تسبب وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في "تبديد وقته وإضاعته على المسرح"، لكنه سيظل يسمع لفترة من الزمن، وبينما دعا رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس الى الحصول على دعم حول خطة الاتحاد الأوروبي لأجل "إنقاذ" بلاده التي قال إنه لا يؤمن بها كان فاروفاكيس يعمل جاهداً لتمزيق تلك الخطة، كما أنه خلص في استنتاجه الى القول إن اليونان تقلصت إلى وضع دولة عبودية.

Ad

وعلى الرغم من أن كلماته كانت بوضوح مدفوعة بنبرة غضب وازدراء فهو لم يخرج من الصورة بصورة تامة. والاتفاقية، كما يقول رئيس الوزراء اليوناني، كانت نوعاً من الابتزاز، وقد وصفها الاقتصادي سايمون تيلفورد على أنها مجرد أمر يقضي بأن تذعن أثينا "إلى كل مطالبنا وإلا فإننا سنطردها من اتحاد العملة"، وسيتم خفض معونات التقاعد بقدر أكبر وتحرير أسواق العمل وتمديد سن التقاعد و"تحديث" المساومات الجماعية إضافة الى تسهيل عمليات التوظيف وإنهاء الخدمات، وبالنسبة الى حكومة تستلهم مواقفها من كارل ماركس فإن هذه خطوة تنسب الى الليبرالية الجديدة.

ويوجد قلة من المتحمسين لهذه الاتفاقية: ويعتبر صندوق النقد الدولي أكثر المشككين أهمية، وقد دعا دائني منطقة اليورو الى السماح بشطب جزئي لديون اليونان التي تبلغ 300 مليار يورو أو السماح على الأقل بفترة توقف عن السداد لمدة 30 عاماً. وفي تحول ينطوي على مفارقة أصبح صندوق النقد الدولي الذي تشعر حكومة تسيبراس نحوه بأكبر قدر من الازدراء الصديق "الجزئي" لتلك الحكومة بين دائنيها.

ولم يركز المشككون على مسألة استحالة سداد الديون فقط، بل على تفاقم الفقر أيضاً الذي سينجم عن تلك الاتفاقية، يذكر أن فرانسوا كابو وهو اقتصادي لدى بنك باركليز أبلغ صحيفة ألفيغارو الفرنسية أن الاقتصاد اليوناني سوف يستمر في الانكماش بنسبة تصل الى ما بين 6 الى 8 في المئة سنوياً، ونظراً لأن لدى الاقتصاد اليوناني قلة فقط من القطاعات التي يمكن أن تشكل قيمة بارزة إضافية باستثناء الشحن البحري والسياحة فهو يعتمد بشدة على الاستهلاك الذي تقلص بدوره بقدر أكبر، مما دفع الى حدوث حلقة مفرغة، وأفضى الى مزيد من التأثير السلبي بالنسبة الى الفقراء والمسنين والمرضى.

ويضفي ذلك كله قدراً من المصداقية على تحليل فاروفاكيس، واليونان دولة تتعرض بشدة الى ضغوط عدم تحويل من جانب دائنيها وترتبط بقوة بالمطالب الخارجية، بحيث يمكن أن تتحول عما قريب الى دولة تشبه دولة شيوعية في أوروبا الشرقية إبان العهد السوفياتي السابق، وكما حدث في دولتين في الكتلة الشرقية- المجر في سنة 1956 وتشيكوسلوفاكيا في سنة 1968- قام حزب سيريزا اليوناني بمحاولة فاشلة للثورة لكنه سحق.

هل تستطيع مثل هذه الدولة تقديم جهد مقنع يهدف الى العثور على قوى داخلية من أجل تحقيق النوع الذي تحتاج اليه من التعافي الاقتصادي، خاصة أن الانضباط لم يكن علامة مميزة للاقتصاد اليوناني طوال الأربعة عشر عاماً الماضية، منذ انضمام أثينا الى اليورو؟ وقد تصرفت اليونان بدلاً من ذلك مثل طفل مدلل وأخذت ما استطاعت من تلك القروض المتدنية الفائدة، وعززت بيروقراطية الدولة بعناصر سياسية، وسمحت للأغنياء وجزر العطلات ووجهات السياحة والكنيسة الأرثودكسية بتفادي دفع الضرائب، وقدم الدائنون بسرور القروض الى اليونان في تجاهل للفساد ولمؤشرات الإنذار حول الديون الصعبة، ثم رفعوا الآن، وبعد عقود من التراخي، السوط على الدولة الصغيرة القليلة الحظ.

والسؤال هو: هل يتعين على أثينا الخروج من منطقة اليورو؟ تنطوي الاعتراضات على خروج اليونان من منطقة اليورو على شقين: الأول هو أن عملتها (الدراخما) ستتأثر بشدة بمعدلات صرف غير مواتية نتيجة لذلك، وستصبح البضائع الأجنبية والرحلات الى الخارج عند أسعار تخرج عن إمكانية العديد من العائلات، وفي الوقت ذاته- وكما سبق أن حذر قادة منطقة اليورو باستمرار- فإن خروج اليونان من منطقة اليورو سيحدث أيضاً هزة مدوية في بنية اليورو، وعلى الرغم من أن الأعضاء الـ 18 الآخرين يمكن أن يتمتعوا بحماية فإن تلك الخطوة ستشكل سابقة تمثل عملة طارئة تتوقف معها العضوية على ظروف وطنية.  

ومن المؤكد أن تلك ستمثل حالة سيئة: ولكن الى أي مدى ستكون أكثر سوءاً من البقاء في منطقة اليورو وتحمل الدواء المر؟ وبالنسبة إلى مستقبل اليورو فإن تلك لن تكون بعد ذلك مشكلة اليونانيين الذين قد يسألون ما الذي فعله اليورو لأجلنا؟

تداعيات خروج اليونان

إن خروج أثينا من منطقة اليورو سيدفع اليونان الى التركيز على الكبرياء الوطني عبر إنعاش الاقتصاد وإقناع الأفراد الموهوبين في المهجر بالعودة الى الوطن من أجل المشاركة في مشروع وطني، بغية رسم صورة جديدة لدولة تتمتع بجمال أخاذ ساحر وتاريخ غني واقتصاد ينتظر الإنعاش والتعافي.

وتحقيق هذا الهدف سيتطلب- كبداية– حملة شاملة على الفساد، وتصميما على جعل الطبقة الأوليغاركية المتحكمة بالشحن البحري ورجال الكنيسة يدفعون حصتهم العادلة من الضرائب، ولن تكون الاشتراكية جزءا من ذلك الجهد: وسيتعين على حزب سيريزا أن يتحرر من وهم تلك الفكرة، وقد برهن تسيبراس على أنه يتمتع بما يكفي من المرونة لتجاوز كل العقبات، وإذا كان متعلقاً بالسلطة– وبارعاً في الحفاظ عليها- كما يبدو فقد يثبت أيضاً أنه سياسي مفيد وشخصية قادرة على التحول الى الديمقراطية الاشتراكية.

يقول اليونانيون عن أنفسهم "نحن شعب يتمتع بفخر" ولكن ذلك القول تحول إلى نوع من الضحالة بعد سنوات من التبذير، والآن ما من شيء يمكن أن يجعل ذلك التفاخر أكثر رسوخاً وقوة سوى العمل على التحكم في مصيرهم وقدرتهم على أن يظهروا لأوروبا أن اليونان ليست دولة تافهة– كما كان شأنها في السنة الماضية– بل إنها أمة من المبدعين.

لقد حطم اليورو اليونان ولاحظ ذلك عدد من الدول الصغيرة والفقيرة نسبياً، ولكن في وسع اليونان الخروج من تلك المحنة برمتها ونحن ندعو الى حرية الشعب اليوناني.