تعتبر الكاتبة التركية إليف شفق بلدها {ديمقراطية متخبّطة}، فهو يزداد استبداداً وانقساماً وكآبة. وتشعر بخيبة أمل بسبب الصمت الأوروبي.حول أملها بتغيّر الوضع في تركيا تقول: {أنا متشائمة ومتفائلة في آن، أو كما قال الكاتب أنطونيو غرامشي: إنه تفاؤل الإرادة وتشاؤم الفكر}. شفق تحدثت إلى {شبيغل} حول اعتقال الصحافيين والكتّاب ومحاكمتهم في بلدها حيث الانقسام السياسي العميق، وحاولت أن ترسم صورة عن الوضع في تركيا بعد 10 سنوات. أنت من بلد حيث يمكن أن تُحاكَمي إذا تفوهت بكلمة خاطئة. هل ما زلت تجرؤين على قول وكتابة ما تفكرين به؟للكلمات وقع ثقيل في تركيا، ويعلم كل كاتب وشاعر وصحافي أنه قد يتعرّض للمحاكمة أو تشويه السمعة من وسائل الإعلام أو حتى السجن بسبب كلمة أو جملة أو تغريدة أو إعادة تغريدة. لذا نكتب ونحن نعرف العواقب. وإذا قال أحدهم: {لا يؤثر بي هذا الوضع}، فلن أصدقه. لا أحد يستطيع التهرب من هذه الضغوط. لذا نفرض على نفسنا رقابة ذاتية مشددة. حين أكتب افتتاحيات سياسية، أفكر بأثر كلماتي بحذر. لكن يختلف الوضع حين أكتب الروايات، حيث أصبح أكثر تهوراً، ولا أهتم بالواقع إلى أن أنهي الكتاب.في عام 2006، رُفعت دعوى قضائية ضدك بسبب ما قالته إحدى الشخصيات الرئيسة في كتابك The Bastard of Istanbulعن الإبادة الأرمنية. تمّت تبرئتك في النهاية، لكن يثبت ما حصل أن الروايات أيضاً قد تكون خطيرة.نعم، كانت تلك التجربة غريبة جداً لأنها المرة الأولى التي تحصل فيها محاكمة بسبب رواية. بالنسبة إلي، كانت تلك الفترة مخيفة جداً، ليس بسبب المحاكمة فحسب، فقد احتجّت حشود قومية متطرفة في الشوارع ضدي وراحت تبصق على صوري وتشتمني. لكن كانت تعليقات قرائي مدهشة. دعموني مع أنهم يأتون من خلفيات مختلفة ويشملون أشخاصاً محافظين وليبراليين ومؤيدين للعلمانية والحركات النسائية. لذا قيّمتُ إيجابيات الوضع وسلبياته: صحيح أننا قد نقع في المشاكل بسبب الكتب في تركيا لكن تبيّن في الوقت نفسه أن الكتب مهمة جداً.بعد مرور عشر سنوات، تصنّف منظمة {مراسلون بلا حدود} تركيا اليوم في المرتبة 149 من أصل 180 بلداً من حيث حرية الصحافة وقد اعتُقل عدد من الصحافيين. في الفترة الأخيرة، احتُجِز محرران من صحيفة {جمهوريت} بعد نشر مواد تدين الحكومة. هل أصبحت حرية الصحافة مهددة؟نعم، أصبحت مهددة جداً. أخشى أننا بدأنا نتراجع من حيث الحرية وتنوع وسائل الإعلام. ما عاد أحد يتقبل اختلاف الآراء ويتعرّض النقاد للقمع والترهيب. نحن لا نعود إلى الوراء فحسب، بل إننا ننزلق بوتيرة متسارعة جداً. لا تقتصر الإجراءات على الاعتقالات والمحاكمات. تتعلّق مشكلة أخرى بتوسّع هامش الاكتئاب وسط الشريحة الليبرالية والعلمانية من المجتمع. أتذكر أن الاستهزاء بالسياسيين والشخصيات النافذة كان أمراً مقبولاً في السابق. لكن لم يعد الوضع كذلك. لم نعد نجيد الضحك.يجد البعض في أوروبا صعوبة في وصف أردوغان. هل هو حاكم استبدادي أم إسلامي أم قومي أم ديمقراطي فاشل؟أعتبره سياسياً استبدادياً يثير الانقسام. نعيش في مجتمع أبوي وتترسّخ هذه النزعة في العائلة، ثم تستمر في المدرسة والشارع. في جميع جوانب الحياة، حتى كرة القدم، يتبنى المجتمع التركي هذه النزعة. ولا تختلف عقليتنا كثيراً في السياسة. إنه جزء أساسي من المشكلة: سياستنا ذكورية وعدائية جداً ومثيرة للانقسام. وقد زادت وتيرة هذا التطور في السنوات الأخيرة. أظن أن أردوغان هو السياسي الذي سبّب أكبر انقسام في تاريخ السياسة التركية الحديث.هل تلاحظين نتائج ذلك الانقسام داخل عائلتك أو بين أصدقائك؟نعم، ألاحظها وسط أصدقائي المقربين. فيما يدعم بعضنا الحكومة، ينتقدها البعض الآخر بشدة. لكن مجرّد أن نتناقش في ما بيننا يُعتبر وضعاً استثنائياً في تركيا لأن المجتمع أصبح منقسماً إلى كانتونات معزولة. يعيش كل شخص على جزيرته الخاصة ولا يتحدّث إلى أحد من الجزر الأخرى. إنه مجتمع مبني على الغضب وانعدام الثقة وجنون الشك والاضطهاد ونظريات المؤامرة.من أين يشتق هذا الانقسام الحاد؟لهذا الانقسام خلفية معقدة، لكن يمكن إيجاد أحد الأجوبة في دراسة مركز {بيو} الأخيرة. في 38 بلداً، سأل مركز الأبحاث الناس: هل انتقاد الحكومة علناً وصراحةً حق مشروع؟ في لبنان، أجاب 98% من الناس بالإيجاب. في الأردن، تراجعت هذه النسبة إلى 64%. في باكستان، اقتصرت النسبة على 54% وفي تركيا بلغت 52%. يعني ذلك أن نصف الأتراك يظنون أن انتقاد الحكومة غير مشروع. المثير للاهتمام أن هذه النسبة تساوي عدد مناصري حكومة أردوغان.لكن من بين البلدان التي ذكرتِها، تُعتبر تركيا الأكثر ديمقراطية. ما هو تفسير هذه النتائج؟إنها ظاهرة جديدة وتبدو المفارقة كبيرة. تتحدّث وسائل الإعلام المهمة دوماً عن وجود أعداء في كل مكان، داخلياً وخارجياً، وكل من يوجّه الانتقادات يُعتبر {خائناً}. لذا يستنتج الناس أنهم لا يستطيعون انتقاد الحكومة. قد يبدو الأمر سخيفاً لكنهم اتهموني بتنفيذ أجندة {اللوبي الأدبي الدولي}. بحسب مطلقي هذا الادعاء، ثمة لوبي كبير في مكانٍ ما في الخارج وهو يختار من كل بلد كاتبين أو ثلاثة ويستعملهم لانتقاد حكوماتهم. يصدّق كثيرون في تركيا هذا الهراء.هل بدأ هذا الوضع في عهد أردوغان و{حزب العدالة والتنمية} الذي يرأسه أم أنّ سياساته تعزّز المخاوف الاجتماعية القائمة أصلاً؟يرتبط هذا الوضع بتاريخنا طبعاً. يقارن محللون كثيرون تركيا ببلدان أخرى في الشرق الأوسط لكن من الأنسب بحسب رأيي أن نقارنها بروسيا. يشتق البلدان من إمبراطورية ومن مفهوم الدولة القوية التقليدي. في أي ديمقراطية طبيعية، يمكن حماية الأفراد من قوة الدولة المفرطة. لكن في تركيا، تحاول النخب الحاكمة حماية الدولة، وكأن هذه الدولة ضعيفة أو تحتاج إلى الحماية، مع أنها نافذة أصلاً. هذه هي نقطة البداية وقد توسّع هامش الاستبداد في تركيا في السنوات الخمس الأخيرة.إذا كانت تركيا تشبه روسيا، هل من نقاط تشابه أيضاً بين أردوغان وفلاديمير بوتين؟تغير أردوغان كثيراً منذ وصوله إلى السلطة. في البداية، كان يتكلّم عن احتضانه لجميع الأفرقاء. لكن لم يعد الوضع كذلك. ليس سراً أنه يريد تغيير الدستور كي يصبح النظام رئاسياً وأنا واثقة من أنه سيبذل قصارى جهده لبلوغ هدفه. أشعر بقلق شديد من تركّز السلطة بهذا الشكل، ولا تتعلق المشكلة بأردوغان وحده. لدينا صناديق اقتراع لكننا نفتقر إلى ثقافة الديمقراطية. تقول الحكومة: «كسبنا الغالبية ويحق لنا أن نفعل ما نريده». لا يعكس هذا المنطق معنى الديمقراطية بل حكم الغالبية.هل يعني ذلك أنك لا تعتبرين تركيا بلداً ديمقراطياً؟كنت أتمنى أن نستعمل كلمات مختلفة لتعريف {الديمقراطية}. من الواضح أن تركيا ليست نظاماً استبدادياً نموذجياً ومن الضروري أن تحصل فيها انتخابات حرة. لكن من الواضح أيضاً أنها ليست ديمقراطية ليبرالية ناضجة. لذا أعتبر تركيا ديمقراطية متخبّطة ويمكن أن تتعثر وتنهار في أي لحظة.يوم الأحد الماضي، دعا الاتحاد الأوروبي تركيا للمشاركة في قمة بروكسل للمرة الأولى منذ وقت طويل وتعهد بتقديم ثلاثة مليارات يورو وضمان حرية السفر إلى بلدانه بلا تأشيرة وتجديد المفاوضات بشأن انتساب تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لكنه لم يذكر شيئاً عن حقوق الإنسان وحرية التعبير مع أن الصحافيَّين من صحيفة {جمهوريت} اعتُقلا منذ فترة قصيرة. هل فوجئت بهذا الدعم السياسي المستجدّ لأردوغان؟كتب الصحافيان رسالة من السجن إلى قادة الاتحاد الأوروبي وقالا فيها: لا تنسوا حرية التعبير، لا تنسوا الديمقراطية! لكن أصبحت هذه القيم منسيّة فعلاً. وإذا نسينا تلك القيم، سيتعرض عدد إضافي من الصحافيين للطرد أو الاعتقال وسيخسرون صوتهم. تُعتبر حقوق الإنسان وحرية التعبير مسائل أساسية وعاجلة وغير قابلة للتفاوض.يبدو أن قادة أوروبا يتوسلون تركيا الآن كي تساعدهم على إبطاء أو وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. هل تستطيع تركيا إتمام هذه المهمّة؟استقبلت تركيا أكثر من مليونَي لاجئ سوري ولا يمكن أن تتحمّل وحدها مسؤولية أزمة اللاجئين، وهي أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. يجب أن يكون الحل مشتركاً ودولياً، لكن لا يشير الوضع الراهن إلى حصول ذلك. بل يفضل الاتحاد الأوروبي دفع المال كي يبقى اللاجئون في تركيا.لهذا السبب يبدو الاتحاد الأوروبي مستعداً لدعم أردوغان والامتناع عن انتقاده رغم انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا.إزاء هذه الأزمات كلها، يفضل عدد متزايد من الناس الاستقرار على الديمقراطية، في تركيا والغرب معاً. يبدو أن الاتحاد الأوروبي يريد أنظمة مستقرة لذا لم يعد يشدد على حقوق الإنسان. أصبحت هذه المسائل قابلة للتأجيل مع أنها ليست كذلك! لا يمكن أن يعمّ الاستقرار من دون ديمقراطية.من الواضح أنك تشعرين بخيبة أمل.أشعر أحياناً بأنني أؤمن بالمُثل الأوروبية أكثر من بعض أصدقائي البريطانيين أو الفرنسيين. بالنسبة إليهم، إنه عبء مالي. وبالنسبة إليّ، تعني أوروبا في المقام الأول القيم والحقوق الأساسية والحريات وحقوق المرأة. لكن كانت الرسالة واضحة خلال القمة التي عُقدت في الأسبوع الماضي: علّقت أوروبا قيمها.هل تظنين حتى الآن أن تركيا يجب أن تنتسب إلى الاتحاد الأوروبي؟كنت وما زلت من أشرس مؤيدي انتساب تركيا إلى أوروبا. في عامَي 2005 و2006، بدا الأمر ممكناً. لكن كان تفويت تلك اللحظة التاريخية بسبب سياسيين شعبويين محدودي التفكير من جميع الأطراف مأساوياً جداً. لو انتسبت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ما كانت الحكومة لتصبح استبدادية لهذه الدرجة وكانت الضوابط والتوازنات لتتحسن. انظروا إلى ما حصل منذ ذلك الحين: أدارت تركيا ظهرها لأوروبا وسارت في الاتجاه المعاكس. لكن أيهما أفضل لنا؟ تركيا التي تكون جزءاً من أوروبا وجزءاً من العالم الليبرالي الديمقراطي الذي يضمن حرية التعبير أم تركيا التي تنحاز إلى عدد إضافي من الدول الاستبدادية؟هل يريد الأتراك اليوم أن ينتسب بلدهم إلى الاتحاد الأوروبي؟في ذروة الجدل بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي منذ بضع سنوات، أراد 82 % من الشعب الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. نشأنا على قراءة مؤلفات بلزاك وغوته ونشعر بأننا أوروبيون. لكن تغير هذا المزاج سريعاً بعد فشل المساعي. تراجعت نسبة تأييد الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي الآن إلى 20 %. إنها ردة فعل طفولية: إذا كانت أوروبا لا تريدنا، فنحن لا نريد أوروبا أيضاً! نحن شعب عاطفي والعواطف متبدلة بطبيعتها.هل يمكن أن تكون أزمة اللاجئين كافية لتوحيد صفوف تركيا وأوروبا مجدداً؟أريد أن تصبح أزمة اللاجئين بداية جديدة للعلاقات التركية الأوروبية. لكن سيطرح الوضع إشكالية كبرى إذا نسينا حقوق الإنسان في خضم هذه العملية. يجب أن تبقى الديمقراطية على رأس الأولويات.هل يمكن أن تظهر يوماً حركة احتجاجية جديدة مثل احتجاجات {جيزي} في عام 2013؟لا أظن ذلك. إنه أمر مستبعد ليس بداعي الخوف فحسب بل بسبب هذا القمع الجماعي. يظن الناس أن شيئاً لن يتغير حين ينزلون إلى الشارع. ألاحظ نزعتين متعارضتين في المجتمع التركي: يشعر الناس بالإحباط ويفقدون اهتمامهم بالسياسة ويركزون على حياتهم الخاصة، أو ينتابهم غضب شديد ويصبحون مسيّسين ومتطرفين أكثر من السابق. النزعتان مقلقتان.أسقطت تركيا أخيراً طائرة روسية. رداً على ذلك، اعتبر بوتين تركيا {شريكة للإرهابين} لأنها تساعد الجماعات السورية المتطرفة. هل هو محق؟لا أحد يعلم ما يحصل. هذه هي الحقيقة المؤسفة. يكثر الحديث عن نظريات المؤامرة ولا أريد أن أناقشها. لكن يشير عجزنا عن طرح هذه الأسئلة إلى تدهور نظامنا السياسي. أصبحت تركيا عموماً شريكة في ما يحدث في مصر وسورية. طوّر بعض السياسيين الذين يؤيدون إيديولوجيا {العثمانية الجديدة} هذه الفكرة التي تعتبر تركيا لاعبة كبرى في الشرق الأوسط، لكن لم تَسِر الخطة كما كان متوقعاً.الشرق الأوسط ليس المنطقة المضطربة الوحيدة. تصاعد الوضع أيضاً داخل تركيا وتحوّل إلى قتال بين {حزب العمال الكردستاني} والحكومة. هل تظنين أن استئناف عملية السلام أمر ممكن؟لا يبدو الوضع واعداً جداً. أصبحت عملية السلام رهينة لدى مؤيدي استعمال القوة من المعسكرَين وهي عالقة الآن بين عنف {حزب العمال الكردستاني} والنزعة القومية التركية المتطرفة. كان يمكن أن نشكّل حكومة ائتلافية بعد انتخابات شهر يونيو على أن تشمل ممثلين من أحزاب عدة، بما في ذلك الأكراد. لو حصل ذلك، كان الوضع ليبدو مختلفاً اليوم. لكن لم يشأ أردوغان أن تنشأ حكومة مماثلة بل أراد كسب أغلبية مطلقة لذا فضّل إجراء انتخابات جديدة. منذ ذلك الحين، مات أكثر من 600 شخص في القتال والاعتداءات.تبدين مرهقة جداً. هل تبدد كل أمل بحصول تغيير سياسي في تركيا؟أنا متشائمة ومتفائلة في آن، أو كما قال الكاتب أنطونيو غرامشي: إنه تفاؤل الإرادة وتشاؤم الفكر. لكني أعلّق آمالي على الشعب والمجتمع أكثر من الحكومة. تشمل تركيا فئة شابة وحيوية وفضولية. في أوروبا، يُستعمل موقعا {فيسبوك} و}تويتر} لتقاسم التجارب اليومية بينما يستعمل الشعب التركي مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات سياسية. كلما تراجع هامش الحريات في وسائل الإعلام، ستصبح مواقع التواصل الاجتماعي أكثر تسييساً. حاولت الحكومة حظر موقع {تويتر} لكنها لم تنجح. يتطوّر العالم الرقمي بقوة هائلة وبوتيرة لا يمكن حظرها أو السيطرة عليها ببساطة. يريد الناس أن يتصلوا بالعالم كله. لا يزال الأمل موجوداً.كيف سيكون وضع تركيا بعد 10 سنوات؟ هل سيبقى أردوغان حاكم البلد حتى ذلك الوقت؟لا أعلم، لكننا نقف على مفترق طرق خطير. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع. يبدو الانقسام عميقاً جداً الآن. في الماضي، كان بعض الناس من معسكرَي الليبراليين والمحافظين يستطيعون سد الفجوة بين مختلف الأطراف. لكنهم ما عادوا موجودين اليوم. بعد تفجيرات أنقرة، طُلب من الناس أن يقفوا دقيقة صمت لكن رفض كثيرون. حتى أنّ مجتمعنا لم يعد يستطيع التوحد لتكريم الضحايا. خسرنا تعاطفنا. قد تكون هذه الخسارة أسوأ ما حصل.أسقطت تركيا أخيراً طائرة روسية. رداً على ذلك، اعتبر بوتين تركيا {شريكة للإرهابين} لأنها تساعد الجماعات السورية المتطرفة. هل هو محق؟لا أحد يعلم ما يحصل. هذه هي الحقيقة المؤسفة. يكثر الحديث عن نظريات المؤامرة ولا أريد أن أناقشها. لكن يشير عجزنا عن طرح هذه الأسئلة إلى تدهور نظامنا السياسي. أصبحت تركيا عموماً شريكة في ما يحدث في مصر وسورية. طوّر بعض السياسيين الذين يؤيدون إيديولوجيا {العثمانية الجديدة} هذه الفكرة التي تعتبر تركيا لاعبة كبرى في الشرق الأوسط، لكن لم تَسِر الخطة كما كان متوقعاً.الشرق الأوسط ليس المنطقة المضطربة الوحيدة. تصاعد الوضع أيضاً داخل تركيا وتحوّل إلى قتال بين {حزب العمال الكردستاني} والحكومة. هل تظنين أن استئناف عملية السلام أمر ممكن؟لا يبدو الوضع واعداً جداً. أصبحت عملية السلام رهينة لدى مؤيدي استعمال القوة من المعسكرَين وهي عالقة الآن بين عنف {حزب العمال الكردستاني} والنزعة القومية التركية المتطرفة. كان يمكن أن نشكّل حكومة ائتلافية بعد انتخابات شهر يونيو على أن تشمل ممثلين من أحزاب عدة، بما في ذلك الأكراد. لو حصل ذلك، كان الوضع ليبدو مختلفاً اليوم. لكن لم يشأ أردوغان أن تنشأ حكومة مماثلة بل أراد كسب أغلبية مطلقة لذا فضّل إجراء انتخابات جديدة. منذ ذلك الحين، مات أكثر من 600 شخص في القتال والاعتداءات.تبدين مرهقة جداً. هل تبدد كل أمل بحصول تغيير سياسي في تركيا؟أنا متشائمة ومتفائلة في آن، أو كما قال الكاتب أنطونيو غرامشي: إنه تفاؤل الإرادة وتشاؤم الفكر. لكني أعلّق آمالي على الشعب والمجتمع أكثر من الحكومة. تشمل تركيا فئة شابة وحيوية وفضولية. في أوروبا، يُستعمل موقعا {فيسبوك} و}تويتر} لتقاسم التجارب اليومية بينما يستعمل الشعب التركي مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات سياسية. كلما تراجع هامش الحريات في وسائل الإعلام، ستصبح مواقع التواصل الاجتماعي أكثر تسييساً. حاولت الحكومة حظر موقع {تويتر} لكنها لم تنجح. يتطوّر العالم الرقمي بقوة هائلة وبوتيرة لا يمكن حظرها أو السيطرة عليها ببساطة. يريد الناس أن يتصلوا بالعالم كله. لا يزال الأمل موجوداً.كيف سيكون وضع تركيا بعد 10 سنوات؟ هل سيبقى أردوغان حاكم البلد حتى ذلك الوقت؟لا أعلم، لكننا نقف على مفترق طرق خطير. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع. يبدو الانقسام عميقاً جداً الآن. في الماضي، كان بعض الناس من معسكرَي الليبراليين والمحافظين يستطيعون سد الفجوة بين مختلف الأطراف. لكنهم ما عادوا موجودين اليوم. بعد تفجيرات أنقرة، طُلب من الناس أن يقفوا دقيقة صمت لكن رفض كثيرون. حتى أنّ مجتمعنا لم يعد يستطيع التوحد لتكريم الضحايا. خسرنا تعاطفنا. قد تكون هذه الخسارة أسوأ ما حصل.* جوليان فون ميتلشتادت & كريستوفر شويرمان
توابل
الكاتبة التركية إليف شفق: لم نعد نجيد الضحك!
13-12-2015