العمر يختزل بلحظات رضا وأشخاص يُدفئون برد القلب، تكون وجوه معظمهم العامل المشترك في أغلب الصور المحفوظة في ألبوم لحظات الرضا تلك، وما تهبه الحياة لنا فوق ذلك ليس سوى هدايا إضافية تُشكر الحياة عليها سواء كانت تلك الهدايا بسيطة أم عظيمة، وقد تكون غالية كثيراً ولكنها لا تغني أبداً عن تلك اللحظات وأولئك الأشخاص، بل إن هذه الهدايا الإضافية القيّمة تصبح بلا قيمة إذا لم تتضمن في ثناياها لحظة رضا وشخصاً يُدفئ القلب!

Ad

إن أعمارنا تستمد قيمتها الغنية والخالدة فينا من هذين العنصرين ولا شيء آخر سواهما.

هل بالإمكان تصور عمر خال من لحظة رضا، ومن شخص تطمئن على قلبك معه، يدثّر قلبك كلما تجمّدت شرايينه من وحشة البرد؟!

عمر كهذا كيف يمكن أن يُعاش؟!

العمر ليس سوى سلسلة متّصلة من اللحظات تختزن في جوهرها كل ما أخذناه من الحياة وما أخذته منّا، وكل لحظة رغم اتّصالها عضوياً بكل اللحظات الأخرى في هذه السلسلة فإنها قابلة للتقييم وحدها بمعزل عما سبقها من لحظات وما يليها، وأساس تقييمنا يعتمد على الموازنة بين ما نملكه من الحياة في تلك اللحظة، وما ضاع من قبضة أيدينا، ومن خلال هذه الموازنة تتشكّل لحظة الرضا أو لحظة السخط، وبقدر لحظات الرضا التي يجمعها المرء من سلسلة العمر يكون بحياته إما سعيداً أو شقيّا، ويخطئ البعض عندما يعادي لحظته التي خسر بها حلما ما، أو انعدمت حظوظه في الحصول على أمنية كان يتمناها ويعتبر تلك اللحظة ضمن قائمة الخسائر، فالأحلام والأماني ليست ضمن ما نملك، وما لا نملكه ليس له أي اعتبار في تقييمنا لهذه اللحظة أو سواها، فتقييمنا لأي لحظة وكما ذكرت هو في معرفة قيمة ما نملك مقارنة بقيمة ما كنا نملكه ومن ثم فقدناه، ونحن نملك الحلم والأمنية ولكن لا نملك ما بداخلهما، فالذي بداخلهما ليس سوى رغبة لا تزرع في الواقع عود قصب بل قطعة سكّر تحلّي مرارة صبرنا إلى حين الحصول على ما نحلم به أو نتمنّاه!

لذا فإن خسارتنا حلماً أو أمنية يجب ألاّ تحتسب في تقييمنا لأي لحظة من لحظات العمر، فأنا أرثي حال هؤلاء الذين يبكون ضياع ما لم يكن يملكون، ويعتبرونه خسارة فادحة لهم، ويتّهمون الحياة بأنها أخذت من بين أيديهم ما كان لهم، وكأنما قانون الحياة هو أن كل ما تحلم به أو تتمناه يصبح لك!

هؤلاء هم أسوأ من يقْدِر على تقييم لحظة العمر، وتقل في حياتهم لحظات الرضا وتتضاءل في أعمارهم، لأنهم عاجزون عن التفريق بين ما يملكون وما لا يملكون، فيشح الرضا في حياتهم، ويكثر في قلوبهم البرد.

والمدهش أن قمر الرضا لا يكتمل في أي لحظة إلا بوجود شخص آخر أيّاً كانت صفته نتقاسم نوره معه، فقمر الرضا لا يكتمل في سماء لحظة يشيّدها قلب وحيد موحش، فإذا أردنا عمراً غنيّاً لابد أن نملأ رصيده بلحظات الرضا والأشخاص الذين نتشارك معهم قمر تلك اللحظات.