أثار قرار الحكومة رفع أسعار البنزين ردود أفعال كثيرة، وبات حديث الساعة في الدواوين ومواقع التواصل الاجتماعي، وكما هو واضح فإن الغالبية العظمى من هذه الردود هي ساخطة بطبيعة الحال بدعوى أن الحكومة لم تجد سوى مس جيب المواطن بدلا من معالجة الكثير من مواطن الهدر في ميزانية الدولة، ومحاربة الفساد الكبير في أروقتها، لكن برأيي أن الموضوع أكبر من قرار رفع أسعار؛ لأنه يكشف عن فساد وانتهاء صلاحية النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم منذ الاستقلال، فقرار الحكومة وردة فعل الناس يكشفان عن حجم الأزمة التي يعيشها مجتمعنا الريعي.

نعم قرار رفع أسعار البنزين- وإن كان بذاته مستحقا- كان يجب أن يكون ضمن رؤية كاملة وشاملة للإصلاح وترشيد الإنفاق، وهو أمر مفقود لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والناس محقون في قولهم إن هناك الكثير من مواطن الهدر والعبث بالمال العام أولى باهتمام الحكومة بها لإصلاحها، لكن هذا بكل بساطة لن يحدث. فالإصلاح مستحيل في نظام اقتصادي واجتماعي أساسه فاسد وقائم على المنح والعطايا، وتكديس المواطنين في قطاع عام مترهل دون إنتاجية تذكر، فيما نستجلب العمالة الوافدة لخدمتنا في أغلب مناحي الحياة، هذا النظام بطبيعته هو مغناطيس الفساد وبيئته الحاضنة التي من المستحيل أن ينشأ فيها نظام تنموي متطور يراعي العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

Ad

من السهل جدا أن نلقي بكل المشاكل على مجلس الوزراء وننتظر الفرج على يده ونحن نتفرج، لكن من الصعب أن نواجه الحقيقة، وهي أننا كشعب جزء من المشكلة إن لم نكن أصلها، فكما تكونون يولى عليكم، فكفاءة مجلس الوزراء انعكاس لكفاءة مجلس الأمة، وكفاءة المجلس انعكاس لخيارات الناخبين في صناديق الاقتراع، فهل كنا حقا نتوقع الحصول على حكومة أفلاطون ونحن ننتخب المرتشي والمتطرف وتاجر الإقامات ومخلصي المعاملات؟! نهاجم المتنفذين في البلد يوميا، ثم نبيع أصواتنا لهم بأبخس الأثمان! ننتخب الطائفي المتطرف ونتساءل بعدها عن فقدان الفكر التشريعي المتطور، وننتخب ابن القبيلة والعائلة والطائفة عديم الكفاءة لكي يجلب المناصب لفئتنا نفسها ثم نشتكي من الواسطات وعدم تكافؤ الفرص، وننتخب من تشتريهم الحكومة بمعاملات علاج بالخارج، ثم نشكو من رداءة الخدمات!

نعم يا سيدات ويا سادة، نحن أصل المشكلة وأساسها، و"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، سوء خياراتنا هو سبب مشاكلنا، وهنا لا أتحدث فقط عن المجلس الحالي، فما يحسب له- مع سوء كثير أعضائه- هو تمريره للكثير من التشريعات، لكني أتحدث عن جميع المجالس منذ سنة 63 إلى يومنا هذا، فثقافة الريع والاتكالية والخمول لن تنتج مواطنا صالحا مسؤولا، بل تنتج مواطنا فاسدا ومجتمعا ممزقا تتناحر فئاته على ما بقي من كيكة الثروة الطبيعية.

ولن تتغير الأحوال للأفضل إلا بتغيير المعادلة الاقتصادية والاجتماعية الحالية، لكن إذا استمررنا في النموذج نفسه والعقلية الحالية نفسها في الانتخاب لننتج بعض النماذج الحالية أو نماذج أخرى أكثر سوءا من بين العائدين من المقاطعة، فالوضع سيزداد سوءا، فحالنا كمن يركب جانب سائق سيارة يقودها بأقصى سرعة نحو الحائط، فإن لم نتدخل فإننا ماضون لا محالة نحو الحائط، لكن الفرق أن باب السائق مفتوح أم بابنا فمقفول، والشاطر يفهم.