لا يخلو خطاب الدولة العام من التشديد على موجبات تعزيز الوحدة الوطنية، وعلى أنها السياج الواقي للكويت عند الملمات والتحذير من مخاطر الفئوية والعنصرية والطائفية والقبلية والمناطقية، وإسقاطاتها على تفتيت اللحمة الوطنية، ولا تغادر مقالات ودراسات الكتاب والنخب الثقافية والتربوية مناسبة، إلا ورددت أن الولاء ينبغي أن يكون للوطن لا للفئة، هذا فضلاً عن تشريع الدولة للقوانين التي تجّرم كل ما من شأنه تهديد اللحمة المجتمعية ويتنافى مع مبادئ واستحقاقات الوحدة الوطنية وأبرزها محاربة التخندق الفئوي بشتى صوره وأشكاله.

Ad

ولكننا نلحظ صمت الحكومة المطبق إزاء ظواهر الانتخابات الطائفية والقبلية والعنصرية التي جرت وتجري في الجامعات والمعاهد بل وفي الجمعيات التعاونية وتعدتها إلى منظمات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام تحت سمع وبصر إدارات تلك الجهات، والأشد خطورة هو ممارستها من خلال فئة الشباب في المؤسسات التعليمية حيث يكون الحرث منتجاً لمر الثمر!

كذلك نلحظ ترسيخاً للفئوية في التوزيع الديموغرافي من خلال المبادلات في المناطق السكنية التي تكاد أن تحّولها إلى كانتونات مغلقة على فئة هنا وأخرى هناك! فضلاً عن تماهي تسميات كثير من الشوارع مع التوزيع الفئوي المناطقي الذي يخلق التشوهات الصارخة في الكيان الوطني الموحد!

كذلك لاحظنا سكوتاً عن مدرّسين ومدرّسات يزرعون الشقاق الفئوي في عقول وضمائر الأطفال البريئة بسؤالهم الخبيث: هل أنتم من العائلة الفلانية الشيعية أم السنية؟ من الأصيلين أم ساير الناس (البياسر؟) العرب أم العجم؟ وهكذا من أسئلة حمقى توجه للأطفال في المدارس دون رادع أو خوف من عقاب، وتدفع أولئك الأبرياء للبحث عن الهوية بالمسارعة لسؤال أهلهم (من نحن؟) ولا تكفيهم إجابة أنتم (كويتيون فحسب!!).

ما نلحظه أيضا إنشاء مبرات بأسماء المكونات الاجتماعية (مع الاحترام لها جميعاً)، ويتم ذلك بترخيص من الحكومة دون الالتفات إلى تبعات هذا الأمر على تأصيل الانتماء الفئوي لا الوطني!!

ما نلحظه أيضاً من استقواء البعض إن لم تكن الغالبية بالمكوّن الاجتماعي لا الانتماء الوطني، من خلال الإصرار على اقتران نهايات الأسماء في شهادات الميلاد أو الجنسية، بأسماء المكونات الاجتماعية، بدلا من الاكتفاء بالأسماء الرباعية أو الخماسية، وتستجيب الجهات الحكومية لذلك بما يعزز التخندق الفئوي حياتياً وانتخابياً ووظيفياً، وما يحمله من دلالات ضعف الثقة بقيمة الفرد وانتمائه الوطني والالتفاف حول (عزوة) لا دولة تحميه!!

علينا إدراك مخاطر هذه المنزلقات، والمسؤولية هنا تقع على الحكومة ومؤسساتها المختلفة، والواجب عليها الانسجام مع خطابها العام وتطبيق قوانين تعزيز الوحدة الوطنية، لأنها بالسماح بتفشي تلك الظواهر فكأنها تنكث غزلها بيدها، وتساهم حتى (بغير قصد) في خلق بؤر التفكك والتشظي الذميم وغير محمود العواقب على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي حاضراً ومستقبلاً في بلد بحجم الكويت وما يتربص بها من أخطار محيطة.

إن تعزيز الوحدة الوطنية يتم بالأفعال لا بالأقوال، وهي مسؤولية وطنية تشمل الجميع ويجب أن تنهض بها السلطات الثلاث وفي مقدمتها الحكومة.

 فهل ننتبه قبل فوات الأوان؟؟!!