لم تترك الكويت عواقب وأصداء الحدث المروع تتجه أينما تشاء أو تثير ما هو متوقع من مشاعر مذهبية أو مخاوف طائفية، بل سرعان ما أشعرت الكل بأن ما وقع لم يكن جريمة بحق الشيعة ودور عبادتهم فحسب، بقدر ما كان اعتداءً صارخاً على أمن البلاد برمتها، شمل كل الكويتيين، من سنة وشيعة ومن أبناء قبائل وحضر ومقيمين.

Ad

إذا كانت جريمة الإرهاب والقتل الجماعي التي وقعت في مسجد الإمام الصادق بالصوابر يوم 26 يونيو، حدثاً مروعاً لنا جميعاً وصدمة كبرى لكل الكويتيين وغيرهم، فقد أظهرت كذلك بوضوح عناصر القوة والتماسك التي لا تحصى في مجتمعنا وقيادته ومؤسساته، والتي تستحق الرصد والإشادة.

فما إن وقع الحدث الجلل الذي باغت الجميع وروّع الكل في شهر الصيام وفي يوم الجمعة وفي ظرف لا يوحي إلا بالاسترخاء والسكينة، حتى تجاوبت لأصدائه كل الكويت وقيادتها ونخبها، وعلى رأسها سمو أمير البلاد، الذي حرص بشخصه الكريم على الذهاب فوراً إلى موقع الانفجار رغم كل التحذيرات والمخاطر.

كما تحركت قوى الأمن مع بقية المصلين الناجين من الجريمة وكل المتطوعين، لمحاصرة آثارها ونقل الجثث والأشلاء وإنقاذ الجرحى وحماية كل المروعين المذهولين، رغم هول المشهد، وعدم السماح بأن تعم الفوضى أو يستفيد المجرمون من الظرف إن كان ذلك في مخططهم العدواني.

ولم تترك الدولة عواقب وأصداء الحدث المروع تتجه أينما تشاء أو تثير ما هو متوقع من مشاعر مذهبية أو مخاوف طائفية، بل سرعان ما أشعرت الكل بأن ما وقع لم يكن جريمة بحق الشيعة ودور عبادتهم فحسب، بقدر ما كان اعتداءً صارخاً على أمن البلاد برمتها، شمل كل الكويتيين، من سنة وشيعة ومن أبناء قبائل وحضر ومقيمين. وبذلك نجحت الدولة في تحويل كل ما هو سلبي ومهدد لاستقرار المجتمع، إلى قوة تماسك هائلة، وبخاصة بعد أن أعلنت الدولة أنها ستقيم مراسم استقبال المعزين في مسجد الدولة الكبير، حيث شاهدنا جميعاً حجم الزحف الشعبي الكبير لاستنكار الجريمة والتعبير عن مشاعر الإخاء والتعاطف والوحدة.

لقد أسهمت أقلام كويتية وخليجية وعربية كثيرة، بجهد مشكور، في تناول جوانب الحدث المروع، وفضحت بخاصة مخاطر بث الكراهية الطائفية والتكفير وإلغاء الآخر، كما تناولت هذا الحدث الأجهزة الاعلامية بالتفصيل، مما أظهر بوضوح حجم الصدمة وعمق الاستياء والغضب العارم من الجريمة على كل صعيد، ولم يبقَ المجال لأن يضاف الكثير في هذا المجال. كما لم يحن الوقت، ودماء الضحايا الأبرياء لهذه الفاجعة لم تجف، لدراسة ما وقع ودلالاته بعمق، كما لا تزال السلطات الأمنية والقانونية تجمع خيوطها وتطارد جُناتها، ولكن كل الدلائل توحي وتؤكد أن ما وقع بمنزلة نقطة تحول بارزة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في مجتمعنا، سيحاول الدارسون التوقف ملياً عندها.

من أهم ما في هذه الفاجعة، في اعتقادي، ما سيبقى منها في الوعي الوطني والخبرة العملية، وما ينبغي أن نتدارسه دوماً، فكم من أحداث وكوارث تمر بالإنسان لا تؤثر عميقاً في عقله وسلوكه، وكم تمر الشعوب بتجارب وصراعات، بل وحروب أهلية، دون أن تغير بعض جوانب "العقل الجماعي" للشعب، فيبقى مثلاً محافظاً على التمييز العنصري، كما في بعض مناطق الولايات المتحدة، أو الطائفية كما في التجربة اللبنانية وغيرها، أو في الانقسام الجغرافي كما في قبرص وكوريا.

فما الذي ينبغي أن نحرص عليه حقاً من مكاسب هذا التلاحم الذي برز خلال جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق، وهذه المحاولة الرائعة لتجاوز تصدير الانقسامات الطائفية إلى الكويت؟

1 - يقظة مختلف الكويتيين إلى مخاطر الطائفية والتطرف الديني والإرهاب، وما يتضمن هذا كله من تهديد لمكاسبنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كلها، وبخاصة أننا محاطون للأسف ببيئة ملتهبة متصارعة بعنف شديد وقتل وتشريد، وألسنة من لهب تنطلق في كل اتجاه وتدمر كل ما حولها.

2 - التفهم الواسع بأن هذه المكاسب ليست مضمونة البقاء والاستمرار إلا بقدر إدراكنا لأسباب دوامها، وإلا بدفاعنا جميعاً عنها، وإفشاء التسامح والاعتدال في مجتمعنا، والتفافنا حول الشرعية الدستورية ونظامنا الديمقراطي واحترام تنوعنا الاجتماعي والمذهبي والفكري، والحريات الدينية، وكذلك بوعينا بالمخاطر التي تحيط بها كلها إن ساد التطرف حياتنا.

3 - الإصرار الدائم على التعامل مع الأحداث بالسبل القانونية والصراحة الإعلامية والانفتاح السياسي، مهما كان حجم الحدث والتهديد، وقد برهنت تطورات الاعتداء على مسجد الإمام الصادق قدرتنا على إدارة مختلف المخاطر، والتصرف الحكيم في الظروف الصعبة.

4 - الانتباه إلى أن وقوع حدث مروع بهذا الحجم، وما ترك من دماء وضحايا لن يكون الخاتمة، وقد تجري محاولات أخرى مماثلة أو أشد هولاً، فعلينا دائماً أن نحتمي بثوابتنا الدستورية والاجتماعية والإنسانية وتماسكنا، وعدم إعطاء أي فرصة للمساس بها، فهذا التمسك والتثبت أمضى سلاح لدينا ضد التخريب، وأقوى سند لكل قوى الخير ومختلف الأجهزة في مجتمعنا.

لشهداء جامع الإمام الصادق وكل شهداء الكويت الخلود والرحمة، ولأهاليهم ومحبيهم الصبر والسلوان، وللجرحى والمصابين تمنياتنا القلبية بالشفاء العاجل، وللكويت كلها الأمان والاستقرار.