أصدرت منظمة "غلوبال ديموكراسي"، وهي منظمة مهتمة بالديمقراطية وتطوراتها في مختلف دول العالم، تقريرها السنوي للحالة الديمقراطية في 113 دولة لعام 2015، أوضحت فيه الدول التي تقدَّمت والتي تأخرت في ترتيبها.

Ad

واللافت للنظر، أن آخر دولتين في هذا السلم عربيتان؛ سورية واليمن، ما يدل على تفوقنا كعرب في هذا المجال.

أما الدول الأولى على المستوى العربي، فجاءت تونس بالمرتبة 66، تليها الكويت بالمرتبة 85. أما لبنان، فهو الثالث عربيا، واحتل المرتبة 92، ثم المغرب بالمرتبة 99.

فالكويت متقدمة عربياً، إلا أن المحزن، أنها تقهقرت عن العام الماضي في الترتيب، فما الذي حصل حتى نتراجع ونصل إلى هذا الموقع المتأخر أصلا؟!

أوضاع فاسدة

دعونا نراجع أبرز ما حصل في العام المنصرم، بدءاً من التضييق على حرية الرأي في جميع المجالات، سواء كان ذلك في الصحف التي عُطلت، أو إحالة كثيرين ممن يعبرون عن آرائهم في وسائل التواصل المختلفة، التي وفرها التقدم التكنولوجي كـ "تويتر" وغيره، للنيابة، فالتعبير عن الرأي يُعد حرية مقدَّسة كفلها الدستور الكويتي في المادتين 36 و37، والمفروض هنا، أن يعاقب من يخالفها، لا من يمارسها، وحرية إبداء الرأي سلميا شيء، و"المسبة والبذاءة" شيء آخر يعاقب عليه مرتكبها.

لقد أصبحت الكويت سجناً للأحرار، بعد أن كانت ملجأً لهم، فأصبح عندنا سجناء رأي ولاجئون سياسيون في دول أخرى. أما صحفنا، فحُكم عليها بالإعدام، وأغلق بعضها، وأخرى تحت التصفية. فلا مكان إذن للنقد لأوضاع فاسدة مدمرة، أكدها الديوان الأميري عندما أدرك عجز الحكومات المتتالية عن تنفيذ المشاريع المهمة، وبادر هو بالإشراف على تنفيذها، كما نشاهد هذه الأيام.

ضحايا الحرية

إلا أن الخطير في كل ما يحدث، هو طبيعة بعض الأحكام القضائية، التي صدرت أخيراً، وأثارت استغراباً شديداً، لما عُرف عن قضائنا، الذي طالما تفاخرنا في كثير من الأحكام التي أعادت الهيبة له، كفرض إرادته، وحقه في تقرير حالة الضرورة، وقضايا الجنسية، وحماية الشرفاء من الإجراءات المتعسفة، من خلال أحكام إدارية رائعة تناغمت مع ما كان يمارسه، لحماية حرية الكلمة، بتبرئة الكُتاب من تآمر البعض على السلطة بمعاقبتهم.

وفي المقابل، فإن ضحايا قضايا حرية الرأي، التي يحاكم بموجبها المتهمون، وفق قوانين تنص على ذلك، هي غير دستورية، والدستور أقوى من هذه القوانين، والمنطق يقول بوجوب إحالة الموضوع إلى المحكمة الدستورية المؤتمنة على حماية الدستور، وهذا ما فعلته المحكمة الدستورية الليبية عندما أبطلت القرار الطائش لإدريس السنوسي في حل المجلس، ما تسبب في الإطاحة به.

يمكن أن يُقال إننا نطلب كثيراً من القضاء في ظروف سياسية صعبة، وهذا القول صحيح، إلا أننا لا يمكن أن ننسى المواقف المشرفة لقضاة في العالم، رفضوا الاستسلام والخضوع للأمر الواقع، فهل يمكن أن ينسى العالم المواقف المشرفة لقضاة في بريطانيا وأميركا وإيطاليا، وغيرها، ممن تصدوا للظلم والفساد، ودفع بعضهم الثمن غالياً، لكنهم كانوا قادة التطور والإبداع في بلادهم؟!

الأمل لا يزال قائماً

نتساءل: هل نيأس لترنح السلطتين التنفيذية والتشريعية؟! لا يمكن، فنحن نرى هلالا شبابيا بزغ في مسيرته، ليكون بدرا متكاملا يضيء سماءنا المعتمة.

إن كثرة الأحكام بالإدانة والسجن ليست لها سابقة، فقد كنا ولا نزال نصلي وندعو الله أن يحمي الجسم القضائي من الفساد، الذي عمَّ جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، إلا ما ندر.

أملنا بقضاة يشهد الجميع بنزاهتهم، وأن يكونوا سدا منيعا يمنع تسرب هذا المرض الفتاك إلى محرابهم، فهم الضمانة الأكيدة والوحيدة، إضافة إلى الوعي الشعبي، لحماية هذا البلد.