ج. روبرت أوبنهايمر: القنبلة الذرية

Ad

يعرف الجميع بندم أينشتاين على اختراع القنبلة الذرية. لكنه لم يشارك فعلياً في اختراعها بل كان جوليوس روبرت أوبنهايمر المسؤول عن ابتكارها. كان عالِم الفيزياء الموهوب أوبنهايمر يهتم بالحركة النووية والروحانية الهندوسية، فشارك في مشروع أميركي يرتبط بالفيزياء النظرية ويشمل اختصاصات مثل الفيزياء الفلكية والفيزياء النووية ونظرية المجال الكمّي. مهّد بحثه لنشوء ما يُعرَف اليوم باسم «الثقوب السوداء»، لكن حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، صبّ تركيزه على اختراع قنبلة ذرية كطريقة لإنهائها. بصفته رئيس «مختبر لوس ألاموس»، استعان بكبار علماء الفيزياء للعمل على المشروع فيما ركّز شخصياً على ابتكار سلسلة سريعة من تفاعلات النيوترون لتشغيل القنبلة. نتيجةً لذلك نشأ «ترينيتي»، أول اختبار لقنبلة هيدروجينية، فانفجرت بقوة 18 ألف طن من مواد «تي إن تي». لم ينسَ أوبنهايمر ذلك الاختبار وضخامته يوماً كما أوضح في برنامج تلفزيوني خاص:

كنا نعرف أن العالم سيتغير. ضحك البعض وبكى البعض الآخر. لكن التزم معظم الناس الصمت. تذكّرتُ عبارة من كتاب {بهاغافاد غيتا} الهندوسي المقدس: يحاول فيشنو إقناع الأمير بضرورة أداء واجبه، ولإثارة إعجابه يتخذ شكله متعدد الأذرع ويقول: {أصبحتُ الآن تجسيداً للموت ومدمّر العوالم}. أفترض أنّ هذه الفكرة خطرت ببالنا جميعاً، بطريقة أو بأخرى... وفق منطق بسيط لا يمكن أن يلغيه أي ابتذال أو فكاهة أو مبالغة، لطالما أخطأ علماء الفيزياء ولا يمكنهم الإغفال عن هذه الحقيقة.

بعد رؤية تلك القوة، تشجّع أوبنهايمر على فرض سيطرة دولية على الطاقة الذرية وعُيّن في النهاية رئيساً للجنة الاستشارية العامة في مفوضية الطاقة الذرية. عارض بشدة تطوير قنبلة ذرية، لكن دفعت روابطه السياسية الشيوعية بالحكومة إلى سحب تصريحه الأمني، ما أدى إلى إنهاء مساعيه وإجباره على إعادة التركيز على بحوثه. لكنه لم ينسَ يوماً تلك النتيجة وخاب أمله لما تبقى من حياته.

كامران لوغمان: رذاذ الفلفل

كان الهدف من اختراع رذاذ الفلفل نبيلاً، فقد ظهر في عام 1960 لردع الكلاب في خدمة البريد الأميركية وحماية حاملي الرذاذ من التعرّض للعض في طريقهم إلى المركز. بعد نجاحه في تلك الوكالة، طلب مكتب التحقيقات الفدرالي تطوير نسخة مسلّحة منه خلال الثمانينيات، فاخترع كامران لوغمان فلفل الراتنج، عنصر غير قاتل يشتق من المركّب الذي يعطي المذاق الحار للفلفل. يبث هذا العنصر حرارة عالية التركيز بقوة 5.3 ملايين وحدة سكوفيل، أي أقوى من جميع أنواع الفلفل الطبيعي الحار في العالم بخمس مرات.

اعتبر لوغمان فلفل الراتنج عنصراً آمناً يمكن أن تستعمله الشرطة ضد المعتدين العنيفين نظراً إلى آثاره الفاعلة والعابرة (عمى موقّت، صعوبة في التنفس، شعور مطوّل بالحرقة، سعال حاد). لذا دافع عن استعماله الآمن وحين حصلت دوائر الشرطة في أنحاء البلد على المنتج، شارك في كتابة تعليمات الاستخدام ودرّب الضباط على استعمال فلفل الراتنج لهذه الغاية ونجحت مساعيه. اعترف لوغمان بأن اختراعه أنقذ حياة مئات الناس على مر 20 سنة. لكنه تعرّض لصدمة قوية حين استُعمل فلفل الراتنج ضد المحتجّين السلميين في عام 2011. تحدّث لوغمان مع برنامج Democracy Now! عن تظاهرات حركة {احتلال وول ستريت} وقال:

{لم أفكر للوهلة الأولى بالشرطة أو الطلاب، بل بأولادي الذين يجلسون ويعبّرون عن آرائهم ثم يتعرّضون لإطلاق النار والهجوم بعناصر كيماوية. كان ذلك الاستعمال غريباً للغاية ولم يكن يتوافق مع أي تدريب أو سياسة مستعملة في أي دائرة أعرفها. منحتُ شخصياً شهادات لأربعة آلاف ضابط شرطة في بداية الثمانينيات والتسعينيات ولم يسبق أن شاهدتُ أمراً مماثلاً... أشعر بأن واجبي المدني يدفعني كي أشرح للرأي العام أنّ رذاذ الفلفل لم ينشأ في الأصل لهذه الغاية}.

يخصص لوغمان الآن وقتاً طويلاً للدفاع عن اختراعه. تابع كلامه في برنامج Democracy Now! قائلاً: {تزداد ظاهرة استعمال العناصر الكيماوية ضد الأشخاص الذين يعبّرون عن رأيهم رواجاً اليوم... لكن لا يُفترض أن يُستعمَل رذاذ الفلفل لهذه الغاية مطلقاً. لا يمكن أن نحلّ أي مشاكل أو نهدّئ الناس بهذه الطريقة. إنها مجرّد أداة مؤقتة}. كما أنه ليس {منتجاً غذائياً}. لا تأكلوه إذاً!

عآرثر غالستون: العامل البرتقالي

كان الأميركي آرثر غالستون عالم نبات كرّس حياته المهنية لتحسين نمو النباتات، فركّز على تركيب حمض التريودوبنزويك، هرمون يسرّع تفتّح حبوب الصويا، لكنه كان ينزع أوراقها باستعمال كميات متزايدة. لم يتوقع غالستون أن يجد العلماء المتخصصون بالحرب البيولوجية بحثه حول حمض التريودوبنزويك ويستعملوه لتركيب سلاح كيماوي. فاخترعوا {العامل البرتقالي} الذي استُعمل خلال حرب فيتنام لتدمير محاصيل العدو. هكذا تدمّرت المحاصيل ووُلد مئات آلاف الأولاد مع عيوب خلقية وأصيب عدد مماثل من الراشدين بمشاكل صحية مزمنة. ندم غالستون على بحثه لأنه استُعمل بهذه الطريقة وسعى إلى إنهاء استعماله بدءاً من عام 1965 وصولاً إلى موعد حظره في عام 1971. شعر بالذنب بسبب طريقة استعمال بحثه لما تبقى من حياته، مع أنه كان يعرف أنه غير مسؤول عن سوء استعماله. صرّح لصحيفة {نيويورك تايمز}: {لا يضمن أي اختراع علمي إعطاء منافع للجنس البشري. أظن أن أي اكتشاف يكون حيادياً من الناحية الأخلاقية ثم يمكن استعماله لغايات بنّاءة أو تدميرية. لا يمكن لوم العلم في هذه الحالة}.

أورفيل وويلبور رايت: الطائرة

عنوان فرعي

يعرف الجميع كيف اخترع أورفيل وويلبور رايت أول طائرة وكيفية بنائها والتحليق بها. كرّس الشقيقان حياتهما لهذه المهمة ودافعا عن استعمالات الطيران الآمنة ولم يتوقعا أن يُستعمَل اختراعهما لشن الحرب. لقد باعا الطائرات للجيش الأميركي في عام 1909 لأجل استعمالها للمراقبة. لكن عايش أورفيل الحرب العالمية الأولى وشاهد الدمار الذي يمكن أن تسبّبه. فكتب لاحقاً في رسالة إلى {مجلس إنتاج الطائرات}: {الطائرات جعلت الحرب مريعة لدرجة أنّ جميع البلدان لن تفكر مجدداً بشن الحرب بحسب رأيي}. بعد خمس سنوات، تحدّث في برنامج إذاعي وقال إن {الطائرة التي جعلت الحكومات تدرك حجم قدراتها التدميرية أصبحت أداة قوية لنشر السلام}. لكن بعد رؤية مظاهر الدمار التي سبّبته الطائرات الحربية، أدرك استعمالات الطائرة الحتمية وندم على اختراعها. فصرّح للصحافة قبل وفاته: {كنا نتمنى [هو وويلبور] اختراع أداة تنشر سلاماً دائماً على الأرض. لكننا كنا مخطئَين}.

ميخائيل كلاشنيكوف: سلاح «أفتومات كالاشنيكوفا 47»

كل ما أراده ميخائيل كلاشنيكوف كان الدفاع عن بلده. لتحقيق تلك الغاية، انخرط في الجيش وحين سمع رفاقه يتذمرون من البنادق الخطيرة وغير الفاعلة التي أُجبروا على استعمالها، جمع اهتمامه بالأسلحة مع مهارته في استعمال المعدات لتصميم نسخة مُحسّنة. أنتج نموذج {أفتومات كالاشنيكوفا 1947}، ووصفته {واشنطن بوست} بما يلي: {إنه أكثر سلاح دقيق وفاعل في العالم، فهو جهاز رخيص وبسيط جداً ويمكن شراؤه في بلدان عدة بأقل من ثمن دجاجة حية}.

كانت المسدسات رخيصة وخفيفة ومتينة في أكثر المناخات تطرفاً، وهذا ما منح سلاح الكلاشنيكوف مرتبة عليا في روسيا، فأصبح مصدر فخر له في معظم فترات حياته. لكن حين اكتشفت الجماعات الإرهابية وغيرها من فصائل عنيفة طرائق فاعلة لتعزيز إنتاج هذا السلاح للأسف، تمنى كلاشنيكوف لو أنه اخترع ابتكاراً أكثر نفعاً، فصرّح لصحيفة {غارديان}: {أنا فخور باختراعي لكني حزين لأن الإرهابيين يستعملونه. كنت أفضّل أن أخترع آلة يمكن أن يستفيد منها الناس وتساعد المزارعين في عملهم مثل آلة جز العشب}. تم إنتاج 100 مليون سلاح مماثل بحلول عام 2009، وكان نصفها مزيفاً، فشعر كلاشنيكوف بقلق شديد من حصول سفك دماء وكتب رسالة لرئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لطلب الصفح:

ألمي الروحي لا يُحتمل. ووجع قلبي لا يُحتمل. لا أكفّ عن طرح السؤال العالق نفسه: إذا كانت بندقيتي تقتل الناس فهل أكون أنا، ميخائيل كلاشنيكوف، 93 عاماً، ابن الفلاح المسيحي الأرثوذكسي، مسؤولاً عن موت الناس، حتى الأعداء منهم؟

فأعفته الكنيسة وشكرته على خدماته. ثم مات بعد ستة أشهر.

ألفرد نوبل: الديناميت

كان ألفرد نوبل عالم كيمياء ومخترعاً ومهندساً سويدياً، وكان يجيد خمس لغات في عمر السابعة عشرة. يعرفه الجميع اليوم باعتباره مخترع {جائزة نوبل للسلام}، أعلى وسام يمكن أن يحصل عليه {كل من قدّم، خلال السنة السابقة، أعظم المساهمات للجنس البشري} بإرادته الخاصة. لكن بقدر ما كان نوبل متفانياً في أعماله الإنسانية، نشأت هذه الجائزة بسبب أشهر اختراع له: الديناميت.

حصل نوبل على براءة اختراع في عام 1867 واخترع الديناميت لتفجير المباني كخيار أكثر أماناً وثباتاً من النتروغليسرين الذي قتل شقيقه الأصغر إيميل. من خلال إضافة المواد المثبِّتة إلى النتروغليسرين، كان نوبل يأمل أن يبتكر اختراعاً ينهي الحرب بدل إطلاقها: «ربما ستنهي مصانعي الحرب قبل أن تفعل مؤتمراتكم: حين يستطيع جيشان إبادة بعضهما في ثانية، ستغرق جميع الدول المتحضّرة في الرعب طبعاً وستفكك قواتها». لكن لم يكن الوضع كذلك للأسف، فقد أدركت الجيوش سريعاً قدرات التسلّح لمتفجرات الديناميت. أدّت انفجارات الديناميت إلى سقوط عدد كبير من القتلى لدرجة أنّ صحيفة فرنسية نعت نوبل عن طريق الخطأ واستعملت أسلوباً احتفالياً. ذكر العنوان الصحفي: «تاجر الموت مات»! ثم تابعت الصحيفة وكتبت: «الدكتور ألفرد نوبل الذي اغتنى عبر إيجاد طرائق لقتل المزيد من الناس بوتيرة أسرع من أي وقت مضى مات في الأمس». استاء نوبل من هذا الكلام ولم يشأ أن يرتبط إرثه بالموت. لذا خصص معظم إرثه اللاحق لتأسيس جائزة سلام.