نسي العراقيون كل شيء مساء أمس الأول حين تناقل الأهالي أخبار اندلاع مواجهات غير مسبوقة، بين الجيش العراقي وفصيل شيعي مسلح، في قلب بغداد، على خلفية خطف عمال أتراك.

Ad

وإذ سويت القضية قبيل الفجر، فإن المراقبين يدعون إلى متابعة تفاصيل دقيقة ترشح الأزمة الشيعية الداخلية إلى تصاعد خطير.

لم تكن العلاقة طيبة أبداً بين رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وبين الجزء الموالي لطهران من الميليشيات الشيعية المنضوية في «الحشد الشعبي»، فهؤلاء الذين يتبعون فتاوى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، يثيرون حساسيات تمتد من النجف حيث المرجعية الدينية الأعرق، وحيث يقيم مقتدى الصدر صاحب التيار الشعبي الأوسع، والذي تنتسب إلى أبيه الراحل معظم الفصائل المسلحة الشيعية، قبل أن «تسرق» طهران ولاءها أو تقوم بعكسه.

والعلاقة المتوترة بين العبادي وحلفاء المرجع السيد علي السيستاني، وبين فصائل مقربة من طهران، ليست سراً، وسبق لرئيس الحكومة أن تحدث أمام البرلمان عن غضبه من بعض فصائل الحشد، التي أطلقت النار على مروحية أميركية قرب مطار بغداد. وراح يذكر ضرورة التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية، موجهاً انتقادات شبه صريحة إلى طهران.

لكن الأمور تتعقد بشكل خاص منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية قبل نحو 40 يوماً، وإعلان العبادي حزمة إصلاحات تضمنت إقالة سلفه نوري المالكي من منصب نائب الرئيس، ما اعتبر خسارة إيران والمسلحين الموالين لها لواحد من أكثر الحلفاء نفوذاً مالياً وعسكرياً.

ويبدو أن التقشف المالي الحاد ساهم أيضاً في زيادة التوتر بين أنصار العبادي وأنصار طهران، إذ يجري تداول معلومات مفادها أن الحكومة العراقية قلصت رواتب «الحشد»، أو امتنعت عن دفعها في بعض الحالات. وتسربت أنباء عن احتجاز شحنات أسلحة إيرانية كانت مرسلة إلى الميليشيات دون تنسيق مع بغداد.

وأصبحت كل هذه التطورات إطاراً لمحاولة الفصائل ركوب موجة التظاهرات والتهديد بإسقاط الحكومة وتغيير قسري للدستور، وشعارات راديكالية أخرى، جعلت حلفاء السيستاني يعيدون ترتيب صفوفهم لمواجهة اندفاع متسرع وغير مسبوق، من حلفاء الجنرال قاسم سليماني، يستهدف زيادة نفوذ مضاد «الدولة داخل الدولة» التي يؤسسها المسلحون الشيعة، في بغداد والبصرة بشكل خاص، حيث مراكز السياسة والمال والبترول.

والفصيل الذي دخل مواجهة مع الجيش في بغداد واسمه «كتائب حزب الله - العراق»، هو نفس الفصيل الذي زعم أنه قتل عزت الدوري نائب صدام حسين، مطلع الصيف، وعرض جثته وسط العاصمة وامتنع عن تسليمها للدولة بضعة أيام، ثم اتضح أنها مسرحية مضحكة حاول الجميع نسيانها.

ويخضع العبادي لضغوط أميركية وسنية داخلية لكبح جماح الفصائل، غير أن المواجهات الأخيرة تتجاوز حكاية الضغوط، لأن العديد من زعماء الشيعة في العراق باتوا مقتنعين بضرورة «إعادة الحشد إلى بيت الطاعة»، فهو أصبح واقعاً خطيراً يهدد الأحزاب الشيعية قبل غيرها، والجميع يبدو مستعداً للقتال حين يصل الأمر إلى المال ويمس السلطة، ولن يحول دون ذلك سوى ترتيبات عاجلة لتفاهم بين طهران وبغداد، لن يتوصل إلى حل، لكنه قد ينزع فتيل حرب داخلية جديدة.