوا تلاميذ مدرسة ابتدائية بالنسبة إلى ألاعيب الدول الكبرى، أن يدركوا أن احتلالهم للعراق وسورية سيزول قريباً، وأنّ تدخلهم في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية سينتهي في النهاية، وأن تحالفهم مع الروس هو تحالف مصالح. وهنا فإن عليهم أن يدركوا أيضاً، في ضوء "معمعة" همدان هذه، أن الأقوى في مثل هذه العلاقات المصلحية هو الذي سيفرض في النهاية رأيه على حليفه. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما بين طهران وموسكو هو أن هناك تابعاً وأن هناك متبوعاً، وأن التابع (وليس الحليف) هو هؤلاء الذين يتربعون على كراسي الحكم في طهران وهم يعتقدون، واهمين، أنّ مصير العالم بأسره ليس بأيديهم، وإنما تحت أقدامهم!