من المفترض أن تكون للعرب المعنيين وقفة جماعية إزاء تغيير الاتجاهات الأخيرة في تركيا، والاتفاق مع أميركا على منطقة عازلة بعرض خمسين كيلومتراً وطول تسعين كيلومتراً، أعلن الطرفان أنها ستكون "نظيفة" من "داعش"، مراعاة للروس والإيرانيين، مع أنها في الحقيقة ستكون مجالاً حيوياً للمعارضة "المعتدلة" وبغطاء جوي أميركي وتركي، وستكون للاجئين السوريين الذين سيتم نقل مخيماتهم من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية.

Ad

إن هذا يعتبر أهم تحول يطرأ على الأزمة السورية في قرابة الخمسة أعوام الماضية، ويبدو أن هذا التحول قد يكون بداية ترجمة للاستراتيجية الجديدة التي قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن إدارة الرئيس باراك أوباما ستبدأ تنفيذها بعد توقيع اتفاقية النووي مع إيران، للتعاطي مع قضايا الشرق الأوسط الملتهبة.

ولذلك فإنه لا يجوز أن يبقى العرب المعنيون يتفرجون على "الآخرين" وهم يتلاعبون بمنطقتهم ويتحدثون عن أنه لابد من إيجاد مدخل لإيران على أي حل للأزمة السورية والأزمة اليمنية والوضع المتشظي في العراق، وهم ربما يلجأون إلى الاتفاق على "سايكس – بيكو" جديدة لتمزيق الوطن العربي أو بعضه أكثر مما هو ممزق!

لا اعتراض إطلاقاً على أن تكون تركيا لاعباً رئيسياً في الأزمة السورية طالما أنها دولة ملاصقة ومجاورة، وأن حدودها مع سورية تزيد على 800 كيلومتر، وأنها تستضيف نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وأن الأكراد السوريين الذين يرتبطون بتبعية تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني - التركي P.K.K الذي اعتبره الأميركيون قبل يومين تنظيماً إرهابياً، إضافة إلى مشكلة "داعش"، ومشكلة محاولات بشار الأسد التلاعب طائفياً في الساحة التركية.

إن الاعتراض هو على أن يبقى العرب، الذين من المفترض أنهم معنيون، ينؤون بأنفسهم عن مستجدات الوضع على الحدود السورية الشمالية، فتغيير الأميركيين مواقفهم السابقة بالنسبة للمناطق العازلة ومناطق حظر الطيران السوري يقتضي تحركاً عربياً عاجلاً، ومراجعة لأحوال الحدود السورية الجنوبية، ووحدة موقف مما قاله بشار الأسد في خطاب "الوداع الأخير"، وأخطره اعتبار من لم يقاتل معه ليس سورياً، واعتبار أن سورية لكل من يدافع عنها، أي يدافع عنه هو، بغض النظر عن جنسيته.

وهذا يعني أن هناك سايكس – بيكو جديدة، لكن بدون وزير الخارجية الفرنسي، ووزير الخارجية البريطاني، وأن هناك نية لتجنيس واسع النطاق للإيرانيين، ولكل منتسبي عشرات الشراذم الطائفية والمذهبية التي استُقدمت من كل أرجاء الكرة الأرضية، وأن هناك تجريداً لغالبية أبناء الشعب السوري من جنسياتهم السورية، ولذلك فإنه لابد من وقفة عربية عاجلة، والتفاهم مع الأتراك والأميركيين والروس على الحل الذي يجنِّب هذا البلد العربي المحوري مخاطر التشظي والانقسام... والحل هو في "جنيف1"، التي أحبطتها موسكو في جنيف الثانية.