غير مستغرب أن يقول نوري المالكي، لا غيره، الذي ليس معروفاً ما إذا كان قرار عزله كنائب للرئيس العراقي لا يزال ساري المفعول أم لا، في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر مما قاله مالك في الخمر، فالمسألة، كما يقال، ليست مسألة رمَّانة وإنما مسألة قلوب ملآنة، ويقيناً فإن هذا المسؤول العراقي (الكبير) لا ينطق باسمه، بل باسم "الأشقاء الإيرانيين" الذين يصرون على مواصلة دعم بشار الأسد، مع أنه أصبح مجرد واجهة للفاعلين الأساسيين، وفي مقدمتهم روسيا "البوتينية"!

Ad

فسياسات رجب طيب أردوغان، حسب نوري المالكي، "عدوانية" والرئيس التركي، حسب المالكي أيضاً، "يضع العالم على شفير حرب عالمية ثالثة" وهو، أي الرئيس التركي، لا يكتفي بتسهيل تحركات عصابات "داعش" الإرهابية بل يذهب في سلوكه المضطرب إلى أبعد من ذلك، ويقوم بتهديد الجهود الدولية المُسخَّرة للقضاء على هذا الوباء الإرهابي المتفشي في المنطقة... إنه شخصية خطيرة تهدد الأمن العالمي والسلام الدولي، وعلى الحكومة العراقية ودول الإقليم ومجلس الأمن اتخاذ ما يلزم من إجراءات لوقف هذا التهديد"!

وبالطبع فإن نوري المالكي قد انتفض هذه الانتفاضة "الغضنفرية" كردٍّ على إسقاط تركيا يوم الثلاثاء الماضي لطائرة (سوخوي24) الروسية على الحدود التركية– السورية، في حين يُفتَرض أن يلتزم بصمت الحكومة العراقية إزاء هذا التطور، وألا يتدخل في هذه المسألة المعقدة ويذهب إلى القول: "إن أردوغان يدعي أن طائرة روسية اخترقت أجواء بلاده لثوانٍ قليلة متناسياً أنَّ طائراته تنتهك أجواء العراق وسورية يومياً، وأن دباباته تعبث بحدود هذين البلدين كيفما تشاء وسط صمت محليٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ غريب"!

عظيم! ولكن أليْس المفترض أن يقول نوري المالكي مثل هذا الكلام وأكثر منه لـ"أشقائه" الإيرانيين الذين يستبيحون كل شيء في العراق والذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في هذا البلد العربي، والذين لولا تدخلهم وتدخل مندوبهم السامي في بلاد الرافدين قاسم سليماني لما عاد إلى منصبه (السابق) كنائب للرئيس العراقي خلافاً لقرارات رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الذي وفقاً لدستور بلاده هو القائد الأعلى وهو صاحب كل التعليمات السيادية ومن بينها قرار إزاحة نواب رئيس الوزراء ونواب رئيس الجمهورية كلهم بأوامر نافذة، ولا يحق لأيٍّ كان الاعتراض ربما إلا مجلس الشعب (البرلمان).

ثم إن ما يبعث على الاستهجان والتعجب والضحك أيضاً هو أن المالكي يتهم رجب طيب أردوغان بأنه "يساعد تنظيم داعش ويحاول تقويض الجهود الدولية الهادفة إلى ضربه وإضعافه" وينسى أنَّ الموصل قد سُلمت إلى هذا التنظيم الإرهابي في عهده "تسليم اليد"، وأنه من المفترض أن تكون التحقيقات التي أجريت بالنسبة لسقوط ثاني مدينة عراقية بعد بغداد في أيدي هؤلاء الإرهابيين جديةً، وأنْ تؤدي إلى "جنْدلة" رؤوسٍ متورطة في هذه الفعلة الشائنة وهي لا تزال متورطة في عرقلة تحرير "الأنبار" وبعض المناطق الأخرى.

 لسنا بصدد الدفاع عن أردوغان فهو المعني بالدفاع عن نفسه، لكننا بصدد قول الحقيقة، والحقيقة أن ما بين تركيا وروسيا لا تنطبق عليه هذه الاتهامات التي ساقها السيد نوري المالكي، فهناك مصالح مشتركة بين هذين البلدين من المؤكد أنها ستتغلب على كل ما جرى مؤخراً، وستمنع كل ما يقوله الذين يتحدثون عن نذر حربٍ عالمية ثالثة، إنْ هي قائمة أو ستقوم، فالمفترض أنها ستكون بين العالم بأسره وبين "داعش" والتنظيمات الإرهابية الأخرى.