ترعرع ميخائيل زابرودسكي، قائد القوات الأوكرانية المحمولة جواً، العريض المنكبين، خلال حقبة الاتحاد السوفياتي، وبعد انهيار هذا الاتحاد، خدم في الجيش الروسي، وعندما عاد إلى أرض الوطن في أوكرانيا، حافظ على علاقاته مع روسيا. يقول وهو يهز رأسه: "كلنا أصدقاء"، ولكن عندما وجهت روسيا بنادقها نحو أوكرانيا السنة الماضية، "لم أستطع تصديق ذلك"... ولم يكن الوحيد في هذا الأمر.

Ad

العلاقات بين البلدين، التي بُنيت على مدى أكثر من ألف سنة، عميقة جداً، تعود أصولها إلى الأمير السلافي، سانت فلاديمير، الذي يظهر على العملات الورقية لكلا البلدين. وطوال قرون، ادعت روسيا القيصرية أن أوكرانيا امتداد لها، مطلقةً على تلك الأرض اسم "روسيا الصغيرة"، وخلال الحكم السوفياتي، تحولت هذه الرواية إلى رواية أخوّة مع اعتبار الشيوعيين روسيا وأوكرانيا جزءاً من عائلة سلافية واحدة.

وعندما قدّم القائد السوفياتي خروتشوف القرم إلى أوكرانيا عام 1954، كان يحيي الذكرى الثلاثمئة للاتفاق الذي يجمع الأراضي الخاضعة لحكم القوزاق في أوكرانيا بالإمبراطورية الروسية، وفي عام 1982، نُصب "قوس صداقة" من التيتانيوم تكريماً لإعادة توحيد أوكرانيا وروسيا على قمة إحدى التلال المطلة على نهر دنيبر خارج كييف.

حتى بعد تصويت أوكرانيا لنيل استقلالها عام 1991، ظلت العلاقات الثنائية ودية عموماً، ولكن بضم القرم إلى الأراضي الروسية وشن حرب في جنوب شرق أوكرانيا، حوّل فلاديمير بوتين أعز الإخوة إلى أعداء.

وفي سبتمبر 2013، قبيل الثورة الأوكرانية عام 2014، كان 88 في المئة من الأوكرانيين ينظرون "نظرة إيجابية" إلى روسيا، حسبما يشير المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف، ولكن بحلول مايو 2015، تراجعت النسبة إلى 30 في المئة. وكما استخلص زابرودسكي، "انتهت علاقة الأخوّة"، ولا شك أن هذا سيعوق جهود الكرملين لإعادة أوكرانيا إلى مدار روسيا.

يتجلى تبدل المزاج في الشارع الأوكراني في أن ثمة حملة لمقاطعة المنتجات الروسية، مع انتشار اللافتات التي تحدد "المنتجات الروسية" على رفوف المتاجر الأوكرانية. كذلك تخبر لافتة في متحف كييف لمخائيل بولغاكوف (كاتب ولد في كييف وكتب بالروسية) الزوار "الداعمين لاحتلال أوكرانيا العسكري" أنه غير مرحب بهم.

وفي مكان قريب من قوس الصداقة، يدعو البائعون، الذين روّجوا في الماضي لسلع روسية تافهة، الناس اليوم إلى شراء قطع أوكرانية وطنية وتذكارات مناهضة لروسيا. أي أن الخيار تبدل مع تبدل أذواق الناس.

وكلما طالت الحرب، زاد الرأي العام تشدداً، وقد رفض الدبلوسي الأوكراني ألكسندر شيربا، الثورة الأوكرانية عام 2014، واصفاً نفسه "بالمشكك في الوحدة الأوروبية والمؤيد لروسيا" على صفحته على "فيسبوك" في أواخر 2013. يقول شيربا، الذي صار اليوم سفير أوكرانيا في النمسا: "كنت مستعداً لمسامحة روسيا في الكثير. ولكن بات واضحاً اليوم أنهم أعداء". حتى كثيرون ممن استفادوا من ضم القرم بدأوا ينظرون إلى روسيا من منظار مختلف، ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2014، تراجعت نسبة الأوكرانيين الشرقيين الذين نظروا إلى روسيا نظرة إيجابية من 83 إلى 51 في المئة.

وكشفت استطلاعات الرأي التي أجراها المعهد الجمهوري الدولي أن غالبية الأوكرانيين في المناطق التابعة لسيطرة الحكومة يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في حين أن 13 في المئة فقط يريدون الانضمام إلى اتحاد روسيا الجمركي، كذلك بدأت الحكومة الأوكرانية بناء سور على طول حدودها مع روسيا في خطوة رمزية تتوافق مع المزاج العام في البلد. وما كانت الدعوة إلى استقلال أوكرانيا أعلى يوماً من الآن، إذ يوضح مسؤول في الإدارة الرئاسية الأوكرانية أن بوتين نجح في توحيد أوكرانيا أكثر من أي شخص آخر.

وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن للإخفاق في الوفاء بوعود الثورة أن يخيب أمل الأوكرانيين، وصحيح أن الصبر في التعامل مع القادة الأوكرانيين الجدد قد ينفد، ولكن من المستبعد أن يعود الأوكرانيون إلى أحضان روسيا. يقول فلاديمير بانيوتو، مدير المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف: "طعنّا شعبنا في الظهر، فعندما يعاني الناس الذين تعرفهم، تصبح إعادة بناء العلاقات معقدة جداً".