يبدو أن الظاهرة التي علينا أن نترقبها في كل معرض من معارض الكتب العربية هي ظاهرة الشاب الوسيم الذي يكتب غالباً لصبايا يجتمعن حوله في تظاهرة يحسده عليها كبار الكتاب في الرواية على وجه الخصوص.

Ad

هؤلاء الشباب يعرفون جيداً أن المراهقين الذين لا كتاب لهم هم قراؤهم ويشكلون نسبة عالية تجعل من هؤلاء الكتاب نجوماً طوال أيام المعرض.

في مقالات سابقة اعترضت على مهاجمة هذا الجمهور من المراهقين، وكنت أرى أن قراءة كتاب سيئ ليس لها سوى فائدة وحيدة هي الفعل القرائي، الذي قد يخرج لنا قراء في المستقبل يهتمون بالكتاب واقتنائه. فالقارئ المراهق لن يبقى قارئاً مراهقاً وسينضج ليكون قارئاً جيداً. وأحترم الأخوة الذين عارضوا وطالبوا بإيقاف هذه الظاهرة والتصدي لها رغم أنهم لم يطرحوا علينا سبيلاً لذلك. فهل نجيز للرقابة منع هذه الكتب من المعارض ونحن نهاجم الرقابة ونطالب بإلغائها تماماً على أن يترك الحكم للقارئ وذوقه؟ أم نمنع المراهقين من دخول المعرض أو نحدد للكتاب ماذا عليهم أن يكتبوا؟ ولكي نناقش الموضوع بهدوء ودون تشنج علينا أن نرى سبب تلك الظاهرة.

هذه الكتب التي يتزاحم عليها المراهقون وتضطر إدارة المعرض للاستعانة بالشرطة وسيارات الإسعاف لمعالجة حالات الإغماء التي تصيب الفتيات، كما حدث في معرض القاهرة ومعرض البحرين قبل أيام، هي نتاج ثقافة نعيشها كل يوم ونمارسها وتمارس علينا.

هذه الظاهرة ليست حالة طارئة بل نتيجة لثقافة متردية ابتداء من الأغنية الهابطة التي سيطرت بشكل كامل على ذوقنا وانتهاء بالمسرح الهابط الذي كرس التفاهة في عقول شبابنا. هذه الثقافة الرديئة هي الخبز اليومي لهؤلاء المراهقين وكتّابهم الأكثر مراهقة ثقافية منهم.

لا أرى فرقاً بين كاتب رواية تافه وشاعر غنائي تافه ومطربة تغني بأعضائها جميعاً عدا حنجرتها، ولا أرى فرقاً بين هذا الروائي التافه وكاتب سيناريو هابط يجلدنا بأعماله التلفزيونية وحواراته الهابطة. ولا فرق بين هؤلاء ومؤلف مسرحي هابط وممثل سخيف ومخرج أكثر سخافة. هذه هي الساحة الثقافية التي أنتجت لنا جمهور هذا الكاتب قبل أن تنتج لنا الكاتب نفسه. والذين يرون أن للورق قدسية عليهم أن يدركوا أن كل هذه الكتابات التافهة كتبت على ورق أيضاً.

قبل أن نحارب هؤلاء علينا أن نحارب كل أركان هذه الثقافة الهابطة. لا تستطيع قنواتنا أن تتخلى عن برامج مطربات الأجساد وحلقات الرقص، وليس بإمكان صحفنا أن تلغي أخبار هؤلاء "النجوم" ولكنها تستطيع بسهولة التخلي عن الصفحة الثقافية اليتيمة بكل سهولة. وليس بإمكان وسائل الإعلام هذه أن تعادل، مجرد معادلة، بين الثقافة الحقيقية والثقافة الرديئة في طرحها اليومي.

حين تنجح مطربة لا تمتلك إلا جسدها وتتصدر الأخبار راقصة، وتمنع كتب الروائيين الجادة وتصادر أعمالهم، وحين تغيب الأغنية الهادفة والمسرح الجاد والعمل السينمائي الجاد، وحين تسيطر علينا هذه الثقافة الرديئة وتحاصر عقول بناتنا وشبابنا، فمن غير المنطقي أن نطالب هؤلاء المراهقين بأكثر من حصادهم هذا.

تبقى التحية دائماً للمناضلين الشباب الذين يقاومون هذا التيار العنيف بقدرات فردية في البحث عن حالة الاتزان الممكنة.