انشغل الدكتور عبدالعاطي كيوان، أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الفيوم، أخيراً بما يسمى «أدب الجسد»، وأصدر كتاباً جديدا بعنوان «أدب الجسد بين الفن والإسفاف... دراسة في السرد النسائي»، يؤكد فيه أن الكتابة عبر الجسد قد أخذت أشكالاً من السفور في المرحلة الأخيرة، فتجاوزت المسكوت عنه بمسافات، لافتاً إلى أن بعض الكُتاب والكاتبات استغل أدب الجسد للوصول إلى الشهرة، وأن بعض السرد النسائي يعبِّر عن عقول ضحلة وجدب الموهبة.  

Ad

وقال كيوان في حوار مع {الجريدة} إن الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة لم تخلُ منه كتب التاريخ والأدب، وإن جاء في سياقاته المشروعة، والمتمردة أحياناً، معتبراً أن تصنيف الأدب يختلف وفقاً لطريقة سرد الذات المبدعة. في ما يلي نص الحوار.

أصدرت أخيراً كتاب {أدب الجسد بين الفن والإسفاف.. دراسة في السرد النسائي}، لماذا اخترت تسمية هذا النوع من السرد بأدب الجسد؟

ثمة الكثير من التسميات التي أُطلقت على هذا النوع من الكتابة عن الجنس مثل {الأدب المكشوف} و{أدب الفراش} و{الأدب الصريح}... وغيرها.إلا أنني فضلت مصطلحاً دالاً على مسماه، هو {أدب الجسد} لما يحمله من مضامين، إذ هو مصطلح جامع مانع.

كذلك في اختياري هذا المسمى شيء من التعميم، وشيء من التقديس والتعالي في الوقت نفسه، وشيء من الدنس والتدني والترخص في آن آخر، فقد يحمل معنى التأدب والحياء والفضيلة، كذلك يشير في خفاء إلى هذا العالم الخاص بأنواعه ومترادفاته كافة.

برأيك، هل يعد هذا النوع من الكتابة أدباً؟  

أكثر هذه الكتابات لا تعد أدباً، وإنما هي نوع من الكتابة وحسب، فبعض السرد النسائي أو اللغو النسائي - إن شئنا الدقة - هو كلام مغلوط، أنه سقوط في سقوط، يعبر عن نفس مجهدة، وعقول ضحلة تعيش عالم الانغلاق على الذات.

إنها كتابة تنم عن جدب الموهبة، وتعبر عن تخيلات مشوهة مجنونة، وأخذها البعض باباً إلى الشهرة، فعبر بالتافه على حساب القيّم والأصيل.

لكن البعض يرى أن نقدك هذا النوع من السرد النسائي غير مبرر، لأن الكتابة عن الجسد ليس أمراً مستحدثاً في الأدب العربي وله شواهد منذ العصر الجاهلي؟

على العكس، فرغم وجود الكثير من التجارب الشعرية التي تتحدث عن الحب عند الشعراء في العصر الجاهلي، فإننا لم نكد نلمح خروجاً ما، اللهم إلا النذر اليسير منها. كذلك اختلطت تجارب بقيم أخرى، لم يكن الجنس هدفها في الأحوال كافة، إذ جاءت في معرض الحديث عن الزوج وصفاته، أو الوطن والغربة، أو الشرف والعفة، أو حتى الرثاء والسياسة والحرب، كذلك الهجاء والمديح والزهد، وليس من بينها الجنس الخالص.

وإذا كان ثمة خروج وسفور تعدى إلى مرحلة من البوح والمكاشفة، فإن الإماء والجواري ممن لا يُعابن على أفعالهن كان لهن النصيب الأكبر، ولم تكن المرأة الحرة تقبل على التفحش في القول.

متى يتحوَّل الأدب إلى إسفاف؟

الأدب في أبسط تعريف هو التعبير الجميل عن الخاطر النبيل، والخاطر النبيل لن ينحط إلى إسفاف مبتذل، لأن لكل إنسان مطامحه التي ترتفع به إلى السمو، والعلاقة بين الفن والأخلاق علاقة قديمة قدم الإبداع ذاته، فهما يتصارعان في محراب واحد، فكما زخر العالم قديمه وحديثه بالمصلحين والكهنة ورجال الدين، فقد زخر كذلك بأصحاب المجون والزندقة والتحلل والفجور، والخروج عما ألفته الفطرة والطبائع الإنسانية الراقية. ولكن البعض اتخذ من الحرية باباً إلى مبتغاه، فتجاوزها بمسافات، وأصبحت كتاباته تلطخ وجه الفضيلة.

إذا انتقلنا إلى العلاقة بين حرية الكاتب والمتلقي، هل الحرية هنا محددة بمعايير؟

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في عناصر شتى تتمحور حول، لمن يكتب الكاتب؟ فهل يكتب لنفسه وحسب أم أنه يكتب للآخرين؟ أم أنه يكتب لنفسه وللآخرين؟ على اعتبار الصدق الفني والتجربة.

مما لا شك فيه، أن الأديب أو الكاتب عندما يكتب فإنه يكتب لنفسه أولاً ثم يكتب ثانياً للجماعة التي يعيش بينها، إذ هو ذاتي النزعة في المقام الأول، موضوعياً في المقام الثاني، فإذا كان الأدب الذاتي أو الذاتية في الأدب هو حديث النفس ومناجاتها، فإن الأدب الموضوعي يتعدى ذلك إلى الجموع، وإذا كان الأدب الذاتي، هو أدب الذات المبدعة أي أنه رومانسي النزعة والهوى، فهل الأدب الموضوعي يخلو من هذا؟

الإجابة هي أن الموضوعي ذاتي أيضاً، خرج من ذات مبدعة، انفعلت وتأثرت به بداية ثم تعداها إلى الجموع التي قام بتصويرها، وهكذا فإن كل أدب هو أدب الذات التي أبدعته. غير أن تصنيفه يختلف تبعاً للطريقة التي تسرد بها هذه الذات، والمادة التي تقدمها، وسواء كان الأدب ذاتياً أم موضوعياً، فإنه يبين عن فكر الكاتب الذي يعيش أرق الالتزام والموقف الذي يفرضه عليه ضميره وخلقه نحو نفسه أولاً ومجتمعه ثانياً، ومن ثم فإن الأمر كله مرجعه إلى الضمير الأدبي للكاتب، وتقديره الواعي لما يبثه في نفوس الناس، كما أن للمتلقي هو الآخر الدور الأكبر إزاء نتاج هذا الضمير وقبوله.

كيف ترى حرية الكاتب؟

التبس كثير من المعايير أمام البعض، ممن توهموا أنهم وحدهم أصحاب الكلمة وأصحاب الرؤى الصحيحة دون غيرهم، وأن ما عداهم لا يرتقي إليهم، جهلاً وتخلفاً، فاختلطت الأمور إلى حد المعارك والصراعات والتعصب للرأي، حتى لو كان رأياً ساذجاً أو مسطحاً أو تافهاً. خلط البعض من كُتابنا أو مبدعينا ممن تحيزوا تحيزاً أعمى إلى كل ما هو وافد من الغرب، بين الحداثة وبين الحضارة، معتقدين أن الحضارة أو الحداثة مرادفة للتحلل، وأن هذا التحلل هو معيار الحداثة والوجه الآخر للحضارة، آخذين من هذه الحضارة وتلك الحداثة الغربية الوجه القبيح دون الجوانب الأخرى. هم يأخذون منها وجه الشر وحده، وينفرون في الوقت ذاته من وجوه الخير المتعددة الروافد والأصول، وإن كان الغربيون أنفسهم قد نفروا من تلك الجوانب التي ظنها البعض دليلاً على الحرية والتطور والارتقاء.

وللأسف، فإن بعض مثقفينا يربط بين الحداثة والتحلل، أي أن حرية الكتابة والإبداع والأدب، هي عنده مرتبطة بالجنس والتحلل ويركز دائماً على تلك الناحية دون غيرها، ويدعي أن الحرية والحداثة، هما أن يُطلَق العنان للأديب في أن يقول ما يروق له حتى لو جاء بفتات من التفاهة والزيف.

نبذة

حصل الدكتور عبد العاطي كيوان على شهادة ماجستير فى الأدب الحديث، بعنوان: دور الشعر العربي في مصر بين الحربين الأخيرتين (1973-1967)، كلية الآداب جامعة طنطا 1989.

-  دكتوراه الفلسفة في الآداب، أدب حديث، بعنوان: الشخصية المصرية في شعر المحافظين في مصر حتى بداية الحرب العالمية الثانية، كلية الآداب جامعة طنطا 1993.

أبرز مؤلفاته:

رؤية الوجود في شعر طاهر أبوفاشا، الفكاهة والسخرية عند حافظ إبراهيم، التناص القرآني في شعر أمل دنقل، جانب الثورة والعقيدة في شعر المتنبي، الأسلوبية في الخطاب العربي، مظاهر الفن والجمال في الشعر الحديث، رحلة طفل مصري، وحكايات أخرى (مجموعة قصصية للأطفال)، أدب الأطفال {قراءة في العلم والمنهج والنص}، سلسلة البيئة والتلوث {مسرحيات للأطفال}،} المناهج النقدية ونظرياتها} {فوضى المصطلحات}.