لا يشكّل فيلم «Don't Think Twice» «لا تفكر مرتين» تجربة سريعة لا تكف خلالها عن الضحك. على العكس، يلجأ الكاتب والمخرج مايك بيربيغليا، الذي يؤدي دور فكاهي مخضرم في عالم الارتجال في بروكلين يخشى أن يكون قد فوّت فرصة نجاحه، إلى أسلوب أقل حدة لينقّل التفاعلات والتوتر داخل عالم الارتجال. ففي هذا النوع من العروض، غالباً ما تسير المسائل بخلاف المرجو.

لا أريد أن أطيل الكلام عن تاريخ عروض الارتجال، شأني في ذلك شأن بيربيغليا. في مقدمته المعدة بإتقان، يطلعنا Don’t Think Twice على بعض المعلومات عن تأثير مجموعة Compass Players، التي قدمت لنا مايك نيكولز، إلاين ماين والكثير غيرهما. كذلك تقتبس هذه المقدمة كلمات نجم الارتجال الشهير ديل كلوز، مركِّزة على شعاره: «اسقط وفكّر في ما عليك فعله وأنت تهوي». ببسيط العبارة (ويحتوي Don’t Think Twice على بعض المشاهد البسيطة)، يعني ذلك الارتجال «الآني».

Ad

يتناول هذا الفيلم الخفيف، المقتضب، والحاد قصة مجموعة خيالية تُدعى The Commune تُشبه إلى حد كبير فرقة Groundlings في لوس أنجلس

وCompass، iO، وSecond City في شيكاغو. يولّد نص بيربيغليا، الذي يبرع في رسم التفاصيل وأنماط السلوك الغريبة، ما يكفي من الصراع داخل القصة للحفاظ على تماسكها: بلغ مايلز (بيربيغليا) السادسة والثلاثين من العمر ويقيم تلقائياًعلاقات مع عدد من طالباته اللواتي يلقنهن فن الارتجال. أوشك مايلز ذات مرة على الفوز بعمل في برنامج Weekend Live، الذي يشكّل نسخة مطابقة من Saturday Night Live. أما الأكثر توقاً إلى النجاح في مجموعة Commune، فهو جاك (كيغان-مايكل كي)، إلا أن صديقته سامانثا (غيليان جاكوبز)، التي تشارك أيضاً في هذه المجموعة، تبدو أكثر قلقاً حيال الخطوة التالية.

عندما تحضر مجموعة من العاملين في Weekend Live عرض The Commune، يعجز جاك عن تمالك نفسه: فيكشف عن مهاراته الكبيرة، يبدأ بالتباهي، ويبرع في تقليد أوباما (لا شك في أنه ماكر كي يتقن تقليد أوباما). يتناول السيناريو انتقال بعض أعضاء الفرقة للعمل في برامج تلفزيونية في حين لا يتلقى آخرون أي عروض. في هذه الأثناء، تواجه هذه المجموعة احتمال طردها من المكان الذي تقدّم فيها عروضها. فستتحول صالة عرضهم في بروكلين إلى متجر تابع لشركة Urban Outfitters. في الوقت عينه، يعاني أحد المؤدين، بيل الضعيف الشخصية (كريس غيثارد، وأداؤه ممتاز)، أزمة عائلية.

لكن أعضاء المجموعة، الذين يشغلون وظائف مختلفة خلال النهار ويواجهون خيبات أمل متفاوتة، يدعمون أحدهم الآخر حتى عندما تزداد أوضاعهم صعوبة ومرارة. وعلى غرار كل مرتجِل، يُظهر Don’t Think Twice الحد الفاصل بين المواهب الفكاهية الكريمة النفس والأنانية، فضلاً عن الترنح على شفير هاوية الفشل الليلة تلو الأخرى.

قبل بضع سنوات، قدّم جود أباتو Funny People عن الصداقات المخادعة والمليئة بالحسد بين الفكاهيين الذين يسعون لإثبات أنفسهم في هوليوود. نجح هذا الفيلم إلى حد ما في تصوير هذا الوسط، مع أن تفاعلات الحبكة والتفافاتها طغت عليه في النهاية. لكن Don’t Think Twice، الذي يشكّل قصة حب من ناحية ورواية تحذيرية من ناحية أخرى، يعيدنا إلى بعض الأفلام غير المتوقعة التي تتناول بطريقة مبطنة عالم الفكاهة المرتجلة (Next Stop, Greenwich Village لبول مازورسكي أو Diner لباري ليفينسون). فيركّز على هذه التفاصيل بروح ارتجال واضحة، متحدثاً عن حالمين يعيشون في ما دعاه ستيفن كولبرت «ديمقراطية الفكاهة».

في المشهد الأول في فيلم بيربيغليا، نرى ستة كراسٍ صغيرة على مسرح فارغ. ولا شك في أن هذه الصورة الحزينة دقيقة، لأنها تمهد الطريق أمام ما سنشاهد لاحقاً من يأس صامت، كما عندما يدرك بيل أن سنوات عشرينياته كانت مليئة بـ«الأمل» والسعي وراء الأحلام المهنية. أما ثلاثينياته، فأعادته إلى الواقع وإلى التفكير في ‘مدى غبائه لتعلقه بأمل مماثل’. لكن غيثارد يذكر أن هذا الطرح يلائم لهجة الفيلم التصاعدية، كما لو أنه لا يؤمن شخصياً بهذه الفكرة.

يضم فيلم بيربيغليا بعض اللحظات التافهة، فضلاً عن لمّ شمل مؤثر على المسرح بين شخصيتين أساسيتين ينتمي إلى عمل أقل جودة يدور حول هذا الموضوع بالتحديد. ولكن في هذا الصيف المليء بأجزاء سلسلات الأفلام والأفلام المعاد تصويرها، فضلاً عن الأعمال المعتادة، يشكّل Don’t Think Twice فيلماً فكاهياً ساحراً بحق عن أشخاص حقيقيين يتحدون نفسهم ليعيدوا ابتكار واقع جديد من الضحك والحقائق البسيطة في مشاهده المختلقة الواحد تلو الآخر. وإلى أن ينجح أحد في إعداد فيلم مضحك بحق عن Compass Players، سيظل Don’t Think Twice المعيار الذي يجب التفوق عليه في الأفلام التي تتناول عالم الفكاهة.