تناول تقرير "الشال" دور العامل الاقتصادي في إفشال عملية الانقلاب (في تركيا)، وقال: عندما يشعر معظم الناس، أنه بات لديهم الكثير مما يخسرونه في عملية استيلاء غير دستوري على السلطة، فمن المؤكد أنهم سوف يتحولون إلى الضامن والمدافع عن الشرعية.

ووفق تقرير "الشال" فإن تركيا كانت دولة شبه فاشلة، الفساد والركود والبطالة والتضخم، كانت أبرز العوامل الضاغطة في حياة الناس، لذلك تدخل العسكر 4 مرات في 37 سنة لقلب نظام الحكم، ومن دون مقاومة، باعتبارهم مرجعية الدولة القومية العلمانية التركية، التي أسسها كمال أتاتورك بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد كل انقلاب، فشل العسكر في إصلاح الأوضاع.

Ad

وفي التفاصيل، ومنذ عام 2003، عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بانتخابات حرة، ومعه، انحسر كثيراً الفساد، وحققت الدولة معدلات نمو اقتصادي قريبة من معدلات نمور آسيا والصين، وخفضت معدل التضخم، وخفضت معدل البطالة، وإن عادت الأخيرة إلى الارتفاع بعد أزمة العالم المالية في عام 2008.

فالناتج المحلي الإجمالي الاسمي ارتفع في خمس سنوات (2003- 2008) من 303 مليارات دولار أميركي إلى 730 مليار دولار، أي زاد بنحو 2.4 ضعف، ثم عاود الانخفاض بعد أزمة العالم المالية في عام 2009 إلى 614 مليار دولار، ليعاود الارتفاع إلى 751 مليار دولار في السنة الحالية، ويتوقع له صندوق النقد الدولي أن يبلغ نحو تريليون دولار بحلول عام 2021.

ومعدل تضخم أسعار المستهلك، انخفض من نحو 25.3 في المئة عام 2003 إلى نحو 10.4 في المئة عام 2008، ويتوقع له الهبوط إلى 9.8 في المئة عام 2016 ثم إلى 6.5 في المئة عام 2021 وفقاً لنفس المصدر.

والبطالة ما زالت مرتفعة إذ بلغت 9.1 في المئة عام 2003، وارتفعت قليلاً إلى 10 في المئة عام 2008، ثم انخفضت إلى 8.4 في المئة عام 2012، ولكن مشكلات أوروبا، أهم أسواق تركيا، دفعتها إلى الارتفاع قليلاً إلى 10.8 في المئة عام 2016، ولتبقى بحدود 10.5 في المئة حتى عام 2021.

والمستوى المعيشي للفرد في تركيا ارتفع كثيراً من معدل 4538 دولاراً أميركياً قياساً بنصيبه في الناتج المحلي الإجمالي عام 2003، إلى 10283 دولاراً أميركياً في عام 2008، ليهبط بسبب أزمة العالم المالية إلى نحو 9562 دولاراً عام 2016، ثم ليبلغ 11945 دولاراً بحلول عام 2021، بالإضافة إلى قرار رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 في المئة بدءاً من يناير 2016.

الشعور بالنجاح

وذلك الشعور بالنجاح، وربما التفوق الذي تدعمه الأرقام، هو ما يخلق ويقوي الشعور بالانتماء إلى الوطن، وحتى عندما عاقب الناخبون حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو 2015، وفقد أغلبيته المطلقة، وتعذر عليه تشكيل حكومة حتى نوفمبر 2015، وكان ذلك بعد أحداث العنف في ميدان تقسيم، أعادوا إليه الأغلبية بحصوله على 317 مقعداً من أصل 550 مقعداً -57.6 في المئة- في انتخابات نوفمبر 2015. والانقلاب الأخير في الأسبوع الفائت (15 يوليو 2016)، الذي أفشله الشعب، رفع فيه العلم التركي فقط، وتوافق الناس مؤيدون لحزب العدالة والتنمية ومعارضون له على أن التغيير، إن كان سيحدث، سيكون إرادياً سلمياً بواسطة صناديق الاقتراع، وليس أمنياً عسكرياً يعيد تركيا إلى حقبة بائسة امتدت حتى عام 2001.

وتبقى هناك مخاطر انتكاسة للديمقراطية، فالرغبة في التحول إلى النظام الرئاسي بديلاً للبرلماني، تحتاج إلى تصويت 376 نائباً في البرلمان معها، أو 59 صوتاً إضافياً إلى نواب حزب العدالة والتنمية، أو إلى أغلبية الثلثين، وتحتاج إلى الـ330 نائباً –أغلبية مطلقة- إضافة إلى استفتاء شعبي، والخطورة كامنة في احتمال تطويع الدستور من أجل سلطة شبه مطلقة للرئيس "رجب طيب إردوغان".

والأمل، هو أن ينهي "إردوغان" مسيرته التنموية المتميزة أسوة بكل من "لي كوان يو" و"مهاتير محمد"، أي تسليم السلطة بعد فترة معلومة من دون تعديل للدستور، أما البديل، فسيكون انتكاسة، والتبعات هي المخاطرة بكل تلك الإنجازات الاقتصادية من أجل مكاسب سياسية زائلة وقصيرة الأمد.