لم أخشَ أن يرث أطفالي جيناتي «الرائعة» التي قد تعرّضهم للكآبة والقلق فحسب، ولكنني أيضاً كنت أشكّ في قدرتي على تربية مخلوق حي، لا سيما أن النباتات في منزلي يبست كلها. مع ذلك، عشت في العشرينيات مرحلة من الاستقرار النسبي. لذا خلت أن أيام القلق المشلّ قد فاتت منذ زمن بعيد وأنني عالجت مشكلة أفكار الانتحار التي راودتني في مرحلة الشباب المراهقة بشكل دائم من خلال مضادات الاكتئاب والعلاجات والتمارين. ولكن لا بدّ من الاعتراف بالحقيقة، لو أنني تحمّلت في مرحلة العشرينيات الكآبة الحادّة والمؤدية إلى الانتحار والمقاومة للعلاجات التي عشتها منذ أن أنجبت ابني، لم أكن تأكدت من قدرتي على الإنجاب. كنت لأشعر أن هذه الخطوة متهوّرة. أما قبل الإنجاب، فلم أدرك أن البقاء على قيد الحياة يتطلّب الكثير من العمل والوقت والطاقة التي تفتقر إليها الأمهات المكتئبات.أحبّ أولادي من كلّ قلبي، وأبذل جهدي لأجلهم قدر الإمكان. مع ذلك، أشعر أنهم كانوا يستحقّون أماً حاضرة عاطفياً بالقرب منهم، خصوصاً في السنوات الأولى. استمتعت في بعض الأوقات في حياتي، وبدأت اليوم أشعر بتحسّن من جديد. مع ذلك، في معظم أوقات طفولتهم، كان حضوري في حياتهم نادراً جداً (إذ كنت أحاول النجاة)، فلم أكن حيّة فعلاً، ولم أستمتع بهم. وهذا الأمر يحزنني كثيراً. نعم، كنت أتناول دواء البروزاك خلال مرحلتي الحمل اللتين مررت بهما. ولا أزال أشعر بذنب كبير بسبب ذلك.حاولت أن أكون هادئة خلال فترة حملي بابني، إلا أنني عشت قلقاً حاداً وبدأت أشعر بالتشنّج، فخشيت أن أفقد الطفل. قال لي اختصاصي الولادة إن التوتّر بسبب عدم تناول الأدوية قد يكون أكثر ضرراً بالجنين من تناولها.أنجبت ولديّ بعد 9 أشهر وكان وزنه جيداً ولم يصب بأي عيوب خلقيّة. مع ذلك، لا يمكنني ألا أفكر في صعوبات واجهتها وزوجي مع ابني، بدءاً من المغص الذي كان يعانيه منذ يوم ولادته والذي تطوّر إلى قلق وكآبة واضطراب الوسواس القهري، كانت ناتجة من تعرّضه للبروزاك حين كان في رحمي.
مخاطر
وكتب أندرو سولومون، المؤلّف الحائز جائزة، فصلاً نهائياً جديداً بهذا الشأن في كتابه "شيطان الظهر” الذي نشر في جزء في مجلة "نيويورك تايمز” عنوانه "الحزن السري الذي يسبّبه الحمل مع الكآبة”. عرض ببراعة فرضيّات وارتباكات تحيط بمسألة الحمل والكآبة. وبعد مرور ستة أشهر من نشر كتابه، أصبح سولومون أباً، فعاش حالة القلق مجدداً إذ خشي أن يكون غير جدير بالأبوّة. ولكن إنجاب الأولاد قد حوّل كآبته. في الواقع، غيّر ذلك كل شيء فيه. كان يشعر بالفضول لمعرفة تأثير الأمومة والحمل على النساء اللواتي يعانين الكآبة. لذا تابع بحث الدكتوراه وأجرى مقابلات مع 24 امرأة في نيويورك على مدار خمس سنوات ونصف وسألهن عن تجاربهن. ونظراً إلى القرارات الصعبة التي تحتّم على النساء الحوامل اتخاذها بشأن علاج الكآبة خلال فترة الحمل، أجرى مقابلات مع خبراء وقام بكثير من البحوث.وفي مقالته، تكلّم عن مخاطر تناول الأدوية أثناء الحمل:يضاعف تناول الأدوية خلال الحمل مخاطر الإجهاض والولادة المبكرة وإنجاب مولود وزنه خفيف. كذلك يسبّب تفاقماً بسيطاً في خطر إصابة المولود بحالة رئوية خطيرة اسمها فرط ضغط الدم الرئوي. وتظهر لدى أكثر من 30 بالمئة من الأطفال المعرّضين لمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية في الرحم متلازمة التلاؤم الولادية، التي تؤدي إلى مواجهة صعوبات أبرزها عدم رغبة الطفل في الأكل والارتعاش والبكاء الضعيف والضائقة التنفسية وأحياناً الجزر والعطس، مع ذلك، تضمحلّ هذه الأعراض خلال بضعة أيام. وظهرت تقارير متفرقة عن النوبات وتغيّر في أنماط النوم.أعراض
أجرى سولومون مقابلة مع الدكتور جاي غينغريش، أستاذ في معهد ساكلر في علم النفس التنموي السريري في جامعة كولومبيا في نيويورك، أجرى دراسة من خلال تعريض فئران لمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية خلال الفترة التي تعادل الثلث الثالث من الحمل لدى المرأة ومرحلة الطفولة المبكرة. ظهر لدى الفئران ضعف في الذاكرة وعانت مشاكل في المهام المكانيّة، مع ذلك، لم تظهر هذه العيوب في مرحلة الطفولة، إنما في المراهقة.وكتب سولومون: في كثير من الدراسات، تمّ ربط حالات الكآبة والقلق التي لم يتمّ علاجها أثناء فترة الحمل بالإجهاض وتسمّم الحمل والولادة المبكرة ومضاعفات يعانيها حديثو الولادة وأطفال صغار الحجم. وترافق الكآبة في مرحلة ما قبل الولادة غالباً أعراض الوسواس القهري والقلق والاضطراب العقلي. أما الكورتيزول، وهو هرمون التوتّر الوافر لدى النساء اللواتي يعانين القلق والكآبة، فيجتاز الحاجز المشيمي وقد يصل إلى الجنين. وتم إنشاء رابط بين حالة القلق لدى النساء الحوامل وبين تدفّق الدم الضعيف في الشريان الرحمي الذي يغذّي المشيمة... وقال بعض العلماء إن الكآبة أثناء الحمل قد تغيّر اللوزة لدى المولود الجديد، جزء الدماغ الذي ينظّم المشاعر والذاكرة واتخاذ القرارات، فيما ترتبط المستويات المرتفعة من القلق أثناء فترة الحمل بالضعف الإدراكي لدى الطفل وبطء في تطوّر اللغة. في إحدى الدراسات المهمّة، ظهر لدى حديثي الولادة من أمهات مكتئبات ضعفاً في الاندفاع وقدرة التحمّل وكانوا أقل نشاطاً وحيوية وسريعي الاهتياج وتصعب تهدئتهم.ويفسّر سولومون أن العلم غير واضح وغامض لأننا لا نستطيع أن نقوم بتجارب على النساء الحوامل. بالإضافة إلى الاعتبارات المناسبة جميعها التي يطرحها، يقول إن ثمّة حقيقة مرّة هي أن في بعض الأحيان، لا ينجح العلاج، وإن نسبة ثلثين من الأشخاص فقط تستجيب لمضادات الاكتئاب. لهذا السبب، أظن أن السؤال الأهم والأكثر إثارة للجدل، هو ما إن كان من الجيّد أن تنجب المرأة أولاداً إن كان تاريخها حافلاً بالكآبة الحادّة؟تغييرات
لو كان باستطاعتي العودة إلى مرحلة العشرينيات، كنت لأفعل كلّ ما أفعله اليوم، الامتناع عن تناول السكر والغلوتين ومنتجات الألبان والكافيين والكحول، واستهلاك البروبيوتيك والأحماض الدهنية التي تحتوي على أوميغا 3 ومكملات غذائية أخرى، وممارسة اليوغا والممارسات الذهنية، وكنت لأعالج مشكلة القناة الهضمية، وكنت لأرى ما إن كان اتباع العلاجات التي لا تشمل منشطات يجعلني قادرة على التخلّص من الأدوية قبل بدء فترة الحمل.كنت أيضاً لأبدّل مهنتي، أصبح مهندسة برمجيات أو ما شابه، كي أتمكّن من تحمّل تكلفة اللجوء إلى المساعدة عند ولادة طفلي. في الإدراك المتأخّر، كنت لأفعل كل ما في وسعي للحدّ من التوتّر قبل فترة الحمل وخلالها وبعدها.ربما كانت النتيجة لتبقى نفسها، توتّر وحاجة إلى الأدوية. إن حصل ذلك، كنت لأستفيد من استبطان مهم وإرشاد من أمهات مكتئبات مثلي تماماً حول صحّة إنجاب الأطفال في الحالة التي كنت أعيشها.بكيت حين قرأت الفقرة الختامية التي كتبها سولومون.لم أدرك قط قبل ذلك مدى الذنب الذي أشعر به بسبب عدم حبّي الكافي لأولادي، بسبب عدم القدرة على اختبار سعادة الأمومة في مراحل الاكتئاب، التي هيمنت على معظم أيام طفولتهم.منحتني كلماته الإذن لتقبّل الحال:بالنسبة إلى بعض الأمهات الحوامل والأهل الجدد، قد يبدو الحبّ تلقائياً. أما بالنسبة إلى البعض الآخر، فعليهم أن يتسلّقوا درجاً صعباً ليصلوا إلى بعض النتائج. حقيقة أن التمارين قد تكون مؤلمة وأن بعض النساء غير قادرات على القيام بها لا تلغي النيّة وراءها. فتتطلّب مواجهة الكآبة موارد موجودة لدى بعض النساء وغائبة لدى البعض الآخر، بما في ذلك القدرة على توليد الحميمية من اليأس. الرّغبة في حبّ ولدك ليست مثل حبّ ولدك، ولكن الحبّ اللامتناهي موجود حتى في الرغبة.