تفاديا للفراغ التشريعي الذي قد يحدثه حكم المحكمة الدستورية بإبطال قانون هيئة مكافحة الفساد بسبب عيوب دستورية شابت إصدار القانون أرسلت الحكومة مشروع قانون جديداً إلى مجلس الأمة ينظم عمل هيئة مكافحة الفساد مجددا، بعد تلافي المثالب التي كانت توجه إلى قانون الهيئة الذي انتهت المحكمة الدستورية إلى الحكم بعدم دستوريته الأسبوع الماضي، لمخالفته نص المادة 71 من الدستور.

وأبرز ما تضمنه مشروع القانون الحكومي لهيئة الفساد هو وضع تعريف لجريمة الكسب غير المشروع وتقليص صلاحية هيئة مكافحة الفساد بالاطلاع على تحقيقات النيابة العامة والأوراق المعروضة امامها، فضلا عن نصه على ضرورة إنشاء نيابة متخصصة للتحقيق في جرائم الفساد بعد إسناد التحقيق في كل الجرائم الواردة في القانون إلى النيابة العامة بعكس التشريع السابق الذي كان يسمح بالتحقيق للإدارة العامة للتحقيقات في الجرائم التي تقل عقوبتها عن الثلاث سنوات.

Ad

وتضمنت التعديلات الحكومية التي وردت على القانون المادة الأولى الخاصة بالأحكام العامة، حيث ورد في تلك المادة تعريف جريمة الكسب غير المشروع التي لم تكن موجودة في ظل القانون السابق، والتي كانت إحدى السلبيات الموجهة إلى القانون، حيث عرفها المشروع الحكومي بأنها كل زيادة في الثروة أو انتقاص في الالتزامات يطرأ بسبب تولي الوظيفة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو أولاده القصر أو من كان ولياً أو وصيا أو قيما عليه متى كانت لا تتناسب مع مواردهم، وقامت دلائل كافية على عدم مشروعية مصدرها.

وإن كان التشريع قد عرف جريمة الكسب غير المشروع فإن القانون لم يضع تعريفا يبين صور الكسب غير المشروع، كما أن التعريف الوارد يسمح بتلقي الأموال على سبيل الهدايا إن كان من مصدر مشروع، خاصة أن المشروع يتحدث عن إمكانية المحاسبة إن قامت دلائل كافية على عدم مشروعية مصدرها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا «إذا كان المصدر غير مجرم فهل سيساءل المسؤول بالتاكيد لا، لأن مناط التجريم المحدد وفق هذا التعريف ان يكون مصدر تلك الزيادة التي وردت بحساب المسؤول غير مشروعة».

أما التعديلات الحكومية على المادة الثانية من مشروع هيئة الفساد فتضمنت إعادة صياغة الحالات الخاضعة للقانون والزامها بتقديم إقرارات الذمة، بان أشار القانون في الحالة الأولى من الخاضعين لهذا القانون إلى رئيس ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ومن يشغل وظيفة تنفيذية بدرجة وزير، وبالتالي فإن المادة أخرجت من هم وزراء يحملون الصفة والدرجة ولا يحملون وظيفة تنفيذية من القانون، وأعفتهم من تقديم إقرارات الذمة المالية، كما نص المشروع الحكومي في الفقرة الثالثة على أن من الخاضعين للقانون الموثقين وكاتب العدل بإدارتي التسجيل العقاري والتوثيق بوزارة العدل، وهي الفئة التي لم تكن موجودة في ظل القانون السابق الملغى من المحكمة الدستورية.

كما تضمن المشروع الحكومي إبعاد أعضاء المجالس الاستشارية والهيئات واللجان التي لا تمارس أعمالاً تنفيذية من رقابة القانون عليهم، وبالتالي ربط إدخالهم بالقانون وإلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية بالأعمال المنوط بالمجالس والهيئات التي يعملون بها، حيث أشار بالفقرة الخامسة من المادة الثانية من الفئات الخاضعة للقانون إلى «رئيس وأعضاء المجالس والهيئات واللجان التي تضطلع بمهام تنفيذية ويصدر قانون أو مرسوم أو قرار مجلس وزراء بتشكيلها أو بتعيين أعضائها»، ومثل هذه المادة ستخرج العديد من الجهات والمجالس من تقديم اقرارات الذمة، وكان الافضل إخراج المجالس واللجان الاستشارية التي تنشأ بمرسوم فقط وإعفاء أعضائها من تقديم إقرارات الذمة المالية.

الحد الأعلى والأدنى

كما تضمن مشروع القانون تحديد الحد الأعلى والحد الأدنى لمفهوم القياديين الخاضعين للقانون والملزمين بتقديم إقرارات الذمة المالية، حيث أشار المشروع في الفقرة 7 من المادة الثانية من المشروع على بيان المناصب، وهي بدرجة وكيل وزارة أو وكيل مساعد، على أن الحد الادنى للخاضعين هم مديرو الإدارات الحكومية في جميع الجهات الرسمية بالوزارات، وبالتالي فإن المشرع عدل الحالات الخاضعة لتطبيق القانون، والتي كان القانون السابق يسمح بإمكانية مطالبة القياديين، وهم بدرجة مراقبين أو رؤساء اقسام، بتقديم اقرارات الذمة، لكونه لم يحدد الحد الادنى لمفهوم المناصب القيادية الذي جاء القانون الحالي وحددهم من الوكلاء إلى مديري الادارات، وبالنسبة للمؤسسات والهيئات الحكومية فإن النص أشار إلى أن من بين الخاضعين لتقديم اقرارات الذمة هم المديرون ونواب المديرين.

كما أشارت التعديلات الحكومية لمشروع قانون مكافحة الفساد إلى أن العاملين في تلك المناصب، أي بمناصب مديرين مثلا ولو بصفة مؤقتة لا تقل عن 6 أشهر فإنهم يكونون ملتزمين بتقديم إقرارات الذمة المالية، وبالتالي فمن يتم توظيفه بفترة أقل من فترة الستة أشهر لا يمكن الزامه من المديرين بتقديم إقرارات الذمة المالية كون المشروع يحدد الفترة المؤقتة التي يعين بها المسؤول بستة أشهر حتى يكون ملتزما بتقديم الاقرار.

أعمال فنية

وتضمنت الفقرتان 8 و9 من المادة الثانية من المشروع الحكومي إخضاع رئيس ونائب الرئيس وأعضاء مجلس هيئة مكافحة الفساد والامين العام والامناء المساعدين والمديرين والموظفين الفنيين، وكذلك رئيس ونائب الرئيس والمديرين والموظفين الفنيين بديوان المحاسبة، وأخرجت الفقرتان 8 و9 كلا من موظفي هيئة الفساد وديوان المحاسبة ممن لا يمارسون أي أعمال فنية، كالموظفين الذين يقومون بأعمال إدارية فقط.

وكان النص السابق يلزم جميع موظفي الهيئة وموظفي ديوان المحاسبة بتقديم اقرارات الذمة المالية، بينما النص اليوم يخرجهم من تقديمها، ويقصرها على الموظفين الذين يقومون بأعمال فنية فقط، إلى جانب الرئيس ونائبه والمديرين، وحكم المادة السابقة إن كان مبررا على موظفي ديوان المحاسبة كونه ينطبق على الموظفين الفنيين فقط إلا أنه غير مبرر على موظفي هيئة الفساد، إذ يتعين أن يكون جميع الموظفين خاضعين لتقديم إقرارات الذمة كونهم يعملون بهذه الجهة المعنية بالرقابة على فحص الذمة المالية، ولضمان إبعاد أي شرائح تابعة لها من أي منفعة قد تؤثر على عمل الهيئة، وبالتالي يتعين أن يعاد النظر في إخضاع جميع موظفي الهيئة دون استثناء لتقديم إقرارات الذمة.

اختصاصات ومهام

وفي المادة الخامسة، التي تحدد اختصاصات ومهام هيئة مكافحة الفساد، يلاحظ أن المشروع في المادة الخامسة منه لم يعدل أيا من تلك الملاحظات أو تلك الاختصاصات الواردة في القانون السابق، إلا الاختصاص الوارد في البند الثامن الذي يشير الى «التنسيق مع وزارة الخارجية في التعاون مع الدول والمنظمات الخليجية والعربية والدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد والمشاركة في البرامج الهادفة الى منع الفساد، وتمثيل الكويت في المؤتمرات والمحافل الاقليمية والعربية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد».

ومثل هذا الاختصاص شبيه بالاختصاص الوارد بالقانون السابق، إلا أنه ألزم الهيئة بأن يكون تعاونها مع المنظمات الدولية الخارجية وحضور المؤتمرات، وتمثيل الكويت بالتنسيق مع وزارة الخارجية، وهو قيد على اختصاصات الهيئة في هذا الشأن غير مبرر لاختلاف طبيعة هيئة مكافحة الفساد عن طبيعة عمل وزارة الخارجية، ومثل هذا التنسيق قد يكون قيدا على عمل الهيئة ودورها الذي رسمه القانون لها.

وفي المادة السابعة أورد التشريع حكما جديدا لم يرد في القانون السابق، يتعلق بشروط العضوية لمجلس الأمناء، حيث أشار في الفقرة الثانية الى أنه يجب ألا يكون أي منهم موظفا عاما، وأن يكون متفرغا للعمل كعضو بمجلس الأمناء.

ومثل هذه الإضافة التي أوردها المشروع بأن تطلب ألا يكون أي منهم موظفا عاما لا غاية من وضعها، خصوصا أن النصين السابق والحالي تطلبا التفرغ وعدم الارتباط بالعمل مع أي جهة حكومية أو خاصة، وهو شرط كاف لا يبرر إضافة ألا يكون العضو موظفا عاما، لانه في الاساس تطلب التفرغ تماما لشاغلي تلك المناصب.

ميزانية «الهيئة»

وفي المادة 18 من مشروع قانون الهيئة نص المشروع على حكم مغاير لما أورده قانون مكافحة الفساد، حيث أكد في الفقرة الثانية من المادة الثانية على ان «تضع الهيئة مشروع ميزانيتها وترسله في الميعاد القانوني الى وزارة المالية فإذا حدث خلاف او اعترضت وزارة المالية على تقديرات الهيئة، ولم توافق الاخيرة على هذه الاعتراضات يعرض وزير المالية الخلاف على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسبا».

ومثل هذا النص يقيد سلطات هيئة مكافحة الفساد، ويجعل احتياجاتها المالية عرضة لعدم الموافقة والاعتراض من قبل وزارة المالية والتي لها وبحسب النص أن تقرر عدم الموافقة وعرض الأمر إلى مجلس الوزراء لتقرير الفصل بالاعتراض، بعكس النص الوارد بالقانون السابق الذي يعطي للهيئة تقدير احتياجاتها دون أن يربط سريانه باعتراض وزارة المالية والذي سيكون مقيدا لاحتياجات الهيئة وتقديراته، ويجعل امر إقرارها مرتبطا بموافقة وزارة المالية.

وفي المادة 22 من المشروع أضاف جرائم أخرى لم ترد ضمن القانون السابق باعتبارها جرائم فساد، حيث أضاف المشروع إلى جرائم الفساد الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة عمليات غسيل الاموال وتمويل الارهاب، وكذلك الجرائم المنصوص عليها في قانون الكشف عن العمولات التي تقدم في العقود التي تبرمها الدولة، وذلك على بقية الجرائم المنصوص عليها في القانون السابق، والتي تتعلق بالاعتداء على الاموال العامة والرشوة واستغلال النفوذ والتزوير والتزييف والتعريب الجمركي الواردة بالقانون أو تلك الواردة بقانون الجمارك الخليجي وجرائم التهرب الضريبي وجرائم إعاقة عمل الهيئة او الضغط عليها لعرقلة أدائها لواجباتها أو التدخل في اختصاصاتها والجرائم المنصوص عليها بقانون حماية المنافسة وأي جرائم أخرى ينص عليها قانون آخر باعتبارها جرائم فساد.

المادة 24

وفي المادة 24 المعدلة في المشروع الحكومي والتي ارتبط تعديلها بالمادتين 26 و31، حيث نصت المادة 24 إلى أنه «مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 32 لسنة 1968 المشار اليه تقوم الهيئة فور علمها بوجود شبهة جريمة فساد بجمع المعلومات بشأنها، ولها في سبيل ذلك أن تطلب من النيابة العامة السماح لها بالاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم، وكذلك طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها، ولها أن تقرر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة».

ومثل هذا النص اختلف عن النص السابق بأن قيد سلطة الهيئة في الاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة، بعد سماح النيابة العامة لها بذلك، وبالتالي ربط المشروع الاطلاع على السجلات والوثائق الا بموافقة النيابة العامة ومن دون تلك الموافقة لا يمكن للهيئة الاطلاع على الوثائق والمستندات والسجلات وفقا لنص المادة 24 من القانون.

ولزوما للتعديل الذي أصاب حكم المادة 24 من المشروع فقد قرر المشروع تعديل المادة 26 منه على أن هناك عقوبة لمن يمتنع عن تقديم المعلومات والمستندات للهيئة متى صرح لها ذلك، ومثل هذا التصريح يكون من النيابة العامة، أو إذا كان من الأمور الواقعة في اختصاص الهيئة، ولا تتطلب تصريحا من النيابة العامة.

 كما ورد ذات الحكم في المادة 31 من المشروع بأن يكون تنظيم الهيئة للائحة الداخلية لقانون الهيئة بعيدا عن حقها في الاطلاع على المستندات والوثائق التي سبق أن قررت المادة 24 من القانون على أنها مرتبطة بسماح النيابة العامة لها، ولذلك فإن المشروع الحكومي جاء وعدل تلك المادة.

 وفي المادة 32 من المشروع الحكومي للقانون، التي تعادل نص المادة 31 من القانون السابق، جاء تعديل نص المادة 32 محددا لأوقات تقديم إقرارات الذمة المالية للخاضعين تحت القانون من المسؤولين الواردة حالاتهم في المادة الثانية من القانون، حيث أشارت «على جميع الخاضعين لأحكام هذا الباب تقديم الإقرار بعد صدور اللائحة التنفيذية، وفقا للمواعيد التالية:

الإقرار الأول:

 1- خلال ستة أشهر لمن هو في الخدمة وقت صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

 2- خلال ستين يوما من تاريخ توليه منصبه «بينما أحكام المادة السابقة مازالت باقية، ولم يطرأ عليها أي تعديل».

والحكم بالمادة السابقة المعدلة يشير إلى أن تقديم الذمة المالية مرتبط بنشر اللائحة التنفيذية، وليس نشر القانون، كما يفرق بين نوعين من الخاضعين لتقديم الذمة المالية، وهما:

أولا، من كانوا معينين بالأساس، وصدر القانون، فلهم ستة أشهر لتقديم الإقرار الأول، ويبدأ احتساب الشهور الستة من نشر اللائحة في الجريدة الرسمية، بينما مَن تم تعيينهم بعد نشر اللائحة التنفيذية، وهم حديثو التعيين، فعليهم أن يقدموا ذمتهم المالية خلال ستين يوما من تاريخ تعيينهم بالمنصب، فيما النص السابق كان يعطي للخاضعين لتقديم إقرارات بعد سنة من نشر اللائحة التنفيذية، ولمن كان معينا بعد نشر اللائحة، فعليه أن يقدم إقرارا خلال خلال ستين يوما.

تعويض المبلغ وورثته

وفي المادة 43 من المشروع الحكومي، التي تعادل نص المادة 42 من القانون السابق، فقد قررت المادة التزام الدولة تعويض المبلغ وكذلك ورثته في حال وفاته، والنص الحديث يسمح بإمكانية تعويض ورثة المبلغ بالتعويضات عن الأضرار المادية والأدبية، بعكس النص السابق، الذي كان يقصر التعويض عن الأضرار التي تصيب المبلغ فقط، وليس ورثته في حال وفاته، وبالتالي يربط المشرع برنامج الحماية الكامل للمبلغ في جدية البلاغ المقدم منه.

وبعد الإشارة إلى الأحكام الجديدة التي أوردها مشروع القانون، فإن المشروع، وبقدر تلافيه بعض الملاحظات التي كانت توجه إلى القانون السابق، إلا أنه لم يُزل العديد من الملاحظات التي كانت توجه إلى المشروع السابق، وهي على النحو التالي:

أولا: أن يتم إلزام زوجات الخاضعين للقانون، وفقا للمادة الثانية من القانون، لتقديم اقرارات الذمة المالية، لأن القانون، وإن أحاط القياديين الخاضعين للقانون بالرقابة على اقرارات الذمة، إلا أنه أعفى زوجاتهم من تقديم إقرارات عن ذممهن المالية، وهو الأمر الذي سيسمح بتهريب أي فائدة مالية أو منفعة للمسؤولين عن طريق زوجاتهم أو حتى أبنائهم البالغين، على اعتبار أن القانون أيضا يقصر الرقابة على أموال الخاضعين وأموال أبنائهم القصَّر فقط دون البالغين.

ثانيا: أن القانون، وإن منع عمل الموظفين بجهات أخرى واشترط تفرغهم في المادة 16 منه، إلا أنه سمح بالمادة 12 بالفقرة 4 منها، بانتداب رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة وموظفي الحكومة للعمل في الهيئة، وهو أمر متناقض، إذ يتطلب القانون التفرغ وعدم الجمع في مادة، ويسمح به في مادة أخرى، وهو الأمر الذي يتعيَّن إزالته، لوجوده في المشروع الحالي، علاوة على وجوده بالقانون السابق، كما أن القضاة وأعضاء النيابة العامة وموظفي الدولة المسؤولين منهم هم من الخاضعين لتطبيق القانون، ولإقرار الذمة المالية، فكيف يتم الاستعانة للرقابة والعمل، والأولى أن يستقيلوا من جهاتهم، وأن يتفرغوا للعمل في الهيئة.

ثالثا: مازال المشرع، سواء في القانون السابق أو المشروع الحالي، يربط فكرة حماية المبلغ بجدية البلاغ، وهذه الفكرة قد تجعل من البلاغ أمرا محل تفكير طويل لدى المبلغ، لأن منح القانون لأي امتيازات قد يتمتع بها المبلغ مرتبطة بجدية بلاغه، وهو الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات المهمة، وهي مَن يحدد جدية البلاغ؛ الهيئة ام النيابة العامة؟ وإذا ما قررت الهيئة جدية البلاغ وأحالته للنيابة وجاءت الاخيرة وحفظته، لعدم الجدية، فهل يجوز الرجوع على المبلغ من قبل المشكو بحقهم، وبمعاقبته من جهة عمله، لعدم جدية بلاغه، أم سيتمسك بجدية بلاغه الذي قررته الهيئة؟

جدية البلاغ

والأمر الثاني، الذي يثار، وهو متى ستقرر الهيئة جدية البلاغ أو عدم جديته؟ هل من تقديمه أم بعد مرحلة فحصه؟ وما المدد التي يتعيَّن على الهيئة إعلانها لجدية البلاغ، حتى يطمئن المبلغ أن هناك موعدا بعده سيحظى بالحماية القانونية وبالامتيازات المقررة لحماية المبلغ؟ وبينما ترك الأمور من دون تحديد المواعيد، فإن ذلك سيؤدي إلى معاقبة المبلغ من جهة عمله، أو ربما قتله، لعدم وضع حماية له، أو حتى تعويضه أو تعويض أسرته، لان الهيئة لم تقرر بعد جدية بلاغه.

رابعا: مازالت الانتقادات مستمرة لفكرة استقلالية هيئة مكافحة الفساد، لنسخ المشروع الحكومي لذات النص الوارد بالقانون السابق في المادة الثالثة، بأن أشار إلى أن الهيئة تخضع لإشراف وزير العدل، الذي يعد أحد الخاضعين لتطبيق القانون، وملتزم بتقديم إقرار الذمة المالية، وقد يكون أحد المتهمين بجريمة الكشف غير المشروع، والذي بمقدوره، وفق نص المادة 9 من القانون، أن يساهم بإسقاط رئيس الهيئة أو نائبه أو حتى أي عضو من أعضاء مجلس الأمناء، وبالتالي، فإنه يتعيَّن تحقيق الاستقلال للهيئة، وأن يخضع أمر الإشراف عليها من قبل جهة رقابية، كمجلس الأمة على سبيل المثال، أو أن تقلص صلاحيات الوزير المختص، ومنع أي دور له بالهيئة، إن كان لا خيار آخر، علاوة على أن يكون اختيار الرئيس ونائبه ومجلس الامناء عن طريق مجلس الامة.

نيابة متخصصة لجرائم الفساد

جاء المشروع الحكومي في المادة 27 منه، وهي مادة مستحدثة بالكامل فيه، حيث قررت المادة إنشاء نيابة متخصصة لجرائم الفساد تكون مهمتها التحقيق والادعاء والتصرف في كل جرائم الفساد، وذلك بعكس القانون السابق، الذي لم يحدد الاختصاص المباشر إلى النيابة العامة، إنما تركت لجهات التحقيق، وفق العقوبة المقررة بالقانون، فإذا كانت العقوبة أقل من 3 سنوات، كانت جنحة، وحققت فيها الإدارة العامة للتحقيقات التابعة لوزارة الداخلية، وإذا كانت العقوبة أكثر من 3 سنوات، كانت جناية، وحققت فيها النيابة العامة.

 ومثل هذا النص، بقدر ما هو مهم بشأن تحديده الجرائم التي تقوم النيابة العامة بالتحقيق فيها بكل جرائم الفساد، مهما كنت عقوباتها، إلا أن إنشاء نيابة متخصصة سيحدث عدة مشاكل عملية، خصوصا وسط التحفظات التي أعلنت عنها النيابة العامة، بعدم رغبتها بأن يتم إنشاء نيابة متخصصة لجرائم الفساد، وأنها ترى أنه من الضروري أن يشير القانون إلى اختصاص النيابة العامة، التحقيق في جرائم الفساد، من دون إلزامها بإنشاء نيابة متخصصة، لأن إنشاء مثل هذه النيابة للتحقيق في جرائم الفساد الواردة في نص المادة 22 من القانون سوف يرتب إفراغ عمل عدة نيابات، هي نيابات الأموال العامة وسوق المال والعاصمة، من أعمالها، وهي اليوم التي تحقق في مختلف الجرائم الواردة في القانون والمصنفة على أنها من جرائم الفساد.