«بدأ المال ينقص، وعلينا انتظار تغييرات كثيرة»، هكذا يردد أكثر من سياسي في الأوساط الشيعية اليوم، وهو يتحدث عن الخيارات العسكرية والسياسية لهذه الطائفة داخل العراق، في لعبة القسوة والتوحش التي تحرق المنطقة.

Ad

ويشير هؤلاء إلى تناقص حتى في أعداد البوسترات الدعائية التي تخصص للإشادة بالحشد الشعبي، كمؤشر على نقص في المال بسبب سياسة تقشف أوقفت آلاف المشاريع بعد انهيار أسعار النفط وتداعياتها على اقتصاد العراق، ومواقف أحزابه الرئيسية.

وفي تعليق شائع تسمعه في بغداد هذه الأيام، يعاد تقسيم الحشد الشعبي على أساس جديد، وكان يقال في السابق إن هناك «حشد المرجعية»، وهو المتكون من متطوعين يدينون بولائهم لمرجعية النجف التي تشمل أيضاً تياري عمار الحكيم ومقتدى الصدر، إلى جانب «حشد خامنئي» المقرب من إيران.

أما اليوم فيضيفون إليه «حشد الولاية الثالثة»، أي الفصائل التي ينفق عليها بـ«سخاء» رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يقول البغداديون اليوم إنه «الثري الوحيد» في بغداد!

وأمام نقص المال لدى المعتدلين في الأحزاب الشيعية، يتقلص هامش المناورة ويصبح السباق مع متشددين أثرياء تدعمهم إيران وجهات متطرفة سياسياً، ماراثوناً يقطع الأنفاس. وقد أدى الاستقطاب في الشارع إلى رواج رموز المقاتلين الراديكاليين الرافضين للتصالح مع القوى السنية والكردية، والمناهضين لأميركا.

ويسود شعور بأن شعبية هؤلاء تتزايد ويجري تسويقهم كـ»رموز ثورية تصحيحية» بديلة للطبقة السياسية التي تعمل منذ 12 عاماً وتتورط في الفساد والأزمات الكبرى. وبهذه الحسابات يتألق نجم زعماء الحرب، ويتراجع نفوذ وهيبة ساسة من طراز الحكيم والصدر، وبقية الأصوات المعروفة بأنها تؤيد إشاعة مناخ تصالحي في البلاد.

وفي الآونة الأخيرة راح خبراء كثيرون يستخدمون هذه الحقائق ليفسروا تراجع الدعوات الإصلاحية داخل تيار الاعتدال الشيعي، وظهور خطاب مرتبك لدى كثير من المعتدلين، يجعلهم أقرب إلى الجماعات الراديكالية.

ولا يتردد البعض في القول إن الشخصيات المؤمنة بالحل السياسي، باتت تضطر لتبني خطاب راديكالي غير تصالحي، وتبرر ذلك أحياناً بأنها دخلت «سباقاً» مع الميليشيات المتطرفة، للفوز بتأييد الشارع، وأنه لا ينبغي ترك الناس تنجذب لشخصيات مغمورة تركب موجة التطرف، كما لا ينبغي لخطط الاعتدال أن تصبح سبباً في خسارة انتخابية لاحقة تؤذي الجميع!

ويمكن أن نعدد أسباباً خطيرة أدت إلى تأجيل الحوار الداخلي العراقي وإرجاء كل الاتفاقات التصالحية، على وقع تفاقم التدخل الخارجي ونفوذ طهران المتزايد، وصعوبات الحوار النووي، والوضع في سورية واليمن. لكن إلى جانب هذه الأسباب ينبغي أن يلاحظ المراقبون انخراط أحزاب مؤيدة للإصلاحات، في ماراثون وتسابق مع المتشددين، للمحافظة على الجمهور ومنع الراديكاليين من سرقة «الكتلة التصويتية» في أي انتخابات قد تحصل مبكراً أو في موعدها الرسمي مطلع 2017، ويرافق ذلك نقص حاد في المال يقلص هوامش المناورة السياسية في ملفات كثيرة.