لا شك أن السماح للأسد بالبقاء في السلطة، ولو فترة محدودة، يشكل دواءً مراً، إذ تُعتبر الحرب الأهلية نتيجة مباشرة لعنفه في قمع التظاهرات السلمية، كما أن هناك أدلة قوية على أن قواته استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولذا فإنه يتحمل مع «داعش» مسؤولية تدفق اللاجئين من سورية.

Ad

انتهك الرئيس الأميركي باراك أوباما وعده بـ"عدم إنزال الجنود الأميركيين على الأرض" في سورية، إن لم يكن حرف هذا الوعد، إذ قرر نشر نحو 50 من قوات العمليات الخاصة في ذلك البلد بغية مساعدة السوريين الذين يحاربون داعش.

في هذه الأثناء، تشارك الولايات المتحدة في محادثات مع أمم أخرى، بما فيها إيران، والسعودية، وتركيا، العراق، وسورية، بهدف الترويج للتسوية السياسية التي قد تنهي الحرب الأهلية وتؤدي "إلى حكم عالي المصداقية، شامل، وغير طائفي، يليه دستور جديد وانتخابات"، لكن الجلسة الأولى التي عُقدت في فيينا لم تشمل ممثلين عن الرئيس بشار الأسد أو المعارضة السورية، مع أنهم قد ينضمون لاحقاً إلى المحادثات.

من بين هاتين المبادرتين، تستحق محاولة الترويج للحل الدبلوماسي الأولوية، حتى لو لم يؤدِّ الاتفاق في الحال إلى استقالة الأسد، فصحيح أن أوباما أعلن عام 2011 أن "الوقت قد حان ليتنحى الأسد"، إلا أن الإدارة الأميركية أوضحت أخيراً أنها لا تعتبر رحيله هدفاً بالغ الأهمية. وحتى قبل ظهور داعش، أقلقت فكرة الإطاحة فجأة بالأسد صانعي السياسة الأميركيين بسبب السابقة التي شهدناها في العراق، حيث ساهمت الإطاحة بصدام حسين وتفكيك المؤسسات السياسية والعسكرية في نشوب حرب طائفية.

لا شك أن السماح للأسد بالبقاء في السلطة، ولو فترة محدودة، يشكل دواء مراً، إذ تُعتبر الحرب الأهلية نتيجة مباشرة لقمعه بعنف التظاهرات السلمية التي ألهمها الربيع العربي، وثمة أدلة قوية على أن قواته استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ويتحمل الأسد أيضاً المقدار عينه من المسؤولية، مثل "داعش"، في مسألة تدفق اللاجئين من سورية.

ولكن إذا كان من الممكن تأليف حكومة انتقالية مشتركة يقبل بها بعض خصوم الأسد على الأقل، فقد يسهل تراجع العنف الناجم على الولايات المتحدة وحلفائها (وروسيا) وتركيز الانتباه على "داعش".

أما السؤال الأصعب الذي يبقى، فهو: هل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على الأسد للقبول باتفاق ينص فيه على التخلي عن السلطة أو مشاطرتها؟ وما السبيل إلى ذلك؟ يشدد مَن يؤيدون تقديم الولايات المتحدة دعماً أشمل للقوات "المعتدلة" المناهضة للأسد على أن الضغط العسكري الكبير وحده، الذي يعززه حظر جوي تفرضه قوات الولايات المتحدة الجوية، يستطيع أن يدفع بالأسد إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وغالباً ما يترافق طرح فرض منطقة حظر جوي مع فكرة إقامة مناطق آمنة يستطيع المدنيون السوريون الاحتماء فيها.

ولكن من المشاكل التي تشوب هذا الطرح واقع أن فرض منطقة حظر جوي قد يؤدي إلى تصادم بين الولايات المتحدة وروسيا، التي أقامت صواريخ مضادة للطائرات في سورية بغية حماية طائراتها، أما بالنسبة إلى زيادة الدعم المقدم للقوات "المعتدلة" المناهضة للأسد، فقد عانت هذه الفكرة لسنوات من صعوبة تحديد القوات المعتدلة، بشكل موثوق به، وقد أعاقت هذه المشكلة أيضاً جهود الولايات المتحدة لتدريب ودعم القوات المقاتلة في سورية المعادية لداعش. ولا تُعتبر هذه المشكلة الوحيدة، إذ نلاحظ اليوم التوتر الإثني بين خصوم "داعش" الأكراد السوريين وقوات المعارضة العربية.

لا يولي النقاد، الذين يعتبرون أن أوباما بدا ضعيفاً في سياسته السورية، نشر قوات العمليات الخاصة أهمية كبيرة؛ فقد اشتكى السيناتور جون ماكين، الذين نادوا بفرض منطقة حظر جوي: "ما من سبب قوي للاعتقاد أن أياً مما نقوم به حالياً سيكون كافياً لتحقيق هدف الرئيس المعلن بإضعاف داعش والقضاء عليه في النهاية"... كذلك اتهم ماكين أوباما بـ"التدرجية الضنينة".

لا شك أن سياسة أوباما تجاه سورية بعيدة كل البعد عن أن تكون راسخة؛ فقد وجّه رسائل مختلطة عن نوايا الولايات المتحدة وبنى آمالاً غير منطقية بين خصوم الأسد، كذلك أخذت روسيا أوباما ومستشاريه على حين غرة بقرارها شن ضربات جوية في سورية، متحججة باستهداف داعش، مع أن هدفها الحقيقي (وفق الولايات المتحدة) هو خصوم الأسد الآخرين، لذلك يبدو نشره خمسين من قوات العمليات الخاصة خطوة رمزية أكثر منها أساسية، بخلاف الضربات الجوية الأميركية المتواصلة التي ألحقت ضرراً كبيراً بداعش.

أصاب أوباما في تردده في نشر أعداد كبيرة من القوات المقاتلة الأميركية في سورية أو العراق، وهو محق أيضاً باعتباره وضْع حد للعنف في سورية أولوية أكثر أهمية من الإطاحة الفورية بالأسد، ومن الصعب النظر بتفاؤل إلى مجريات الأحداث في سورية، إلا أن الدبلوماسية تشكل، على ما يبدو، درباً أفضل نحو السلام، مقارنة بإنزال القوات على الأرض أو فرض منطقة حظر جوي.