يحاول رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أن يحرك الجمود الواضح في الحوار الداخلي مع القوى السنية، والذي توقف منذ الربيع على نحو مفاجئ، بعد خلافات حادة حول معارك تكريت والدور الإيراني فيها.

Ad

وراج حينها القول إن أي اتفاق مهم مع القوى السنية لن يمر قبل حسم الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، لأن العراق سيكون أبرز ميدان لظهور نتائج الصفقة المحتملة.

لكن حيدر العبادي ظل يسمع من الائتلاف الدولي بقيادة أميركا كلاما آخر، ملخصه أن مساعدة العراق في حربه ضد «داعش» ستظل مرهونة بمدى التقدم الذي يمكن أن تحرزه القيادات الشيعية في تنفيذ الاتفاق السياسي مع باقي الأطراف، فهناك نحو خمسة قوانين جرى الاتفاق عليها كمدخل للتصالح لكنها جمدت وتلكأت.  وفي الأسبوع الماضي حاول رئيس الحكومة تحريك الأجواء، ودفع قانون «العفو العام» أمام وزرائه، حيث مر بصعوبة «بمعارضة شيعية»! وأصبح تحت قبة البرلمان، في وقت يعلم الجميع أنه لن يمر خلال التصويت دون توفر اتفاق سياسي بين الزعماء، وهو ما لا يتوافر حالياً.

وكان يفترض بهذا القانون أن يهدئ جزءاً كبيراً من الاحتقان السني ضد بغداد، حيث تضمن اتفاق العام الماضي أن تعاد محاكمة عشرات الآف السنة، الذين يعتقد أنهم اعترفوا تحت الإكراه بارتكاب جرائم، ما سيتيح إمكانية تبرئة جزء منهم وإطلاق سراح آخرين، لكن الشيعة يصرون على أن هؤلاء تلقوا «محاكمات عادلة»، وأن العفو سيعني إطلاق سراح إرهابيين سيسارعون للالتحاق بـ»داعش» في ظروف الحرب الصعبة هذه.

وفشل حيدر العبادي في إنجاز اتفاق سياسي داخل الكتلة الشيعية بهذا الشأن، وبدون هذا الاتفاق لن يتمكن البرلمان من التصويت بالإيجاب على تشريع حساس كهذا، وهو ما جعل القوى السنية تقول صراحة ان هذا المسار هو عودة لطريقة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي كان يلجأ حين يشعر بالإحراج، إلى إلقاء مسودات القوانين في باحة البرلمان المنقسم والعاجز، متذرعاً بعدم إمكانية حصول توافق سياسي.  غير أن السؤال الأهم لا يتعلق بالمناورات الممكنة للعبادي، وهو يحاول تهدئة الاعتراضات الإيرانية والأميركية، بل الخطير هو «صمت» ما يعرف بـ»جناح التغيير والإصلاح» الشيعي الذي كان طرفاً ضامناً لتنفيذ الاتفاقات مع باقي الأطراف لحظة تشكيل الحكومة في الخريف الماضي، وأصبح اليوم تحت رحمة «يمين شيعي متشدد» لا يقبل أي حل سياسي مع السنة والأكراد، يتمثل بفصائل مسلحة يقودها في الغالب شباب مغمورون مقربون على طهران، باتوا أفضل تسليحاً وتدريباً من الجماعات التقليدية لمقتدى الصدر وعمار الحكيم، بل ان في صالونات بغداد من يقول إن مرجعية النجف نفسها «تؤثر الصمت» منذ أسابيع.

فكلما توعد «داعش» بمزيد من هجمات اقتربت من جهة الرمادي، نحو النجف وكربلاء، اضطر «الحكماء المعتدلون» إلى الصمت استرضاء لنخبة الميليشيات التي باتت القوة الوحيدة القادرة على صد «داعش»، اثر الانهيار الغامض والممنهج للقوات الحكومية.