عندما تقترح روسيا إقامة تكتل لمواجهة "داعش" يضم تركيا والأردن والمملكة العربية السعودية وسورية، فإنها تتجاهل أن هناك تحالفاً قائماً من أجل هذه الغاية يضم أكثر من 70 دولة، من بينها هذه الدول المشار إليها، باستثناء نظام بشار الأسد.

Ad

كان على روسيا، التي ساد إحساس أنها بدأت تراجع موقفها من نظام بشار الأسد والأزمة السورية، ألا تقع في هذا الخطأ الفادح، فهذا الاقتراح الذي تقدمت به فُهِمَ على أنه مجرد مناورة لإدخال هذا النظام من ثقب الإبرة وانتشاله من سقوط بات محتماً، وتسويقه مجدداً كرقم رئيس في حلِّ عقدة الأزمة السورية التي غدت مستفحلة.

إن موسكو تعرف بالتأكيد أن المعنيين بالأزمة السورية، والذين بقوا يتابعونها سابقاً ولاحقاً حتى الآن لم يفقدوا ذاكرتهم، وأنهم يعرفون أن إنشاء مثل هذا التحالف الذي تتحدث عنه العاصمة الروسية كان هدف نظام بشار الأسد، الذي إن لم يكن ساهم في إيجاد هذا التنظيم الإرهابي، فقد تواطأ معه و"سكت" عن تمدده في سورية كلها، بل وانسحب له من بعض المناطق التي تجذر فيها، ومن بينها "الرقة" التي يعتبرها عاصمة دولته الشيطانية.

 لم يعترف هذا النظام، ومازال، بوجود معارضة وطنية مسلحة أثبتت وجودها على الأرض، ولذلك فإنه كان في أمسّ الحاجة إلى "اختراع" هذا التنظيم الإرهابي لتسويق كذبة أنه لا يواجه تنظيمات معارضة بل تنظيمات إرهابية، وحقيقة أن هذا ما أرادت موسكو تأكيده وتثبيته باقتراحها الأخير الذي يُفترَض أن تسارع إلى إعادة النظر فيه إن هي أرادت أن تعزز وجودها في هذه المنطقة.

إنه لا يمكن أن تفكر أي دولة من هذه الدول التي اقترحتها موسكو - مجرد تفكير - في الانضمام إلى مثل هذا الحلف.

إذ هل يُعقَل أن يتحول الجلاد إلى ضحية، وأن يُفسح المجال لنظام قتل من شعب - من المفترض أنه شعبه - كل هذه الأرقام الفلكية، ودمر بلداً - من المفترض أنه بلده - كل هذا التدمير لالتقاط أنفاسه وتمرير ما سعى إليه منذ البدايات، وهو أنه لا يواجه معارضة وطنية، بل تنظيمات ومجموعات إرهابية؟!

ولهذا فإن أرادت موسكو حلاً فعلياً للأزمة السورية، فإنه ليس أمامها إلا أن تسارع إلى سحب هذا الاقتراح والعودة إلى "جنيف 1" الذي وافقت عليه، لكنها ما لبثت أن أجهضته في "جنيف 2"، فالأوضاع في سورية وفي هذه المنطقة لم تعد تحتمل مثل هذه المناورات المكشوفة ومثل هذه الألاعيب.

إن القيادة الروسية، وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، متأكدة من أن نظام بشار الأسد قد انتهى فعلاً، وأنه لابد من التمسك بحل "المرحلة الانتقالية"، من دون أن يكون لرئيس هذا النظام الاستبدادي أي دور، لا في هذه المرحلة ولا في مستقبل بلد أوصله حكم الأب والابن إلى ما وصل إليه!