يعرب المسؤولون الأميركيون عن قلقهم من أن يشكل الحشد العسكري الروسي الكبير في غرب سورية خلال الأيام القليلة الماضية إشارة إلى استعدادات موسكو لإطلاق مهام قتالية جوية دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما يسمى تصعيداً محتملاً خطيراً في صراع مستعر منذ أربع سنوات.

Ad

تمثل الخطوة الروسية تحدياً واضحاً لجهود الولايات المتحدة وأوروبا لعزل نظام الأسد وإنهاء هذا الصراع الذي بدأ قبل أربع سنوات ونصف السنة، ويأتي التصعيد الروسي كمفاجأة لأنه تلا دفقاً من المساعي الدبلوماسية من جانب موسكو، حتى إن واشنطن خططت لإعادة إحياء المحادثات بهدف إنهاء الحرب، التي حصدت حياة أكثر من 200 ألف شخص.

يقول المحللون إن روسيا (حليف قوي لسورية مدها بأسلحة متطورة خلال السنوات الماضية) أملت دعم نظام الأسد المحاصر، وكانت على الأرجح تسعى إلى منع الحكومات الغربية من الإقدام على أي عمل عسكري ضد نظام الأسد في المستقبل، فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية، عملت روسيا على تعزيز نفوذها في دولتها العملية القديمة هذه واستعادة تأثيرها في شرق البحر الأبيض المتوسط، علماً أن هذا لطالما كان أحد أهداف السياسة الخارجية السوفياتية والروسية على حد سواء.

أعلن مسؤول استخباراتي أميركي أن خطوات روسيا تعكس تنامي القلق بشأن قوة نظام الأسد، وأن موسكو "قد تكون مستعدة للتدخل مباشرة نيابة عنه".

يأتي توسع الوجود الروسي العسكري بعد معاناة نظام الأسد عدداً من النكسات في ساحة القتال، رغم الدعم الضخم الذي يتلقاه من رعاته الإيرانيين وحزب الله، فتشير تقارير عدة إلى أن قوات النظام السوري خسرت السيطرة على آخر قاعدة عسكرية لها في شمال محافظة إدلب يوم الأربعاء خلال قتالها مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وغيرها من المقاتلين الإسلاميين.

في موسكو، أفادت ماريا زاخاروفا، متحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن روسيا لم تخفِ مسألة تقديمها مساعدة عسكرية للنظام في دمشق، وقد صورت روسيا شحناتها من الأسلحة إلى سورية كوسيلة دعم للقتال الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" وغيره من المجموعات المجاهدة، كذلك صورت الأسد على أنه حليف أساسي في إنزال الهزيمة بالمتطرفين.

بالإضافة إلى ذلك رفضت روسيا استبعاد إرسال قوات لمحاربة مقاتلي "داعش" على الأرض، لكن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن روسيا، إذا كانت جادة في مواجهتها "داعش"، فلن تسعى إلى دعم الأسد وتأجيج حرب سمحت لهذه المجموعة بالتأصل والترسخ.

تراجعت علاقات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مع روسيا بحدة بعد تدخل موسكو المسلح في أوكرانيا، مما أثار المخاوف من سياسة خارجية روسية أكثر عدائية، فقد تجلت هذه السياسة من خلال مقاربة أكثر عنفاً في المنطقة القطبية الشمالية الروسية، وتعاون عسكري أكبر مع الصين، وتعزيز الجهود بغية توسيع الانقسامات القائمة داخل أوروبا باستمالة بلدان كهنغاريا وتركيا مثلاً.

لا تُعتبر نشاطات روسيا المتنامية في سورية تطوراً حديثاً، إذ يشير تقرير أعده أخيراً الصحافي الاستقصائي الروسي رسلان ليفييف إلى أن الشهرين الأخيرين شهدا دفقاً من الجنود الروس متوجهاً إلى منشأة بحرية في طرطوس، وتتبع هذا التقرير التعليقات التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي جنود روس من اللواء البحري الـ810، بما فيها صور شخصية التقطها الجنود في رحلتهم إلى القاعدة.

مع تزايد الإشارات إلى حشد موسكو، طلبت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة من دول عدة عدم السماح للطائرات الروسية المتوجهة إلى سورية بالمرور في مجالها الجوي، فوافقت بلغاريا، إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، على الطلب الأميركي، ويُقال إنها رفضت طلب روسيا مرور طائراتها فوق أراضيها، الذي يمتد حتى الرابع والعشرين من سبتمبر.

نتيجة لذلك، سعت موسكو إلى تأمين ممر جوي فوق إيران والعراق، وأفادت وكالات الأنباء الروسية أخيراً أن طهران منحتها الإذن.

لم تحاول روسيا التحليق بطائراتها العسكرية فوق تركيا، وهي أيضاً من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، منذ عام 2012، حين أنزلت أنقرة طائرة متوجهة إلى سورية كانت تحمل قطع رادار من روسيا.

ولفتت الباحثة في معهد واشنطن آنا بورشيفسكايا إلى أن روسيا ترى في الحرب الطويلة الأمد في سورية فرصة لتعيد تأكيد نفوذها في الشرق الأوسط، حيث تقول: "يتعاطى الغرب مع سورية بتردد منذ زمن طويل، مما منح روسيا فرصة كبيرة للتأثير في الشرق الأوسط". لطالما كانت هذه المنطقة هدفاً للمغامرات الأجنبية السوفياتية من خمسينيات القرن الماضي حتى الثمانينيات، وقد تجدد هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة بعد إعادة انتخاب بوتين، فأكدت بورشيفسكايا أن روسيا عارضت اقتراحات السلام التي فرضت على الأسد التنحي عن السلطة، وقالت "تأمل موسكو أن تكون دول أخرى قد بدأت تتقبل موقف روسيا من الأسد".

* دانيال دي لوس