يعمل سفين لومر في وقت فراغه حكماً في دوري كرة القدم للهواة في بافاريا. منذ بضع سنوات، لاحظ أن عدداً من لاعبي كرة القدم تخلى عن {فيسبوك}، ما يصعّب تنظيم المناسبات في منصة مشتركة. شعر لومر بالانزعاج طبعاً لكن بالفضول أيضاً بما أنه يدرس أنظمة المعلومات. ما الذي يمكن أن يدفع الشبان إلى التخلي عن {فيسبوك} علماً أن بعض علماء الاجتماع يعتبر مواقع التواصل الاجتماعي إيجابية؟تقول هانا كراسنوفا، باحثة في مجال أنظمة المعلومات في جامعة بيرن، سويسرا: {في تلك الفترة، كان المعيار الأساسي في الأبحاث المختصة بمواقع التواصل الاجتماعي يعتبر أن {فيسبوك} موقع إيجابي يضمن السعادة والمتعة والترفيه ويسمح بالتحدث مع الأصدقاء والاستمتاع بالوقت والشعور بالقبول}. قد تكون الدراسات المؤثرة التي أثبتت أن الرصيد الاجتماعي الذي نكسبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أساسية لتحقيق النجاحات الكبيرة والصغيرة. من المعروف أن علاقاتنا الافتراضية تساعدنا على الاستفادة من فرص العمل والمعلومات والدعم العاطفي والخدمات اليومية. يقول لومر: {شعر الجميع بالحماسة تجاه مواقع التواصل الاجتماعي}. اشتبه ستيفن لومر، وهو أستاذ مساعد في جامعة أوتو فريدريش في ألمانيا، بأن التخلي عن {فيسبوك} كان رداً تقليدياً على الضغط النفسي. كان يعلم أن باحثين آخرين حللوا ما يسمى {الضغط التكنولوجي} الذي يزداد في أماكن العمل بسبب الواجهات المليئة بالفيروسات أو العمليات المعقدة. لكن لم تنطبق هذه النظرية على {فيسبوك} الذي يسهل استعماله. بدا وكأن عاملاً آخر يرفع منسوب الضغط النفسي لدى الناس. يوضح لومر: {فكرنا باحتمال وجود ظاهرة جديدة بشأن مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً}.من خلال إجراء مقابلات عميقة واستطلاعات ودراسات طولية وتجارب مخبرية، بدأ الباحثون يغيرون المعايير السائدة واكتشفوا أن مواقع {فيسبوك} و}تويتر} و}إنستغرام} و}سناب شات} ومثيلاتها ليست مجرد مواقع ممتعة وناجحة، بل إنها تنتج عواطف بشرية قاتمة وصدامية وبدائية. على مستويات عدة، يقول الباحثون إن هذه المنصات هي تجارب عملاقة لاختبار إحدى أبرز خصائص الجنس البشري: طبيعة البشر الاجتماعية. لذا لا يجب أن نتفاجأ من حصول عواقب غير مقصودة.يقول إيثان كروس، خبير في علم النفس الاجتماعي في جامعة ميشيغن: {لم يبتكر أحد موقعاً لجعل الناس يشعرون بالسوء أو بالراحة. لكننا نسعى إلى الإجابة عن السؤال التالي: كيف تتفاعل هذه المواقع وتؤثر على الناس في حياتهم اليومية؟}.تتعدد العواقب المحتملة كأن يؤدي استعمال {فيسبوك} إلى تعزيز مشاعر الحزن، وهي ظاهرة معروفة باسم {اكتئاب الفيسبوك}. في دراسة حصلت في عام 2013 عن موقع {فيسبوك}، أرسل كروس وزملاؤه رسائل نصية إلى 82 شخصاً، كان معظمهم من الطلاب الجامعيين الذين شاركوا في الدراسة في آن أربور، ميشيغن، خمس مرات في اليوم، لمعرفة المدة التي يخصصونها لاستعمال {فيسبوك} وما يشعرون به. يقول كروس: {تبين أن زيادة أعداد الناس الذين استعملوا موقع فيسبوك في وقت معين أدت إلى تدهور مزاجهم منذ بداية تلك الفترة وحتى نهايتها}.ما سبب حصول ذلك؟ لاحظ لومر وزملاؤه أن قراءة صفحة المستجدات على {فيسبوك} لا تكون ممتعة بالنسبة إلى بعض المشاركين بل إنها تبدو لهم أشبه بلائحة طويلة تطالبهم بمواساة الآخرين وإسعادهم والاحتفال بأعياد ميلادهم وتمويل المشاريع المبتكرة والإعجاب بصورة الملف الشخصي الجديدة. تمطر مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمين بطلبات بطريقة غير مسبوقة. ولا تحصل الطلبات بطريقة مباشرة وشخصية بل إنها تستهدف مجموعة كبيرة من المستخدمين في آن. لا عجب أن كثيرين يشعرون بالتوتر أمام هذا الوضع. يتراكم الضغط النفسي حين يشعر الناس بأنهم لا يستطيعون التكيف مع تهديد محتمل: في هذه الحالة، يتمثل التهديد بما يسميه لومر {الضغط الاجتماعي}.لكن تكمن المفارقة في واقع أن الضغط الاجتماعي جانب ثانوي مما يعتبره الباحثون أحد أبرز الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي: المشاركة الاجتماعية. يمكن أن يساهم تقاسم المشاكل مع الآخرين على الإنترنت في تخفيف الضغط النفسي المرتبط بجميع الظروف، بدءاً من الضغوط اليومية، مروراً بالمراحل الانتقالية في الحياة، وصولاً إلى الكوارث الطبيعية. هذا هو رأي اختصاصية علم الاجتماع الطبي شيليا كوتن من جامعة ولاية ميشيغن، فهي اكتشفت في إحدى الدراسات أن استعمال الإنترنت قد يخفف شعور الوحدة لدى الأميركيين الأكبر سناً: {يحصل تبادل كامل للدعم الاجتماعي وقد يعطي هذا الجانب منافع عدة على الصحة والراحة عموماً وقد يساهم في تخفيف الضغط النفسي أيضاً}. لكن فيما نحاول تخفيف ضغطنا النفسي، ننقله إلى أشخاص آخرين.{كلفة الاهتمام}أجرى عالِم الاجتماع كيث هامبتون من جامعة روتجرز استطلاعات حول مواقع التواصل الاجتماعي لصالح {مركز بيو للأبحاث}، وهو يصف هذا الضغط النفسي من الدرجة الثانية بعبارة {كلفة الاهتمام}. بحسب رأيه، لا عجب في أن تميل المرأة إلى دفع الثمن أكثر من الرجل لأنها تتحمل أكبر جزء من أعباء الرعاية بالعائلة والأصدقاء على الإنترنت وعلى أرض الواقع: {حين نعلم أن بعض الأشخاص الذين نعرفهم يمرون بظروف سيئة، تزداد الضغوط في حياتنا ونميل إلى مدّهم بالدعم الاجتماعي والتعاطف معهم}.لكن لا يكون جميع الأصدقاء متساوين على الإنترنت. في مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن نضيف عدداً لامتناهياً من الناس، منهم أشخاص لا نقابلهم في الحياة الواقعية إلا في مناسبات نادرة أو لا نقابلهم مطلقاً. يقول هامبتون: {للمرة الأولى في التاريخ المعاصر، تبدو الروابط متماسكة بطريقة غير مسبوقة}. اكتشف لومر وزملاؤه أن الضغوط الاجتماعية تصيب بشكل أساسي الأشخاص الذين يعقدون الصداقات على {فيسبوك} حصراً.إنه تحليل منطقي. خلال التسعينيات، اعتبر عالِم الأنثروبولوجيا روبين دونبار أن لدى البشر ما يكفي من الوقت وعرض النطاق الترددي للحفاظ على 100 أو 200 صداقة في الوقت نفسه. وفي دراسة حديثة شملت 1.7 مليون مستخدم، لاحظ دونبار وزملاؤه أن مستخدمي {تويتر} حافظوا على {علاقات اجتماعية ثابتة} مع العدد نفسه من الناس تقريباً. لكن إذا كان لدينا 150 صديقاً وكنا نتواصل معهم بانتظام ونفكر بهم على {فيسبوك} أو {تويتر} ونواجه طلبات الدعم الاجتماعي المتواصلة، فيعني ذلك أننا نتعامل مع طلبات لم يعرفها أسلافنا يوماً. في هذه الحالة، ما هي مكانة أصدقائنا الحقيقيين؟ يفكر عدد من المستخدمين المضغوطين بالتخلي عن هذه المنصات نهائياً. يقول لومر: {ينعكس الضغط الاجتماعي بشدة على مستوى الإجهاد}.إلى جانب هذه المعطيات كلها، أكدت الدراسات معلومة واضحة بالنسبة إلى الجميع: يميل الأصدقاء إلى عرض مواد تُظهِرهم بصورة إيجابية. في المسلسل الكوميدي Portlandia، يصطحب فريد أرميسن حبيبته الجديدة لتمضية رحلة في إيطاليا في عطلة نهاية الأسبوع. لكنهما ينامان طوال فترة الرحلة في فندق ويشعران بالتعاسة. مع ذلك، هما يعرضان مجموعة من الصور وهما يبتسمان ويبدوان سعيدين. حين وصل أرميسن إلى منزله وشاهد صديقته (كاري برونستاين) وهي تتصفح الصور وتهنّئه على رحلته، قال لها: {لا يمضي جميع الناس على الإنترنت وقتاً ممتعاً بقدر ما نظن}. فأجابته: {أظن أن الناس يحذفون جميع مظاهر الحزن بكل بساطة}.حتى لو لم يحذف الناس مظاهر الحزن وعرضوا صوراً مملة وعادية من حياتهم اليومية، فلن نتنبّه لذلك على الأرجح. يركز الناس تلقائياً على أصحاب المراكز العليا، لا سيما الأشخاص الذين يبدون جذابين أو أثرياء (مثل عائلة كارداشيان!). تظن تشارلوت بليز، عالمة معرفية تدرس ظاهرة الاكتئاب وباحثة في جامعة ليدز وفي كلية هارفرد الطبية، أن المكانة الاجتماعية هي سبب الانزعاج من مواقع التواصل الاجتماعي. في مقالة نُشرت في عام 2015 بعنوان {أصدقاء أكثر من اللزوم مقابل إعجابات قليلة؟ علم النفس التطوري واكتئاب الفيسبوك}، تلجأ بليز إلى بيئات أسلافنا لتفسير ما يحصل.تقول بليز إن تفسيراً تطورياً للاكتئاب يتعلق بـ«نظرية المنافسة الاجتماعية}. وفق هذه النظرية، يكون الاكتئاب عبارة عن مجموعة من السلوكيات التكيفية (انسحاب، خمول، تراجع تقدير الذات) التي مكّنت أسلافنا من الانسحاب من مواجهات اجتماعية عدائية واستعمال الجمود مع أشخاص متسلطين من دون التعرض لأذى جسدي}. بعبارة أخرى، هم يصابون بالاكتئاب لكنهم يبقون على قيد الحياة. تقول بليز: {إنها استراتيجية لتخفيف حدة الوضع، وهو رد لاإرادي من جانبنا}.لازمنا هذا السلوك التكيفي (يشمل الرضوخ وتراجع المكانة الاجتماعية). في البيئات المعاصرة، قد ينشأ هذا السلوك حين نشعر بأن الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية عليا أو بامتيازات مهمة يتفوقون علينا في المنافسة. توضح بليز: {ننجذب إلى هذا النوع من الأفراد لكننا نشعر لاحقاً بأننا فاشلون مقارنةً بهم}.الحسد يسيطر علينايمكن أن تحولنا المقارنة الاجتماعية أيضاً إلى ظل بشع لحقيقة ما نحن عليه. من الناحية التطورية، يُعتبر الحسد، مثل الاكتئاب الخفيف، شعوراً تكيفياً على الأرجح: يحفزنا على التعلم من الآخرين وعلى تحديد أهداف كبرى. لكنّ الحسد مؤلم جداً وهذا ما يصعّب علينا دراسة الموضوع بحسب قول كراسنوفا: {إنه شعور شائك جداً لذا لا يسهل أن نعترف بأننا نشعر بالحسد، ولا سيما أمام شخص نحسده أو أمام نفسنا. أحياناً قد يصبح شعور الحسد مكبوتاً لدرجة أن لا نعلم ما نشعر به أو سبب شعورنا بالغضب أو الحزن أو الانزعاج أو الضغط النفسي}.حين سألت كراسنوفا وزملاؤها 375 فرداً (معظمهم من ألمانيا حيث كانت تعمل) عما يشعرون به عند استعمال {فيسبوك} في الفترة الأخيرة، قال 1.2% منهم فقط إنهم يشعرون بالحسد. لذا أعادت صياغة السؤال على الشكل التالي: {يتحدث مستخدمون كثيرون عن الشعور بالإحباط والإجهاد بعد استعمال {فيسبوك}. ما الذي يسبب هذه المشاعر بحسب رأيكم؟}. في هذه الحالة، كان الحسد الجواب الأكثر شيوعاً (بنسبة 29.6%). لم يكن الحسد شعوراً شائعاً بالنسبة إلى مستخدمي {فيسبوك} بكل بساطة بل إنه بدا {مستفحلاً} على نطاق واسع.الأمثلة موجودة في كل مكان مثل الحفلات التي نتمنى حضورها أو الجوائز التي يفوز بها زملاؤنا. في الكتاب النفسي المشوق The Girl on the Train للكاتبة بولا هوكينز، لا تزال البطلة رايتشل واتسون تتألم بسبب طلاقها الأخير حين تفتح صفحة {فيسبوك} وتقرأ أن زوجها السابق ينتظر طفلاً من علاقته الجديدة فتنهار بالكامل.تذكر كراسنوفا أن الناس قد يرتاحون مؤقتاً من ألم الحسد عبر تحسين المواد التي يعرضونها عن نفسهم. قد يؤدي هذا الوضع إلى إطلاق {دوامة من الحسد} على مواقع التواصل الاجتماعي. تحذر كراسنوفا من ذلك قائلة: {يشاهد المستخدمون محتويات إيجابية، فيعرضون مواد أكثر إيجابية ثم يقوم المتلقي بالمثل وهكذا دواليك. سرعان ما يصبح عالم {فيسبوك} أكثر انفصالاً عن الواقع}.التخبّط في رغباتنابدل تقريبنا من أصدقائنا، قد يبعدنا هذا العالم المعزول عنهم. تتحدث عالمة النفس شيري تيركل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كتابهاReclaiming Conversation عن التخبط بين {رغبتنا في التعبير عن حقيقتنا والضغط الذي يدفعنا إلى إظهار أفضل صورة عنا على الإنترنت}. لكن تشير الدراسات إلى أننا لا نقدم أفضل ما لدينا أو نعرض أكثر الجوانب الإيجابية فينا حين نكتب، مع أننا نظن العكس. طلب العالم السلوكي نيكولاس إيبلي من جامعة شيكاغو من طلاب إدارة الأعمال أن يقدموا عرضاً مقنعاً لتسويق نفسهم بأشكال متعددة. شعر الطلاب بأنهم قدموا أفضل صورة عنهم خطياً لكن اعتبر المقيّمون أن أداءهم الشفهي كان أفضل من الأداء الخطي.ينطبق الأمر نفسه على موقع {فيسبوك}: تعكس دراسة حديثة نتائج توصل إليها إيبلي وقد أثبتت أن أصدقاءنا يكوّنون صورة إيجابية عنا عند مقابلتنا شخصياً أكثر مما يفعلون عبر الملف الشخصي على {فيسبوك}. يقول إيبلي: {على المستوى الأكثر تطرفاً، تشير بياناتنا إلى أن النص يجرّدنا من طابعنا البشري: لا ينقل النوع نفسه من الصفات البشرية الفريدة من نوعها، مثل قدرات التفكير والمشاعر، بقدر ما يفعل الصوت}.حتى أن دوامة الحسد على {فيسبوك} قد تضعنا في المواجهة. توضح كراسنوفا: {تثبت أبحاثنا بكل وضوح أن النظرة إلى المعلومات التي تروّج للذات تكون سلبية في حالات كثيرة ويمكن تفسيرها بطريقة منحازة جداً}. يحذر بعض الباحثين من أن مستوى نرجسيتنا يزداد مقابل تراجع تعاطفنا نتيجة الوقت الذي نخصصه لتحسين صورتنا على الإنترنت. يقول إيبلي: {تقلّ البيانات التي تشير إلى أن النرجسية ظاهرة إيجابية. هي مفيدة على المدى القصير، لكنها لا تنعكس إيجاباً على علاقاتنا على المدى الطويل}.نشط وجامد في دراسة نُشرت هذه السنة، دعا كروس وزملاؤه، منهم فيليب فيردوين، كاتب وعالم نفسي من جامعة ماسترخت في هولندا، 84 طالباً من جامعة ميشيغن إلى مختبر حيث طلبوا من نصف المشاركين استعمال {فيسبوك} بطريقة نشطة، ومن النصف الآخر استعماله بطريقة جامدة. يعني الاستعمال النشط نشر التحديثات والدردشة والرد على التعليقات، بينما يعني الاستعمال الجامد الاكتفاء بتصفح الأخبار والنظر إلى الصور وقراءة التحديثات. بعد بضع ساعات على الجلسة، لم يتغير شعور المستخدمين النشطين، لكن تعكر مزاج المستخدمين الجامدين في المقابل. يقول كروس: {حين نستخدم {فيسبوك} بشكل جامد، تزداد مشاعر الحسد، ما يدفع الناس إلى الشعور بالسوء مع مرور الوقت}.من جهة، تبدو هذه النتيجة إيجابية. فهي تعني وجود طريقة لتجنب الكآبة التي يسببها {فيسبوك} من دون خسارة القدرة على الاستفادة من منافع مواقع التواصل الاجتماعي. لكن من جهة أخرى، يتراجع عدد الناس الذين يستفيدون من هذا الجانب.اكتشف فيردوين وزملاؤه أن المشاركين كانوا أكثر ميلاً بنسبة 50% إلى استعمال {فيسبوك} بطريقة جامدة، ولا يقتصر ذلك على جيل الألفية. وفق نتائج شركة أبحاث السوق GlobalWebIndex، تبين أن 52% من مستخدمي {فيسبوك} فقط كانوا نشطين في عام 2014 بعد أن بلغت نسبتهم 70% في عام 2012. لكن لم يتضح السبب الذي يجعل الناس جامدين لهذه الدرجة. ربما لا يتطلب التصفح جهداً بقدر النشر، لكن تشير أبحاث أخرى حول الجوانب السلبية لموقع {فيسبوك} إلى أن الناس يخشون أن يهينوا الآخرين عن غير قصد، ما يعرّض علاقاتهم أو مهنتهم للخطر، أو ربما يخشون أن يبدوا فاشلين كونهم يضيّعون وقتهم على الإنترنت. يرتفع احتمال إهانة الناس مع كل منشور. بغض النظر عن السبب، يقول كروس إن الناس يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة مسيئة في معظم الأوقات.لكن لحسن الحظ، تُعتبر الأبحاث المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي مجالاً علمياً يسمح بترجمة النتائج عملياً بسرعة فائقة. ستكشف الدراسات الجارية على الأرجح عن مقاربات مفيدة ومسيئة، لا تنحصر بالسلوك الجامد والنشط، كما أنها ستشرح النتائج عن مجموعات مختلفة من المستخدمين: إنهم أشخاص من ثقافات وفئات عمرية وميول نفسية مختلفة. لم يرسم العلماء حتى الآن صورة شاملة عن تأثير تقنيات مواقع التواصل الاجتماعي على الطبيعة البشرية، لكن {من خلال تحديد الآليات التي تدفع الناس إلى الشعور بالسوء، نأمل أن نبدأ بابتكار صيغة تسمح بإيجاد أفضل طريقة للتفاعل مع التكنولوجيا} كما يقول كروس.البحث بفاعليةيمكن أن يساعدنا بعض خصائص {فيسبوك} على استعمال البحث بفاعلية. في عام 2011، طرح الموقع خيار {لوائح الأصدقاء} ويمكن استعماله لحصر طلبات الدعم الاجتماعي بالأشخاص الذين يهتمون بها وإعفاء بقية الأسماء من الضغوط الاجتماعية. في عام 2013، برز خيار {إلغاء المتابعة} وهو يساعدنا على تخفيف الضغوط ومشاعر الحسد. ويمكن أن يساهم خيار {الأصدقاء المقربين} الذي ظهر في عام 2014 وخيار {المكالمة المرئية} هذه السنة في زيادة حجم التفاعلات المباشرة التي تحسن المزاج وفق النتائج التي توصلت إليها دراسات كروس. قريباً، قد توفر أزرار {التفاعلات} المنتظرة (بدائل عن زر {الإعجاب} تشمل التعبير عن {الحب} و}الحزن} و}الانبهار}) خيارات إضافية للسلوكيات النشطة.لكن قد تكون أهم خاصية يمكن استعمالها مرتبطة بالمستخدم وليس بالتكنولوجيا: إنها سمة التعاطف. حصل إنجاز مدهش للحضارة البشرية وهو يتمثل بقدرة الناس على قمع غريزة التفوق على الآخرين كل يوم لبناء علاقات صادقة وغنية. لكن عند نشر صور السفر غير المعدّلة وصور السلفي المثالية في كل صباح وكتابة عبارات جاذبة على الإنترنت، نحن نجعل أصدقاءنا عن غير قصد يشعرون بأنهم فاشلون ونعزز بذلك دوامة الحسد ونجازف بالغرق فيها شخصياً. تقول كراسنوفا إن مجموعة الأبحاث المتزايدة حول سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي تعطينا فرصة لتحديد قواعد جديدة لتلك المواقع كي تجدد التواصل بين عالم {فسيبوك} والواقع وكي تقيم صداقات حقيقية تشمل سلبيات وإيجابيات الاهتمام بالآخرين. لا يجب أن نستغل هذه الفرصة لأنها ستبدد ضغطنا النفسي بل لأن بعض الضغط يستحق العناء!
توابل - EXTRA
Facebook هل يدفعنا إلى الاكتئاب؟
16-12-2015