في ذاكرة الأيام حكايات للشعوب تناقلتها أجيالها، فيها من البساطة والأصالة والخصوصية ما يستحق أن يروى، وفيها لنا عبر ودروس ومواعظ تخرجنا من عصر السرعة والمادة والتعلق بأستار الرغبات وحطام الدنيا الى مساحات واسعة من الخيال وفضاءات رحبة من التقرب الى الله بنوايا صادقة.

Ad

فللشعوب الإسلامية علاقة روحية برمضان، وعشق أزلي يتجدد باستمرار، تنتظره كل عام بشوق وفرح، ارتبطت به روحا وعانقته وجداناً، وكلها باختلاف ديارها وأصولها اتفقت عبادة واختلفت طباعا وعادات وسلوكاً.

للجغرافيا والمجتمع والتاريخ آثارها في صياغة العقل الكلي وتكوين الإرث عبر السنين.

ونحن في بحثنا هذا نحاول ان نعود بالزمن الى الوراء، ونعيد الرحلة في اتجاه المنابع لأن ما تعيشه شعوب اليوم أتى من بعيد، فهناك ولدت الأسرار. نسافر من منطقة إلى أخرى نبحث عن اخبار رمضان في ذاكرة الزمن الجميل وذاكرة الناس البسطاء، لننقل اخبارا بسيطة مثل اهلها لكنها تخبرنا عن الجذور وعن التاريخ حين يدون برغبة صادقة للوصول الى الحقيقة التي تشير جميعها الى نقاء العبادة والنفوس المطمئنة.

والقاهرة هي المدينة التي عانقت النيل والحضارات، فتنفست عبقاً وثقافة وأصالة لم تؤتاها إلا عاصمة المعز، ومدينة محمد علي باشا, رمضانها متميز كتميز أهلها.

القاهرة جوهرة الشرق

قام القائد الفاطمي جوهر الصقلي ببناء القاهرة عام 969م شمالي الفسطاط، بعد أن اختار لها موقعاً حصيناً بخبرته العسكرية الواسعة, واستغرقت عملية البناء ثلاث سنوات, فأسماها أولا المنصورية، وحين دخلها المعز لدين الله الفاطمي عام 972م اختارها عاصمة لدولته الجديدة وغيّر اسمها إلى القاهرة، واستقل بإقليم مصر عن الخلافة العباسية إلى الأبد, وقد كان عصر المعز لدين الله ذهبياً، حيث أنشأ مختلف معالم القاهرة الحالية كالأزهر وسور القاهرة وميادينها وقلاعها ومساجدها، حتى أصبحت بالفعل جوهرة الشرق, وقد ازدهرت في زمن المعز، ووصل صيتها إلى مختلف الأمصار الإسلامية، رغم أنه لم يعمر طويلا, واتسعت كثيراً في زمن الدولة الأيوبية التي حكمت مصر لأكثر من ثمانين عاماً، بسبب حريق الفسطاط، وهروب سكانها إلى القاهرة، وبسبب الهجرات الشامية المتتالية نتيجة الحروب الصليبية, وقد أنشأ الأيوبيون سجني القلعة والقناطر, وفي عهد المماليك تطورت القاهرة كثيراً، واشتهرت بأسواقها ومقاهيها وأحيائها، خصوصاً في أيام السلطان قلاوون, وبعد احتلال العثمانيين لها بعد معركة الريدانية عام 1517م لم تتطور القاهرة حتى الحملة الفرنسية عام 1798م، التي استمرت 3 سنوات، وجلبت معها الكثير من التطور الذي كانت أوروبا قد شهدته, ثم شهدت نقلة نوعية كبيرة عندما أصبحت تحت حكم محمد علي وأسرته، الذي كان على اطلاع بكل ما وصلت إليه أوروبا من تطور، إذ برزت معالم شخصيتها السياسية والثقافية والفكرية والعسكرية أيضاً, فأصبحت جوهرة الشرق.

مدفع رمضان

تشير معظم الروايات إلى أن المدفع الذي استخدم لرمضان في القاهرة كان المدفع الأول في البلاد الإسلامية, حيث أدخله محمد علي باشا إلى الخدمة في النصف الأول من القرن التاسع عشر, ويردد بعض الباحثين المصريين مقولة تشبه الأسطورة بأن الطلقة الأولى جاءت مصادفة لإفطار اليوم الأول من رمضان، فاستحسنها المصريون وأبلغوا محمد علي باشا باستحسانهم، وشكروه ظناً منهم أن إطلاق المدفع كان مقصوداً، فأعجب محمد علي بالفكرة وعممها لتكون واحدة من ذكريات رمضان الجميلة التي يترقبها الناس في مختلف المدن والحواضر العربية.

وقد وضع المدفع الأول في القلعة ليكون أول مدافع الإفطار في بلاد العرب والمسلمين, ثم وضع مدفع آخر في سراي العباسية في عهد الوالي عباس حلمي باشا, وفي عهد الخديوي إسماعيل وضع مدفع ثالث فوق جبل المقطم ليصل صوت طلقاته إلى العدد الأكبر من ساكني القاهرة, وكان مدفع المقطم يخرج من مخازن السلاح في القلعة قبل يوم من بداية شهر رمضان، ويعاد بعد العيد إلى القلعة مرة أخرى.

وفي عهد الملك فؤاد أصبحت المدافع خمسة تتوزع في أرجاء القاهرة بالتساوي, وكان أشهرها مدفع القلعة الذي يقال إنه دخل في حربين تركيتين قبل أن يتم إهداؤه للخديوي إسماعيل, وأسماه القاهريون مدفع الحاجة فاطمة, ولم أجد أصلاً مقنعاً للتسمية, وان كانت التسمية تنسب للحاجة فاطمة التي قامت بتجديد بناء جامع السلطان قلاوون.

الاستهلال من المقطم

كان الخروج إلى المقطم يتم بشكل رسمي، حيث يخرج القاضي وبعض من يمثل الوالي وبعض الشخصيات الرسمية والشعبية والتجار والوجهاء وبعض مشايخ الأزهر، وحشد من أهالي القاهرة، خصوصا من يرى في نفسه القدرة على الرؤية وحدة البصر, وكانت توجد دكة فوق المقطم تسمى دكة القضاة, ويتم فرش الدكة وتجهيزها قبل غروب التاسع والعشرين من شهر شعبان, وحين تثبت رؤية الهلال يقوم المستهلون بالمرور بأحياء القاهرة القديمة، واعلام الناس بثبوت رؤية الهلال، ثم يتجهون إلى الأزهر الشريف والاجتماع هناك واستقبال المهنئين, وقبل فترة حكم أسرة محمد علي كان الاجتماع يتم في جامع عمرو بن العاص في القاهرة القديمة أو الفسطاط، كما كانت تسمى, وأما حين تم وضع أحد مدافع رمضان فوق المقطم فإن السلطات كانت تجهز المدفع منذ صباح يوم الاستهلال، وعندما تثبت الرؤية ويطمئن القاضي والعلماء الموجودون فوق المقطم تعطى الأوامر لرماة المدفع بإطلاق ثلاث طلقات، فيعلم أهالي الأحياء القريبة من المقطم وجميع المستهلين الذين لم يوفقوا في صعود الجبل برؤية المستهلين للهلال.

عادات رمضانية

كانت العادة في السابق أن تطوف بعض المواكب الرسمية في أحياء القاهرة مساء، يرافقها بعض الفرق الموسيقية, ومن العادات المتوارثة توزيع الحلوى في الميادين القاهرية القديمة, وهي عادة فاطمية كان المعز لدين الله الفاطمي أول من فعلها بنفسه، ثم أصبح معظم الوجهاء والتجار يرسلون بعض عمالهم مع صواني الحلويات، فيتسابق الأهالي من الأحياء الفقيرة لجمع أكبر كمية ممكنة.

ومن العادات القديمة الجميلة أيضاً ما كان يعرف بموائد الرحمن، حيث بدأت عند جامع عمرو بن العاص، ومقام السيدة زينب، فكان التجار يقدمون الأطعمة على أسمطة كبيرة لتفطير الفقراء والمعوزين, وقد كانت الدوائر الحكومية تتوقف عن العمل عصر التاسع والعشرين من شعبان، وتسمح لموظفيها بالخروج للتبضع والاستعداد لاستقبال الشهر الكريم, كما كان بعض التجار والموسرين يقوم بتجديد فرش المساجد، وتغيير فوانيس وشموع الإنارة فيها لتهيئتها في ليالي رمضان, وكذلك كان الأهالي يقومون عصر اليوم الأخير من شهر شعبان بزيارة الأضرحة المشهورة في القاهرة كمقام الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، وبعض الأضرحة الأخرى.

فانوس رمضان

كان لشهر رمضان في مصر ارتباط وثيق بالفانوس, حيث كان علامة ثابتة من علامات شهر رمضان منذ مئات السنين, ويربط التاريخ بين الفانوس ودخول المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة, حيث كان دخوله في الليلة السابعة من شهر رمضان عام 358هـ, وقد دخلها ليلا فأمر القائد جوهر الصقلي أهالي القاهرة باستقباله وهم يحملون الفوانيس لينيروا الدرب, ومنذ تلك الليلة أصبح فانوس رمضان يستخدم في كل ليالي رمضان لإنارة الطرق وممرات الحواري والأزقة, ومن طرق استخدام الفانوس قديما أن القائمين على المساجد كانوا يشعلون الفوانيس ويضعونها على منارات المساجد ابتداء من المغرب، فتبقى مضاءة حتى وقت الإمساك، حيث تطفأ قبل صلاة الفجر، فيستدل الأهالي عليها في معرفة أوقات الفطور والإمساك.

 وأشهر أحياء القاهرة القديمة في صناعة الفوانيس باب الشعرية الذي اشتهر بصناعة كميات ضخمة من الفوانيس تكفي لكل مدن مصر, وفي أواخر القرن التاسع عشر كانت باب الشعرية تصدر الفوانيس الى بلدان أخرى كالحجاز وبلاد الشام, وقد كان القاهريون في الماضي وقبل وصول الكهرباء الى مصر يخرجون إلى المساجد لأداء العشاء والتراويح، وهم يحملون بأيديهم الفوانيس الزيتية وبعضهم يطفئها بعد دخوله المسجد، وبعضهم يتركها مضاءة لخدمة المصلين, كما كان بعض الأهالي يضع فانوسا أو اثنين أمام عتبة بيته طوال ليالي رمضان، حتى يساعد في انارة الحي, وكان الأطفال أيضا يخرجون للعب مع أقرانهم في ليالي رمضان وهم يحملون الفوانيس بأيديهم وينشدون العديد من الأناشيد الجماعية التراثية المرتبطة بالفانوس وانارته.

المسحراتي

ومثلما ظهر تقليد الفانوس في القاهرة فإن أقدم المسحراتية الذين عرفتهم الأقطار العربية كان في القاهرة أيضاً, حيث يروى أن والي العباسيين ابن اسحق كان يطوف بالفسطاط وينادي على بيوتها لينهضوا من نومهم ويستعدوا للسحور والإمساك وصلاة الفجر, والفسطاط هي العاصمة القديمة لمصر التي تقع جنوب القاهرة في نشأتها الأولى، ودخلت ضمن القاهرة الكبرى في ما بعد عندما تمددت القاهرة وزاد عدد سكانها، فأصبح يطلق عليها مصر القديمة لتمييزها عن بقية أحياء قاهرة المعز, وقد عرف كل حي من الأحياء التاريخية للقاهرة مسحراتيا، ثم زاد العدد بعد اتساع الأحياء, وهو في التقليد القديم كان يحمل طبلة تسمى بازاً يضرب عليها بعصاه ويردد بعض اللزمات المتعارف عليها شعبيا, وكان الأهالي يعطونه بعض الأطعمة فيعود الى منزله وقد احضر معه سحوره وسحور اسرته.

المائدة الرمضانية

تعرف المائدة المصرية ببساطتها وتنوعها, فمنذ فترة طويلة كانت تعتمد اعتمادا تاما على ما يتوافر في المنزل أو الأسواق القريبة من مواد أولية قابلة للطبخ, وغالبا ما تكون الأكلات الرئيسية في الفطور ضمن ثلاثة أصناف من الأطعمة وهي الرز والعيش والمحاشي, فمشتقات الرز متعددة مثلا الرز بالشعرية، والرز الأبيض، ورز السمك، والرز المحمر، والكشري، والرز بلبن، والمعمر، وغيرها, وأما المحاشي فتتنوع خضارها وحشواتها ومعظم المحاشي بالفريك او اللحمة والخضار، واشهرها ورق العنب والكرنب والباذنجان والكوسا والبطاطس والبصل, وأما العيش او المخبوزات فأنواع أيضا، وأكثرها شعبية الفطير المشلتت  والرقاق والبتاو والفايش والعيش الشمسي والقراقيش والملانة والقُرَص, ورغم أن الأنواع السابقة هي أهم مكونات المائدة القاهرية في الماضي، فإن ربات البيوت كن يضفن بعض الأنواع الأخرى التي اما انهن يصنعنها في منازلهن أو يشترينها من الاسواق القريبة، ومن هذه الانواع ما يشتق من اللحوم أو الطيور مثل الكوارع والممبار والفشة والكبدة والفراخ والحمام المحشي والارانب والوز البلدي والديك الرومي، وأما الاسماك فعدة أنواع كالبلطي والقراميط والبوري, وهي لا تتوافر في كل الموائد ولا بشكل دائم، انما تكون مرة او بضع مرات في شهر رمضان بحسب الحالة المادية للأسرة, وتكثر الاكلات المعتمدة على الخضار في مائدة الفطور القديمة كالبابا غنوج والطحينة والجرجير والبصل الاخضر والملوخية والكشك والبامية وشوربة العدس والمعكرونة والطعمية والمسقعة والفول والصيادية والطرشي وغيرها, وتتعدد الحلويات القاهرية ايضا كالمهلبية وأم علي والكنافة والقطايف وصوابع زينب والبسبوسة, واهم الحلويات في مائدة رمضان كان التمر أو البلح الذي لا تخلو منه مائدة, وأما المشروبات الشعبية فكان اهمها العرقسوس الذي تصنعه النساء في منازلهن ويباع في الاسواق بأسعار زهيدة, وكذلك الخروب والتمرهندي والسوبيا والعناب وعصير القصب والشربات والسحلب.

ورغم هذا التنوع الكبير في الأكلات القاهرية ورخص أسعارها في الأسواق أو رخص اسعار مكوناتها ان كانت تصنع في المنازل فإن للألبان ومشتقاتها وجودا على مائدة الفطور احيانا, كاللبن والسمنة والزبادي والزبدة البلدي والقشطة.

وقد تعود اهالي القاهرة على التسوق قبل رمضان واثناءه, فكانت الأسواق القديمة المنتشرة في أحياء القاهرة تمتلئ بالمتسوقين, وما دمنا في الاسواق الرمضانية القديمة فمن المهم أن نمر بشيء من الاختصار على اهم احياء القاهرة وأسواقها في الماضي.

أحياء القاهرة القديمة

وعند ذكرنا لأحياء القاهرة القديمة فإننا سنذهب إلى تاريخ نشأة القاهرة والتوسع التاريخي لأحيائها, فحي مصر القديمة هو مدينة الفسطاط التي بنيت في بداية الفتح الإسلامي لمصر وحي الجمالية من الأحياء التي أنشئت قبل أكثر من قرنين, والازبكية أحد الأحياء القديمة التي انشأها الأمير أزبك قائد الجيش أيام السلطان قايتباي وجعلها سكنا لأسر الجيش, والحسين هو الحي الذي نشأ عبر الزمن بجوار مزار الأمام الحسين, وأما باب اللوق فكان يسمى أول بنائه الإسماعيلية نسبة الى بانيه الخديوي اسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر, وكان حي بولاق يسمى التكرور نسبة الى قبيلة قدمت مع المعز الفاطمي من غرب افريقيا, واما امبابة فكان يسمى حي انبابة نسبة إلى المعركة التي هزم فيها نابليون المماليك واقام مساكن لجيشه في مكانها، وعند خروج الجيش الفرنسي من مصر سكنته بعض العائلات القاهرية الفقيرة, وأما حي الخليفة الذي يقع بجانب القلعة فكان سكنا للمماليك في بداية نشأته, وحي السيدة ينسب لمزار السيدة زينب وعابدين ينسب للامير عابدين الذي بنى سرايا عابدين للخديوي اسماعيل وزينهم ينسب الى زينهم الذي استغل اطلال المعسكر ليسكنها ويتبعه بعض اهالي العشوائيات القديمة, والعباسية كان معسكرا لجيش عباس حلمي في منتصف القرن التاسع عشر ثم سكنت اطلاله الأسر القاهرية, وأما شبرا فربما كان آخر احياء القاهرة القديمة في النشأة.

الأسواق القديمة

كانت الأسواق القديمة التي يرتادها اهالي القاهرة استعدادا لرمضان والعيد متعددة واهمها سوق الموسكي، وهو سوق شعبي قديم يرتاده الفقراء ومحدودو الدخل وتعرض فيه مختلف انواع البضائع وتكثر البسطات الجوالة في رمضان التي تبيع المنتجات المنزلية الغذائية وغير الغذائية, وسوق العتبة الخضرا وهو مجموعة من الاسواق المتداخلة، وكان اشهر اسواق مصر في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وكانت محاله مختصة ببيع الخضار والفاكهه واللحوم والدواجن والسمك, وأما المدبح فهو سوق اللحوم في مصر وتنتشر محال الجزارة في ارجائه وكانت المحال تشتري الذبائح بشكل يومي وتذبحها فيه وتبيعها طازجة, وكان الجزارون يشترون ذبائحهم من سوق المواشي في الليثي, وأما اقدم اسواق القاهرة فكان سوق الغورية الذي بناه الأمير قنصوه الغوري في النصف الاول من القرن السادس عشر، وهو مجموعة من الاسواق كسوق العتبة الخضرا وأهم أسواقه سوق الخضار وسوق الشموع وسوق الشربتلية وسوق الدخان وسوق العطارين, وأما سوق روض الفرج فكان اكبر اسواق الخضار والفواكه في القاهرة، والذي يأتيه زبائن الجملة والافراد من كل احياء القاهرة خصوصا القريبة منه.

المقاهي في رمضان  

كانت المقاهي القاهرية اهم اماكن الترفيه في الماضي, وكان يؤمها الرجال لتدخين النرجيلة وتناول المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة والسحلب والكركدية والينسون والحلبة وغيرها, كما يمارس الرواد بعض الالعاب القديمة التي عرفت المقاهي بها كالدومينو والطاولة وغيرها, ولا يخفى على المهتمين ما كان للمقاهي القاهرية من أدوار فكرية وثقافية وسياسية ايضا, وكيف كانت ملتقى لمشاهير الفكر والثقافة والسياسة, ويقدّر مؤلف كتاب وصف مصر عدد المقاهي القاهرية في بداية القرن العشرين بأكثر من ألف مقهى تستقطب عشرات الآلاف من القاهريين يوميا, ويكثر روادها في ليالي رمضان فتشهد ازدحاما شديدا, وبالإضافة الى ما تقدمه من مشاريب ساخنة والعاب ترفيهية فقد كانت تقدم الحكواتي الذي تفرغ له مكانا مرتفعا ليروي للحضور الملاحم التاريخية العربية كسيرة الهلاليين، وعنترة والف ليلة وليلة، وقصص العشاق التاريخية, كما تحضر بعض المقاهي شعراء الربابة الذين يروون بعض الروايات الشعرية والقصائد الشعبية على الحان الربابة.

كانت أشهر المقاهي في الماضي مقهى اللواء ومقهى الفيشاوي، وعرابي، ونوبار، وسفنكس وريش، والعديد من المقاهي الأخرى التي كانت تنتشر في مختلف أحياء القاهرة القديمة والتي اندثر الكثير منها، فيما لايزال بعضها قائما الى يومنا هذا وشاهدا على تاريخ عريق وأيام جميلة.

*كاتب وباحث كويتي