أتفق تماما مع الرأي القائل إن مقاطعة «خلوها تخيس» ليست قضية سمك فقط! وأبصم بالعشرة كذلك لأني قارئ نهم للتاريخ، وفاهم أن عامل «الايدام» كان دوماً محركاً أساسيا للفوضى عبر التاريخ، وارجعوا معي إن شئتم إلى ما سطره المورخ الجهبذ «شريم دي برطم» في كتابه النادر «المنهج الأبشيهي في السلام على الطبيشي»، حيث ذكر في الجزء الثاني بعد الفاصل أن ماري أنطوانيت لما سألت عن سبب ثورة جياع الغال قيل لها: إنهم يطالبون بـ«مرقة هامور»، فقالت متعجبة: ولم لا يأكلون الشرمبي؟!

Ad

وذكر أيضا لله دره أن الثورة الأميركية التي بدأت بما يسمى حفلة شاي بوسطن كان سببها الأول أن الإنكليز فرضوا «الشاي السنجيل» على مستعمراتهم الأميركية، في حين كان يانكيز أميركا يفضلون «شاي الكرك» عوضا عنه! نعم هذا هو التاريخ «اللي ما شفتوه» فلا تلتفتوا بعده لترهات المؤرخين وخزعبلات تقول إن الثورة الفرنسية حدثت في وقت كان فيه معدمو فلاحي الفرنجة يدفنون أولادهم أكثر مما يدفنون بذور التفاح البريتاني، وإن ما كان يصرفه البرجوازي الفرنسي في يوم واحد على عصفور واقف فوق غصن شجرة في حديقة قصره يكفي لإسكات عشرات العصافير المزقزقة جوعاً داخل بطون آلاف الفقراء في باريس! ولا عليكم من تيش بريش تاريخي يقول إن الثورة الأميركية جاءت بعد أن أرهق الإنكليز مستعمراتهم بالضرائب كقانون تاونز هند المجحف، وقانون الدمغة المضحك، وضرائب أخرى جعلت كل طرق عرق جبين الأميركيين تؤدي إلى كرش لندن المنتفخ! كل هذا كلام «فاضي» فبدلا من تلعنوا ظلام جهلكم انفخوا ببراطمكم وأوقدوا شمعة كما فعل يوما مؤرخنا العظيم «شريم».

نعم مبررات مقاطعتكم منطقية لا نختلف عليها لأننا دولة بحرية، فالمفروض أن نمل من أكل السمك لا أن تتوحم آمالنا الحبلى كل يوم على ريحته، ونعم غريب أن ما نصرفه حالياً على كيلو السمك أغلى من سعر البرميل الذي يصرف علينا! ونعم المجلس ومنذ سنوات «خلع» وتركنا نخوض لوحدنا «هوشة الأسعار» التي «طقينا فيها طق السنة المالية بساعة شوبينغ واحدة»، ونعم المقاطعة حرية شخصية يضمنها الدستور وتتوافق مع إيجابية المجتمع المدني الذي يصنع أدوات الضغط لأنه مصدر السلطات جميعا، ونعم لم يتحدث أحد من المقاطعين عن مظاهرات أو خلافه، وكل ما حدث هو أننا جعلنا «دينارنا» يرمي يمين الطلاق على بضاعة البسطات حتى «تتسنع» وتصير «خوش سلعة»، نعم كل هذه الأسباب تجمد على الشارب وتستحق كل هذا «والنعم» ولكن لا، لا تنظروا إلى النصف الممتلئ قيحا من معيشتكم بل انظروا إلى النصف الآخر الفارغ و«البطالي»!

 تخيلوا لو استغل أهل السياسة المقاطعة لتنفيذ مخططاتهم الشريرة! تصوروا أن يلبدوا وراء ظهرها لينشئوا تحت مظلتها كعادتهم «حركة السمك الوطني» أو «حسو»، فهل تتصورون حالة «النفاس» السياسي الفوضوي والمؤلم التي سنجر البلاد إليها؟ نعم السمك «غالي» لكن الوطن أغلى، وصدق الشاعر حين يقول: معظم النار من مستصغر «الزفر»!