الآن بعدما أصبح لها قواعد عسكرية في إيران، أهم كثيراً من قاعدة "حميميم" في سورية، فإنه يحق لروسيا، التي لم تنهض من كبوة انهيار الاتحاد السوفياتي إلا متأخرة جداً، وبعد فترة انتقالية كانت قاسية وصعبة جداً، أن تمدَّ لسانها في وجه الولايات المتحدة، وأن تدّعي أن ما لم يتحقق في المرحلة الشيوعية التي امتدت أكثر من سبعين عاماً قد تحقق الآن في عهد فلاديمير بوتين، إذ يعتبر المحيطون به، وكلهم لا يتقنون إلا هزَّ رؤوسهم، والموافقة على كل شيء، أنَّ ما لم ينْجز حتى في زمن فلاديمير إليتش لينين، الذي كان يصف أميركا "الإمبريالية" بأنها نمر من ورق، قد أُنجز في عهد بوتين خلال سنوات معدودات!

ما قبل انتصار ثورة الخميني في فبراير 1979، كانت إيران كلها قاعدة أميركية، وكانت "نوجه" في همدان معدة لأيِّ مواجهة عسكرية طارئة بين الغرب والشرق، أي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وبين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، لكن ها هي "نوجه" تصبح قاعدة عسكرية روسية، ويحقق فلاديمير بوتين ما لم يحققه من سبقوه مثل فلاديمير إليتش لينين وبوريس يلتسن، وهذا من المفترض أن تتحمل تبعاته هذه الإدارة الأميركية (الديمقراطية) وباراك أوباما، الذي لم يعرف ما الذي جعله يتخاذل كل هذا التخاذل في هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية، منطقة الشرق الأوسط، ويوقع الاتفاق النووي الذي وقعه مع دولة الولي الفقيه، والذي بالاستناد إليه تمكنت إيران من احتلال دولتين عربيتين رئيسيتين هما سورية والعراق، وأصبحت دولة إقليمية رئيسية فاعلة.

Ad

لقد ساد اعتقاد مع بداية انفجار الأزمة السورية (2011) أنَّ باراك أوباما لم يعد يرى أنَّ منطقة الشرق الأوسط منطقة مصالح حيوية (استراتيجية) للولايات المتحدة وللغرب كله، وأن هذه المصالح باتت في الشرق الأقصى مع الصين وكوريا الجنوبية واليابان، لا في هذه المنطقة، لذلك فإنه اتخذ تجاه ما يجري في سورية كل هذه المواقف التراجعية، وبادر إلى التخلي، بدون خجل ولا وجل، عن كل ما قاله في مدرج جامعة القاهرة، وأدار ظهره للقضية الفلسطينية، حيث حال دون اتخاذ مجلس الأمن أي قرار جدي تجاه هذه القضية خلال الأعوام الثمانية التي قضاها في البيت الأبيض، والتي شارفت على الانتهاء.

لقد كان بالإمكان احتمال تخاذل باراك أوباما وإدارته، ومن ضمنها وزير خارجيته جون كيري، الذي بات يبدو، مقارنة بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بلا طعم ولا لون ولا رائحة، قبل الغزو العسكري الروسي لسورية، وقبل أن يتمادى الرئيس فلاديمير بوتين كثيراً في تحدي الولايات المتحدة، وأيضاً إهانتها وإظهارها كدولة كسيحة وبلا حول ولا قوة ولا إرادة فاعلة، لكن بعد ذلك بعدما أصبحت همدان الإيرانية قاعدة روسية، وحيث كانت حتى عام 1979 قاعدة أميركية، وبالتالي قاعدة لحلف شمال الأطلسي، فإنه لم تعد هناك إمكانية للسكوت، وانه لابد من القول، بصوت مرتفع، انَّ هذه الإدارة أسوأ إدارة أميركية منذ أن قامت الولايات المتحدة حتى الآن!

وحقيقة ان انحدار الولايات المتحدة كل هذا الانحدار أمام تمدد روسيا الاتحادية في هذه المنطقة، التي لاتزال أهم منطقة استراتيجية في الكرة الأرضية، سيجعل حلفاء الولايات المتحدة والغرب عموماً في الشرق الأوسط، الذي قلبه هذه المنطقة العربية، يعيدون النظر بتحالفاتهم التاريخية هذه، وذلك إنْ لم يبادر الأميركيون بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء أكان الفائز دونالد ترامب أم هيلاري كلينتون، بهجوم معاكس يعيد بوتين إلى حجمه المفترض الحقيقي، ويعيد الروس إلى واقع ما قبل توقيع اتفاقية النووي بين باراك أوباما ودولة الملالي، لذلك إن لم يتحقق هذا فإنه لابُد من القول، وداعاً لأميركا دولة عظمى، لعلَّ وعسى أنْ تأتي إدارة جديدة غير هذه الإدارة الباهتة البائسة!