تعتبر شركة نفط الكويت أحد أهم دعائم الاقتصاد الكويتي، حيث تدير هذه الشركة العملاقة عمليات إنتاج وتصدير النفط والغاز إلى جانب المنشآت ذات العلاقة من خلال أكثر من 12 حقلاً نفطياً مطَوّراً في دولة الكويت.ولا يخفى على أحد أننا في دولة الكويت نعتمد اعتماداً رئيسياً على النفط كمصدر أساسي للميزانية، مما يجعل القطاع النفطي عصب الدولة وأساس قيامها وبقائها، وهو ما يحتّم على من يترأسه حمايته وصونه من التدخلات السياسية، وإبعاده عن صراع المصالح. اليوم يأتي وزير النفط د. علي العمير، بعد إعلان بعض نواب مجلس الأمة عزمهم تقديم استجواب في مواجهته، بإصدار قرار منفرد يحمل رقم 18 لسنة 2015 يقضي بتدوير الرؤساء التنفيذيين في شركتي نفط الكويت، والاستكشافات البترولية.دون الخوض في الدوافع السياسية في هذا الموضوع، لكوني سأكتفي في هذه الدراسة بالرد قانونياً على ادعاء الوزير بأن ما قام به يدخل في صلاحياته، وهو ادعاء غير صحيح حاول الوزير تسويقه عبر نشره كتاباً مجتزأ لرأي الفتوى والتشريع ليبين صحة قراره.أولا: المخالفات القانونية للقرار:1 - (مخالفة قرار الجمعية العمومية غير العادية لشركة نفط الكويت).بموجب النظام الأساسي لشركة نفط الكويت المعتمد من قبل المجلس الأعلى للبترول، فإن الوزير لا يمتلك سلطة اصدار مثل هذا القرار منفرداً لمخالفته التالي:- صلاحيات مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الممنوحة له بموجب قرارات المجلس الأعلى للبترول، وبالأخص قرار الجمعية العامة غير العادية لشركة نفط الكويت المنعقد بتاريخ 23 مايو 2013، والتي صادقت على استبدال المادتين (9) و(11) من النظام الأساسي لشركة نفط الكويت، لكي تكون متوافقة مع المرسوم بقانون 25 لسنة 2012 بشأن إصدار قانون الشركات التجارية، وتماشياً مع قواعد حوكمة الشركات:اختصاصات مجلس الإدارة"يتولى مجلس إدارة الشركة مجلس إدارة مؤلفا من سبعة أعضاء يعينهم ويحدد مكافآتهم ومدة عضويتهم مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، ويعين من بينهم رئيسا للمجلس ونائباً للرئيس، كما يعين رئيساً تنفيذياً".أما في ما جاء في رأي الفتوى والتشريع، الذي يتمسك به وزير النفط بأن رئيس مجلس إدارة المؤسسة يختص بتعيين وإنهاء خدمة جميع شاغلي وظيفة الأعضاء المنتدبين، سواء من أعضاء مجلس الإدارة أو غير الأعضاء والأعضاء المنتدبين والرؤساء التنفيذيين للشركات النفطية التابعة للمؤسسة، وتحديد اختصاصاتهم وصلاحياتهم ونقلهم وندبهم وإنهاء الندب، فهو يتعارض مع اللوائح والأنظمة الأساسية المعتمدة لهذه الشركات، بل ان هذا الرأي يفرغ فكرة الشركة ومجلس الإدارة من مضمونهما، محولا هذه الشركات إلى مؤسسات فردية، وهو ما لا يستقيم مع فكرة تكوين الشركة ومسؤولية مجلس الإدارة، والتي وفقاً لهذه الفتوى ليس لهم أي أهمية، لكونها أطلقت السلطة والصلاحيات بيد رئيس مجلس الإدارة.2 - (مخالفة المادة 214 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2012 بإصدار قانون الشركات التجارية الكويت).اجتماع الجمعية العموميةنصت المادة (214) من قانون الشركات التجارية الكويتي أنه "يجب على مدير الشركة دعوة الجمعية العامة العادية للانعقاد في اجتماعها السنوي، وذلك خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية، ويدخل في جدول أعمال الجمعية في اجتماعها السنوي النظر واتخاذ قرار في المسائل التالية:1 – تقرير المدير عن نشاط الشركة ومركزها المالي للسنة المالية المنتهية وتقرير مجلس الرقابة إن وجد.2 – تقرير مراقب الحسابات عن البيانات المالية للشركة.3 – البيانات المالية للشركة.4– اقتراحات المدير بشأن توزيع الأرباح.5 – تعيين مدير الشركة أو عزله أو تقييد سلطته إذا لم يكن معيناً في عقد الشركة.6 – تعيين مجلس الرقابة وعزله إن وجد.7 – تعيين مراقب حسابات للسنة المالية التالية وتحديد أتعابه. 8 – أية موضوعات اخرى ترى أي من الجهات التي يجوز لها طلب عقد اجتماع الجمعية وإدراجها في جدول الأعمال".من الواضح أن وزير النفط أغفل أن شركة نفط الكويت من ناحية الشكل القانوني هي شركة تجارية خاضعة لقانون الشركات التجارية الكويتي، ولها شخصية اعتبارية مستقلة مثلها مثل الشركات الخاصة، وعليه فإن قراره رقم (18) لسنة 2015 قد صدر بمخالفة صريحة للمادة (214) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2012 بإصدار قانون الشركات الذي تخضع له جميع الشركات النفطية ذات الشخصيات المعنوية المستقلة، والتي أسندت صلاحية تعيين الأعضاء المنتدبين أو الرؤساء التنفيذيين للجمعيات العامة العادية، وليس لقرار فردي من رئيس مجلس إدارة هذه الشركات. وأكدت المادة (6) من المرسوم بالقانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية على أن مجلس إدارة المؤسسة هو من يملك كامل اختصاصات الجمعية العامة العادية للشركات النفطية، حسب قانون الشركات التجارية، لا وزير النفط منفرداً.وهذا ما أكده القضاء الكويتي، حيث قررت محكمة التمييز بشأن نزاع معروض عليها "أن المقرر من مقتضى المادة الثانية من قانون الشركات التجارية رقم 15 لسنة 1960 المعدل من أنه - فيما عدا شركة المحاصة تتمتع جميع الشركات التجارية بالشخصية المعنوية- أن للشركات المساهمة شخصية معنوية مستقلة عن أشخاص الشركاء فيها، وهو ما يستتبع انفصال ذمتها عن ذمتهم، وتكون أموالهم مستقلة عن أموال الشركاء.حدود وضوابطوإعمالاً لذلك فإن أيلولة أسهم الدولة في رأسمال الشركة المطعون ضدها إلى مؤسسة البترول الكويتية وفقاً لنص المادة الثامنة من القانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية لا أثر له في تمتع الشركة المطعون ضدها بالشخصية المعنوية وذمتها المالية المستقلة عن مؤسسة البترول الكويتية، وبالتالي ليس لوزير النفط، باعتباره الرئيس الإداري الأعلى لمؤسسة البترول الكويتية، حق إدارة أو التصرف في أملاك الشركة، بل ذلك معقود لمجلس إدارتها دون غيره، وفقاً للحدود والضوابط المبينة بالنظام الأساسي للشركة المطعون ضدها" (طعن 220/2000 مدني- جلسة 12/2/2001).ثانيا: حول استدلال وزير النفط بـ(رأي الفتوى والتشريع):كنا نأمل من وزير النفط أن يخرج بمؤتمر صحافي ليدافع بشكل مفصل وقانوني عن قراره، بدلا من الاكتفاء بالتغريد في حسابه عبر "تويتر" بتغريدات موجزة مستدلاً بورقة مجتزأة من رأي إدارة الفتوى والتشريع، الذي يعلم من لديه دراية بأبسط القواعد القانونية بأن رأيها استشاري لا يحمل أي صفة ملزمة، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً بالأساس، وأحكام المحاكم تشهد التفات القضاء عنها في كثير من القضايا وأشهرها، والتي لا نعتقد أنها غائبة عن ذاكرة الوزير التفات المحكمة الدستورية عن رأي الفتوى والتشريع، عندما أبطلت مجلسين للأمة كان هو شخصيا عضوا بهما. وعليه فإن دليله الوحيد الذي يتمسك به لا يرقى لأن يكون إلا رأيا يحتمل الصواب أو الخطأ وليس قرارا فصلا، بل بإعمال أشهر قاعدة قانونية وهي تدرج القوانين لا يمكن لرأي استشاري أن يخالف نصاً قانونياً أو لائحياً يسبقانه في سلم التشريع.وأخيراً ما قام به وزير النفط عن طريق تغريداته المقتضبة في "تويتر" جاء بشكل غير لائق بمسؤول ينشر مستنداً رسمياً بهذه الطريقة حول قضية كبيرة بهذا الحجم.المحصلةعلى ما تقدم، يكون قرار وزير النفط رقم 18 لسنة 2015 بتدوير الرؤساء التنفيذيين في شركة نفط الكويت، وشركة الاستكشافات البترولية معيب بصدوره، ممن لا يمتلك الاختصاص قانوناً، الأمر الذي يجعل هذا القرار الإداري مفتقداً أهم شروط الصحة، وحيث إن السلطة لا تمنح إلا بنص صريح كي يقابلها من المسؤولية والالتزام ما يوازيها, وبعد الرجوع إلى القوانين واللوائح المنظمة لشركة نفط الكويت وهي القانون رقم 10/1976, والمرسوم بقانون رقم 6/1980, والمرسوم بقانون 25/2012 بشأن الشركات التجارية, واللوائح الداخلية التي تم اعتمادها وفق الصلاحيات المقررة بموجب هذه القوانين، والتي لا يجوز تعديلها أو تقييدها أو إلغاؤها إلا وفق الآليات والإجراءات المحددة لذلك، كلها تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وزير النفط لا يملك أي سلطة مباشرة تجاه شركة نفط الكويت.
برلمانيات
الكندري: قرار وزير النفط معيب لصدوره ممن لا يمتلك الاختصاص
06-11-2015