هل يجب أن نُسَرّ بتضخيم قدرات الدماغ البشري بفضل التكنولوجيا؟
تيري هوكيه: إذا كان هذا المشروع يهدف إلى زيادة الإنتاجية في حياتنا وتعزيز الفاعلية والأرباح، لا أظن أن الوضع يدعو للسرور.فرانسوا بيرجيه: بل يجب أن نمنع أي مشروع مماثل نظراً إلى احتمال إفساد الأدمغة السليمة. لا نعرف الآثار الجانبية لهذا النوع من التلاعب العشوائي الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير الفكر البشري.هل تترددان في دعم التقدم التكنولوجي؟
فرانسوا بيرجيه: مطلقاً! تبدو الآفاق المحتملة مدهشة. أعمل مع فريقي على بناء واجهة تجمع بين دماغ وآلة ويُفترض أن تسمح للمريض الذي يعجز عن الكلام بتوجيه جهاز شفهي عبر التفكير. نجح باحثون أميركيون للتو في زرع جهاز في عمق دماغ شخصٍ معاق كي يتمكن من تحريك ذراعيه. تبدو الثورة المرتقبة هائلة لكني أحارب بكل قوتي في مجال الطب كي تنحصر التجارب ببروتوكولات بحثية صارمة.تيري هوكيه: تطرح الذاكرة اليوم تحدياً أساسياً بالنسبة إلى الأفراد المهدَّدين بأمراض عصبية تنكسية ترتبط بالشيخوخة. بدأنا ندرك أنها قيمة لا يمكن استنزافها إلا إذا امتنعنا عن استعمالها. نظراً إلى غياب أي علاج، قد تشكّل الحلول المشتقة من ثورات تكنولوجيا النانو الكهربائية خياراً بديلاً لمعالجة هذه الأمراض. إنه إنجاز إيجابي.فرانسوا بيرجيه: كما أن الطريق الذي يفتحه الطب التجديدي مذهل! سنتمكّن من تعديل نشاط الخلايا الجذعية لتجديد الدماغ وإنشاء خلايا عصبية إضافية أو منع خلايا أخرى من التكاثر لوقف نمو الأورام مثلاً.لكن كيف تريدان منع الناس من استعمال هذه التقنيات الغازية بدرجة معينة لزيادة راحتهم؟
تيري هوكيه: ما الذي يدفعنا إلى دس تقنيات مماثلة داخل أجسامنا، وتحديداً في دماغنا؟ إذا أردنا تعلّم لغة جديدة خلال خمس دقائق، قد نعتبر أن أفضل طريقة تقضي بتطوير واجهات خارجية للترجمة تدعو إلى الحوار مع جميع الأشخاص الذين نقابلهم. يدرك البشر مدى هشاشة الدماغ الذي يُعتبر موقع الهوية الشخصية. الدماغ مركز أساسي، لكنه يجسّد في خيال الناس كياناً لا يمكن المسّ به.فرانسوا بيرجيه: هذا صحيح. إنه واحد من عضوين تأسيسيين لدى الإنسان وقد يؤدي تغيير توازنه إلى عواقب كارثية. لا أحد يفهم وظيفته. يعكس السعي إلى تصنيع بشر خارقين وخالدين شكلاً من التدجيل ورؤية خاطئة عن الدماغ تعود إلى فترة الثمانينات. يؤدي تضخيم نوعية الدماغ بطريقة غير طبيعية إلى نشوء مرض شبيه بما يحصل للمصابين بمتلازمة «أسبرجر» المزوّدين بذاكرة استثنائية، لكنه لا يزيد مستوى الخصائص البشرية. تُعتبر قدرتنا على الاختراع والحب والبكاء استثنائية وتنجم عن تركيبة معقدة لا يمكن وصفها.على الإنترنت، يمكن أن نشتري أجهزة التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة وفيها تمارين تضمن تحسّن الوضع العصبي. هل يمكن اعتبارها طريقة فاعلة؟
فرانسوا بيرجيه: ليس بعد. تَعِد بعض القطاعات بتحقيق العجائب على أمل أن تجمع ثروات طائلة بسرعة. تبدو آفاق هذه الآلات مثيرة للاهتمام. إذا كنت تعلم أنك مُعرّض لمرض الزهايمر مثلاً، يمكن زيادة النشاط الدماغي في منطقة الذاكرة الواقعة في الحصين. في هذه الحالة، سنُحفّز الخلايا الجذعية لمنع تدهورها وسيسمح الغوص في العالم الافتراضي بالتأكد من إصابة الهدف. يجب أن نتعلّم هذا التمرين لأنه صعب التنفيذ. يمضي المرضى الذين يخضعون لهذه العملية سنة كاملة قبل أن يجيدوا تطبيقها. لكن سرعان ما ينجحون لأن المرونة الدماغية مدهشة.تيري هوكيه: بالنسبة لي، يثبت هذا الوضع جمال التعلّم الذي يسمح بتحقيق أهداف مدهشة وغير مسبوقة. مثل الرقص أو التمارين البدنية، تمهّد القواعد المتطلِّبة لتقديم أداء يثير إعجاب البشر عموماً.هل يمكن أن نستبعد كل محاولة قسرية عبر هذه التقنيات الجديدة «لتصحيح» أشخاص غير اجتماعيين أو عدائيين؟
فرانسوا بيرجيه: الخطر المطروح كبير. يحلم البعض باستعمال التحفيز العصبي الذي يُستخدَم في حالات الاكتئاب الحاد لمعالجة جميع العدائيين أو المنحرفين جنسياً في السجون. لذا لا يجب تغيير مسار هذه الممارسات. خلال الخمسينيات، كانت عملية فصل فص المخ الجبهي التي تقضي بقطع بعض الألياف في الفص الدماغي تنجح في حالات نادرة جداً، وتحديداً حين ترتبط بمتلازمات هوسية حادة. بدأت المشكلة الحقيقية حين أراد الناس استعمال هذه العملية للتخلص من حماتهم أو لتهدئة الأولاد المتمردين بعض الشيء! كان الوضع كارثياً طبعاً.هل أصبح البشر المعاصرون جاهزين لمواجهة مخاطر مماثلة؟
تيري هوكيه: لِنَقُل إن هذه التجارب كلها تجعلهم يتوهمون لكنهم يحبون في أعماقهم كل ما هو طبيعي. هم يتجنبون الأطراف الاصطناعية ويسيئون الحكم على جراحات التجميل ويرفضون المنشّطات. باختصار، يدين الناس كل شخص يسمح بأن يتلاعب به الآخرون. ملاحظة استفزازية أخيرة: يقدّر البشر اليوم «النبلاء» بجميع أشكالهم.إعادة ترميم الذاكرة
في ظل المساعي العلمية لاستكشاف أسرار الدماغ، يعمد هذا المجال أيضاً إلى اختراع التقنيات لمضاعفة القدرات. تشمل أهدافه جعل الزهايمر في طي النسيان!في الولايات المتحدة، وتحديداً في وكالة «داربا» المختصّة بالمشاريع الدفاعية المتقدمة، يعمل الباحثون على مشروع RAM Replay لإعادة تنشيط الذاكرة وتحسين الأداء. يهدف المشروع إلى تحفيز عملية التعليم خلال اليقظة وترسيخ الذكريات خلال النوم. لكن يكون التيار الذي تبثه الأقطاب الكهربائية الموضوعة على فروة الرأس ضعيفاً ولا تسبب العملية أي ألم.لم تبدأ الاختبارات على حيوانات التجارب بعد لكن يتصور بعض الأطباء ابتكار خوذة تستهدف عامة الناس بالتعاون مع شركة تصنيع المحفزات الدماغية الإسبانية Neuroelectrics والشركة الأميركيةSoterix Medical. يمكن أن يستفيد منها الطلاب والموظفون والرياضيون وحتى ضحايا اضطرابات الذاكرة غداة الإصابات الدماغية الصادمة. لكن لن يكون هذا الاختراع كفيلاً بمعالجة مرض القرن الواحد والعشرين، أي الزهايمر الذي يصيب أعداداً متزايدة من الناس حول العالم.حقنة من الذكريات
يمكن أن يأتي الحل من جامعة كاليفورنيا الجنوبية ومركز «ويك فوريست» الطبي المعمداني في كارولاينا الشمالية. يتألف هذا الابتكار من شبكة أقطاب كهربائية تُزرَع مباشرةً في الدماغ وتهدف إلى تغيير مسار المعلومات الحسّية التي يتلقاها وتوجيهها نحو منطقة غير متضررة من الحصين، أي موقع الذاكرة طويلة الأمد التي تتدهور تدريجياً لدى المصابين بالزهايمر. من خلال تقليد وظيفة الخلايا الدماغية، يؤدي الزرع المتطور تكنولوجياً دور المترجم الفوري بين الفص الجبهي (موقع الذاكرة قصيرة الأمد) والحصين، ما يعني أنه يبدأ بحقن الذكريات في هذه المنطقة. لكن عدا معالجة الأمراض العصبية التنكسية، تفتح هذه التكنولوجيا الجديدة آفاقاً تهمّنا جميعاً: تحسين الذاكرة. يقوم نظام الحلول الحسابية الذي طوّره الباحثون في صلب رقاقة مزوّدة بأقطاب كهربائية صغرية بتوجيه الإشارات الكهربائية التي تتنقل في الدماغ وترجمتها كي يفهمها الحصين ويحافظ على وظيفته، جزئياً على الأقل. قد يساعدنا هذا النظام على تسريع مسار التعلّم وتجنب النسيان، لكن يحتاج هذا الابتكار إلى المزيد من الوقت.ربما ظهر الحل لمعالجة الزهايمر أخيراً في «تولوز». في مركز بحثي مختص بالمعارف الحيوانية، نجح فريق البحث في السنة الماضية بإعادة الذاكرة إلى فئران مصابة بهذا المرض عبر شكلٍ من العلاج الجيني. ترتكز العملية على فيروس مُعَدّل: بعد حقنه في الحمض النووي الخاص بالخلايا الجذعية التي تعود إلى خلايا عصبية مستقبلية، تضطر الخلايا للتطور بوتيرة طبيعية. لكن ما ستكون النتيجة على فئران سليمة؟ قد تتحسّن قدراتها المعرفية لكن لم يخضع هذا الجانب للدراسة بعد لذا يمكن إطلاق العنان للأحلام.زرع حاسوب في الدماغ
خلال أقل من 40 سنة، قد نودّع الهواتف الذكية الثمينة لأننا سنتخلى عن هذه الأجهزة المساعِدة التي تحتاج إلى إعادة الشحن. سيتركّز كل شيء في رأسنا.تمكّن باحثون من جامعتَي هارفارد وبرشلونة، بالتعاون مع الشركة الفرنسية Axilum Robotics، من نقل رسالة بسيطة («صباح الخير») بين نوع من القوارض في الهند وآخر في «ستراسبورغ». على رأس المرسَل وضعوا خوذة تلتقط الموجات المغناطيسية التي يبثها نشاط الخلايا العصبية. ثم أرسلوا الإشارات المشفّرة على حاسوب إلى المتلقي عبر الإنترنت. كان هذا الأخير مزوّداً بخوذة عاملة بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، فتلقى الرسالة على شكل تحفيز دماغي شبيه بنبضات ضوئية وكان قد تعلّم مسبقاً تفسير تلك الومضات.لا شك في أن الجهاز ثقيل ولا يعمل إلا في اتجاه واحد لكنه يفتح آفاقاً مثيرة للاهتمام. إذا تمكّنا من تحويل نشاطات الخلايا العصبية إلى لغة محوسبة، قد نتوصل إلى السيطرة على أي آلة عبر التفكير. من الناحية العسكرية تكثر الإيجابيات أيضاً: سيتراجع عدد الرجال المنتشرين ميدانياً وسيقتصر مركز القيادة على موجّهي طائرات بلا طيار تنشط براً أو تحت سطح الماء وتكون مزوّدة بأنظمة طيران أكثر سرعة وتفاعلية يمكن توجيهها عبر التفكير.بالنسبة إلى البشر الفانين «العاديين»، سيكون الدماغ المتّصل بوسائل التكنولوجيا الحل المنتظر لتشغيل غسالة أو مكنسة آلية بمجرّد التفكير بهذه الفكرة لنصف ثانية، أو للوصول إلى المعارف المتاحة على الإنترنت. يحلم الكثيرون طبعاً بتلقي أجوبة على الأسئلة الغريبة التي يطرحها الأولاد أو أرباب العمل بلمح البصر! لكن لتحقيق هذه الغاية، يجب أن نتقبّل أولاً فكرة التعايش مع الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع تفسير جميع أنواع المطالب. تَعِد هذه التكنولوجيا التي أصبحت في ذروة تطورها بأفضل النتائج (مساعدتنا في كل شيء) لكنها تنذر في الوقت نفسه بأسوأ الاحتمالات (الانقلاب علينا). لتجنب أي آثار سلبية، يجب أن نتعايش مع الذكاء الاصطناعي. لكن لا يُجمِع الخبراء على هذه الفكرة. يمكن تهجين الدماغ طبعاً، لكن لن تفيد هذه الخطوة إلا في رفع مستوى المنطق ومن المعروف أن آلات الذكاء الاصطناعي تبرع في هذه العملية. لكن لا يمكن حصر الذكاء الاصطناعي بالمنطق وحده لأننا نختلف عن الحواسيب وعن البشر الآخرين بمخاوفنا وحدسنا وخيالنا ومواهبنا الفنية وحسّ فكاهتنا. تجد الآلات صعوبة في اكتساب مليارات الخصائص البشرية المتغيّرة.نقل المادة الرمادية إلى الآلات
تعتبر حركة «ما بعد الإنسانية» أن التكنولوجيا ستقتل الموت مستقبلاً عبر نسخ أرواح الأفراد داخل الحواسيب.منذ أربعين سنة، توقّع عالِم الحواسيب غوردون مور، أحد مؤسسي شركة Intel، أن تتضاعف القدرة الحسابية للحواسيب كل سنتين. هكذا نشأ «قانون مور». يشكّك علماء كثيرون اليوم بذلك القانون الذي يتوقع أن تصبح الحواسيب بحلول عام 2065 قوية جداً وأن تتمكن من محاكاة الوظيفة الدماغية البشرية بطريقة رقمية. قبل بلوغ تلك المرحلة، يجب أن نتمكّن من ترجمة جميع المعلومات العصبية التي تقف وراء قدراتنا المعرفية بشكل معلوماتي. إنه هدف «مشروع الدماغ البشري» الأوروبي الذي يعمل على نسخ دقة الدماغ البشري خلال أقل من عشر سنوات. بناءً على هذه المقاربة، تمكّن الباحثون في هذا المشروع حديثاً من نسخ وظيفة جزء من القشرة المخية الحديثة لدى جرذ عبر محاكاة 31 ألف خلية عصبية تتّصل في ما بينها بأربعين ألف مليون رابط.هل أصبحت محاكاة الدماغ البشري قريبة؟ ليس بعد لأن الدماغ يحتوي على مئة مليار خلية عصبية، ما يستلزم قدرة حسابية أقوى بألف مرة. ولا ننسى وجود 10 آلاف نقطة اشتباك عصبي في كل خلية عصبية! لكن حين يحصل العلماء على ابتكار مماثل، سيصبح هذا الأخير متعطّشاً إلى الطاقة أكثر من دماغنا: لو كان الدماغ يقوم بعملياته الحسابية مثل الحاسوب، لاستهلك نشاطه السنوي كهرباءً تفوق قيمتها المليار يورو! يبدأ دور الرقائق «العصبية المورفولوجية» في هذه المرحلة بالذات. على عكس المعالِجات التقليدية، تكون أجهزة الترانزستور التي تتألف منها الرقائق الجديدة موصولة بطريقةٍ تسمح بنسخ الروابط العصبية الدماغية، ما يمهّد تلقائياً لتخفيض كلفة الطاقة. في مارس 2016، أعلنت شركة IBM عن ابتكار معالِج عصبي مورفولوجي مؤلف من 5.4 مليارات ترانزستور لمحاكاة 16 مليون خلية عصبية متصلة بأربعة مليارات رابط. تمكّن الجهاز من تنفيذ مهام مرتبطة بالمعرفة البصرية تزامناً مع صرف الطاقة التي يحتاج إليها أي حاسوب لوحي بسيط! يعتبر الكثيرون أن هذا الابتكار يشكّل ركيزة لإطلاق أجيال جديدة من الآلات الحاسبة الخارقة. تظن مارتين روثبلات، رئيسة شركة التكنولوجيا الحيوية United Therapeutics، أن استنساخ العقل أصبح حتمياً من الناحية التكنولوجية. في كتابها Virtually Human (بشري افتراضياً)، تصف مستقبلاً يملك فيه جميع الناس منصة رقمية لأرواحهم تنشأ استناداً إلى طبيعة حياتهم الافتراضية (منشورات فيسبوك، تغريدات تويتر...) ومقابلات مصوّرة معهم واختبارات أخرى للشخصية.دردشة مع العالم الآخر!
بحلول عام 2100، يتوقع البعض استبدال الأجسام بآلات يمكن التحكم بها عبر منصة رقمية في الدماغ. قد تنشأ أجسام افتراضية تتطور في واقع افتراضي لكن حقيقي بقدر الواقع الذي نعرفه. ستكون تلك الأجسام مقنعة وحقيقية في آن. لكن يمكن الاختيار بين أجسام افتراضية عدة. لا تلقى هذه الرؤية أي تجاوب في الأوساط العلمية. يعتبر عالِم الأعصاب كينيث ميلر من جامعة كولومبيا أن الدماغ يبقى الموضوع العلمي الأكثر تعقيداً وإذا تمكنت أي حضارة يوماً من تحميل الروح الفردية في آلة، فلن يحصل ذلك قبل آلاف أو حتى ملايين السنين! لكن لا يتفق الجميع على هذه النقطة. توقّع كيفن هو، أحد مدراء شركة Huawei، أن يتمكن الأولاد في المستقبل القريب من الدردشة مع النسخة الرقمية من أجدادهم الراحلين بفضل تطبيقات مثل WeChat. لن يكون التواصل مع العالم الآخر عبر الهاتف الذكي مجرّد وهم بل سيصبح واقعاً ملموساً!