تقف اليوم دول الخليج العربية على مفترق طرق خطير، وخيارات جادة مع التطورات السلبية التي تتلاحق من حولها، وكذلك الموقف الدولي الذي يبتعد عنها، وملفات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية التي تتدهور بين أيديها، ونفاق عواصم دول الحسم الكبرى معها، والتحديات الاقتصادية التي تجعلها في قلق دائم حتى لو عاشت سنوات من الفوائض والانتعاش الاقتصادي.

بعيداً عن إعلامنا الرسمي والإعلام الموالي، فإن التقييم الصادق لوضعنا الخليجي سلبي حتى لا أقول إنه سيئ، فنحن الآن أشبه بالمحاصرين من إيران المدعومة علناً وضمناً من موسكو وواشنطن، وملفات اليمن والعراق استنزاف دائم، وكذلك البحرين إلى حد ما، وخسرنا القضية السورية، وتسببنا في مآس للشعب السوري الذي دعمنا ثورته ثم وقفنا موقف العاجز وهو يقصف من كل شياطين الأرض دون حراك، وقفزنا بين واشنطن وباريس وموسكو وأنقرة لم يأت بأي نتيجة للشعب السوري المكلوم، بينما غول التنظيمات الإسلامية المتطرفة ينخر بنا في الداخل، ويدمر الجاليات الإسلامية حول العالم، بعد أن صدرنا من الخليج إسلامنا المتزمت للعالم من اللباس والمأكل وحتى المايوه الإسلامي!

Ad

بعد 11 سبتمبر 2001 أنذر العالم دول الخليج بأنها إن لم تتغير فإنها ستجني الحسرات، فحاولت أن تضحك عليهم في القمة العربية في تونس 2004 بإصدار الوثيقة العربية للديمقراطية والإصلاح ومكافحة الفساد، والتي لم ينفذ منها شيء، وتتالت الأحداث حتى الربيع العربي الذي اعتقدت أسر الحكم في الخليج العربي أنها خرجت من موجته سالمة، ولكن الخطر الأكبر مازال قائماً، ويزحف نحوها بعد أن غيرت واشنطن تحالفاتها في المنطقة، وتحذيرات الرئيس الأميركي أوباما للقادة الخليجيين بضرورة الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية، والتي كان آخرها في قمة كامب ديفيد 2015، وفي لقاءاته الصحافية المتكررة دون طائل.

الأسر الحاكمة في الخليج لديها قناعة بأنها كما عبرت كل التحديات خلال الحكم العثماني، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وثورات القوميين العرب من جمال عبدالناصر حتى معمر القذافي وحروب صدام حسين والربيع العربي فإنها قادرة بنفس تشكيلها وأدائها وتحالفاتها مع رجال الدين والنخب التجارية والقوى القبلية على أن تعبر التحديات التي تواجهها الآن.

وبالطبع فإن ذلك خطأ فادح، لأن العالم يواجه حالياً ما يسمى بـ"الإرهاب الأصولي الإسلامي"، الذي ترى عواصم القرار أن منبعه وتمويله يأتي من دول الخليج مهما أنكرنا ذلك، كما أن الشعوب الخليجية يتغير وعيها ومطالبها بشكل سريع ومتعاظم، لذا فإن موجة الربيع العربي في مد وجزر، وقد يكون لها "تسونامي" مفاجئ ودون إنذار مسبق، خاصة في ظل قرارات مواجهة العجز في الموازنات الخليجية غير العادلة اجتماعياً.

الأسر الحاكمة في الخليج تملك خياراً واحداً نافعاً ومنقذاً لها ولأوطانها، سيقفز دوماً أمامها مهما هربت منه، وهو "عصرنتها" عبر التخلي عن هيمنتها الشاملة على إدارة الدولة في مقابل تعزيزها للمشاركة الشعبية، وفك تحالفاتها مع رجال الدين المتزمتين والنخب التجارية الاحتكارية، على أن ترسخ دور الإصلاحيين وتحمي الطبقة المتوسطة القادرة فعلياً على حماية واستقرار الأنظمة السياسية، وهي الطبقة التي حمت النظام في الكويت خلال فترة ما سمي بالحراك، لعدم قناعاتها بمن يقود ذلك الحراك لتورط معظمهم في المشهد السياسي الفاسد.