يشكو أهالي «هدية» من التحول الذي أصاب منطقتهم وجعلها منطقة استثمارية تتزايد فيها مخالفات البناء كل يوم، التي تؤثر في الطابع النموذجي لها، وتهدد قدرات البنية التحتية فيها.

Ad

ومع تزايد العمران الاستثماري في هدية، تزداد المنطقة بعداً عن الاشتراطات والمواصفات الخاصة بأبنية السكن النموذجي المحددة في القرار الوزاري 60 لسنة 2012، الذي ينص على تميز مناطق السكن النموذجي بأنها «خفيفة الكثافة المخصصة لسكن عائلة واحدة، ولا يسمح بأي استعمالات أخرى بخلاف السكن الخاص».

كما يحدد القرار نسب البناء في السكن النموذجي والارتفاعات القصوى، وهو الأمر غير المعتمد في مباني المنطقة التي يخشى أهلها أن تكون مقدمة لفتح الباب أمام سكن غير الكويتيين، ولاسيما العزاب، وخصوصاً أن «هدية» قريبة نسبياً من مناطق الكويت، وتشكل منطقة استقطاب للسكن فيها.

علما بأن بعض الأهالي يتوقع وفق معدلات البناء القائمة أن يتضخم عدد السكان فيها عدة مرات عند اكتمال إشغال المباني الجديدة.

«الجريدة» سلطت الضوء على هذه القضية من خلال التحقيق التالي:

هل تسير منطقة هدية المشهورة بهدوئها على خطى خيطان والجليب وغيرهما من مناطق الاكتظاظ السكاني والمخالفات التي لا حصر لها؟

سؤال يجول في أذهان سكان المنطقة التي أفاقت قبل سنوات قليلة على وقع إنشاء منازل جديدة، لا لغرض السكن الخاص بل للاستثمار، وانتشرت لافتات "شقق للإيجار" في كل زاوية وعند كل إشارة مرور، فأصبح كل منزل بجانبه عشرات المنازل ذات الطبقات الأربع وما فوق، وبواقع ثماني شقق للمنزل الواحد في أقل تقدير.

الواقع الجديد حوّل منطقة هدية الى ما يشبه العشوائيات، ولكن بمظهر أكثر حضارة، وهو الأمر الذي حول الدخول الى الشارع الرئيس أو الخروج منه، مسألة صعبة، لكثرة السيارات المتوقفة على جانبي الطريق، غير الانقطاعات المتكررة للكهرباء من جراء الأحمال الزائدة، فالمنزل الذي خصص له عداد يلبي حاجة أسرة أو أسرتين كحد اقصى، بات يغذي 8 الى 12 شقة في البنايات الاستثمارية.

هذه المسألة فتحت باب التساؤلات عن دور بلدية الكويت بعد توجه تجار العقار الى السكن الخاص، عوضا عن الاستثمار في المناطق الاستثمارية، والإجراءات التي اتخذتها البلدية للحد من مخالفات البناء والقوانين المعتمدة في مناطق السكن النموذجي.

سلسلة «استثمارية»

بداية، يقول حمود النثري أحد سكان هدية إنه بعد أن بيعت الأراضي المجاورة له، تم بناء سلسلة منازل "استثمارية" متجاوزة كل قوانين البناء، الأمر الذي تسبب في ازدحام الشارع، لدرجة أن سيارات البلدية لا تستطيع المرور كل يوم لأخذ القمامة من دون أن تحتك أو تخدش السيارات المتوقفة، وفي كثير من الأحيان تتجنب المرور في الشوارع الداخلية، وتكتفي بالطريق الرئيس، الأمر الذي جعلنا نشتكي عدة مرات، لكن لا مجيب لشكوانا.

وتابع أنه قبل أشهر حصل حريق في أحد المنازل المجاورة لبيته، لكن لازدحام الشارع كان من الصعب وصول سيارات الإطفاء، إلا بعد أن أبعد السكان سياراتهم التي تعيق المرور في الشارع.

بدوره، يقول محمد العجمي إن منطقة مثل هدية من المفترض أنها "نموذجية" لا تتحمل مثل هذه الأعداد من السكان القادمين فجأة، مشيراً الى إن البلدية تقاعست، فلم يعد أي شارع في منطقة هدية إلا به العديد من المباني المخالفة، مع ضيق الشوارع وعدم وجود أماكن مخصصة لمواقف السيارات، والسؤال: كيف استطاع ملاك هذه المباني الحصول على أذونات البناء وإيصال التيار؟

وأضاف: ليس لدينا سوى جمعية تعاونية واحدة ومستوصف واحد، وزيادة عدد السكان من دون دراسة، ستؤثر على الخدمات العامة، فمازالت البيوت الاستثمارية في تزايد مستمر، ولا توجد مشاريع عامة جديدة لسد الحاجة.

فتح الملف

ودعا العجمي وزير البلدية الى فتح ملف هذه التجاوزات ومحاسبة المسؤول عنها، لأن الأمور تجاوزت كل حد مسموح ومرشحة للتفاقم في حال عدم التدخل من قبل المسؤولين.

من جهته، حمل علي الكندري بلدية الكويت مسؤولية انتشار هذه الظاهرة، فهي - على حد قوله - ساهمت وأعطت التراخيص للمستثمرين في بناء عمارات بين السكن الخاص، مضيفاً أنه من غير المعقول قبول هذا الأمر وأن يكون عن يمينك وشمالك شقق، فإذا قبلنا اليوم بهذا الوضع، فلن نتعجب بعدها إذا تم تأجيرها للعزاب، فلا رادع ولا مراقبة، داعياً نواب الدائرة الخامسة الى التحرك في هذا الشأن.

وقال الناشط التربوي، رئيس شبكة المعلم الإلكترونية، خالد العتيبي، إنه من المشكلات المترتبة على تجاوز البناء في المناطق المخصصة في السكن الخاص مواجهة وزارة التربية مشكلة التضخم في أعداد القاطنين والذي لم يكن متوقعا ولم تشر له الإحصاءات المتوقعة عند تخطيط المناطق السكنية، مما يترتب عليه رفع كثافة الطلاب في الفصول وفتح "فصول الكيربي" لتوفير الخدمات التعليمية للمواطنين، مبينا أن المدارس تم تصميمها لاستيعاب عدد السكان المتوقع، لكن أن تتضاعف أعداد الساكنين لأكثر من ٥ أضعاف فلا نتوقع من وزارة التربية مواجهة هذا التضخم المفاجئ، إلا من خلال زيادة عدد الطلاب في الفصول، والذي لم يكفهم، فلجأت إلى حل سريع آخر وهو فصول كيربي، رغم عدم صلاحيتها للتدريس كحل مؤقت لحين انتهاء الفصول الإسمنتية والذي ستحل مكان الساحات التي خصصت كمتنفس للطلاب.

وهنا يتساءل بعض أهالي المنطقة: هل تنتظر إدارة الرقابة في البلدية أن يتقدم أحد بشكوى؟ مع العلم بأن المخالفات واضحة للعيان، وهي في أغلبها خارجية لا تتطلب إذنا قانونيا من النيابة، فمن المعلوم أنه في حال وجود مخالفات ظاهرة، يجب أن تتخذ الإدارة الرقابية الإجراءات اللازمة التي يأتي في أولها قطع التيار الكهربائي عن المسكن المخالف، وفق قانون الرقابة السابقة واللاحقة.

مخالفات وتحايل على القانون

ويقول مصدر مسؤول في بلدية الأحمدي إن قانون البلدية لا يسمح ببناء 4 طوابق، وإن جميع من يخاف يلجأ إلى التحايل في هذا الأمر، بحيث يبدأ في البناء، وعندما يصل الى الدور الثالث وتحديدا عند مرحلة الكشف، يطلب تقوية التيار الكهربائي، بناء على ما هو موجود، بعد ذلك يشرع في استكمال البناء المخالف.

وأوضح المصدر أن البلدية لا تتحرك إلى بوجود شكوى مقدمة تتم عبر الأطر القانونية، وفي أغلب الأحيان تكون في مصلحة أصحاب المخالفات، مضيفا أن هناك عدة اقتراحات تم طرحها في المجلس البلدي، من شأنها الحد من ظاهرة مخالفة البناء، أهمها إزالة المخالفة من السكن الخاص، لكن الى الآن لم تتم مناقشتها.

مواصفات ونسب السكن النموذجي حسب القرار الوزاري

يجمع بعض اهالي هدية على ان البناء الذي يتم تشييده في منطقتهم سيؤدي الى حرمانها من صفة مناطق السكن النموذجي الخاص، لاسيما ان مواصفات المباني الجديدة تخالف الاشتراطات والمواصفات الخاصة بأبنية السكن النموذجي والسكن الخاص المعدل حسب القرار الوزاري 60 لسنة 2012.

واستنادا الى القرار المذكور، فان مناطق السكن النموذجي تمتاز بانها "خفيفة الكثافة المخصصة لسكن عائلة واحدة واقامتها أو وزعت أراضيها الدولة ضمن برامج الرعاية السكنية باستخدام تصاميم معمارية موحدة (نموذج) أو مختلفة ولا يسمح بأي استعمالات أخرى بخلاف السكن الخاص".

ويسمح بموجب القرار "لصاحب العلاقة بحرية التصميم لعقاره وعمل شقتين له في الدور الأخير فقط على ان يكون المنزل غير مقسم الى شقق في الأدوار الأخرى ويتم تصميمها كوحدة واحدة".

ويحدد القرار الوزاري نسب البناء في السكن النموذجي الخاص بان "تكون موزعة على ثلاثة طوابق بما فيها ملاحق السطح وذلك بنسبة 1.210 في المئة من مساحة قسائم 401م2 وما فوق، و2.210 في المئة + 120م2 للقسائم من 350م2 الى 400م2. ومساحة إجمالية 800م2 للقسائم التي مساحتها 250م2 الى 349م2 على أن يتم الالتزام بنظام البناء من حيث الأدوار والارتدادات".

وبالنسبة الى ارتفاعات الأبنية، ينص القرار الوزاري على ان "الحد الأقصى لارتفاع البناء 15 مترا تحسب من متوسط منسوب حجر الرصيف لجهة الشوارع الداخلية الأكثر ارتفاعا الى مستوى السطح على ألا يتجاوز ثلاثة طوابق بما في ذلك الطابق الأرضي. علما ان الحد الأدنى لصافي ارتفاع الطابق الواحد ثلاثة أمتار، اما الحد الأقصى لارتفاع السرداب فوق مستوى متوسط المنسوب التنظيمي للقسيمة (1.80 م) من جهة الشوارع الداخلية الأكثر ارتفاعا".

وتجوز إقامة الدرج وتصوينة غرفة المصعد بما يجاوز الحد الأقصى لارتفاع البناء على ألا يزيد ارتفاع سطحيهما على 3 امتار، اما الحد الأقصى لارتفاع تصوينة سطح المبنى الرئيسي فلا يتجاوز المترين.