قامة اقتصادية شامخة… عندما تتحدث تجبرك على التوقف أمام ما يقول. كلماته موزونة بميزان الذهب. إنه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية الأسبق، ومحافظ البنك المركزي الأسبق لفترة خمسة وعشرين عاماً، الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، بوفهد، ناصح أمين سواء كان في سدة المسؤولية أو في استراحة المحارب، فهو من القلائل الذين يجمعون بين ملكة التشخيص ووضع الحلول المناسبة.

Ad

لم يعرف عنه أنه يجامل في الآراء عندما يوجه إليه السؤال، وخصوصاً إذا كان هذا السؤال يمس الكويت التي يعليها دائماً واقتصادها الذي يشغله، ولطالما حذر مراراً وتكراراً مما نقف أمامه اليوم من عجز مالي وتباطؤ شديد في النمو والأداء، وتحولت الأزمة إلى كرة ثلج جاثمة على صدر الاقتصاد، فقد وقع.

لغة واحدة يجيدها الشيخ سالم، هي لغة الأرقام ومن مدرسة الواقعية التي لا تؤجل عمل اليوم او بمعنى أدق علاج اليوم إلى الغد. صاحب مواقف حاسمة وحازمة، يسجل الموقف مهما كلفه أو كانت تبعاته، لمَ لا، وهو من ترجل من على صهوة أرفع منصبين اقتصاديين في الدولة، فالأهم بالنسبة اليه أن تسير الكويت واقتصادها في المسار الصحيح والسليم وان يكون ذلك على أسس فنية وهيكلية سليمة.

رغم كل المصاعب والمشاكل التي يشخصها هو أو المنظمات والهيئات العالمية، «بوفهد» الهادي، الواثق، متفائل، ويرى في نهاية النفق من بعيد نوراً وأملاً للإصلاح، وفرصة في استعادة الكويت مكانتها الاقتصادية... يقول دائما «يمدي» لكن لنبدأ.

قلقه الوحيد هو عامل الوقت وكلفة الإصلاح، فكلما تأخر القرار والتنفيذ كانت الكلفة أعلى وزمن المعالجة أطول.

في أكبر وأشمل حوار لـ«الجريدة» مع الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، يكرر ويؤكد أن الكويت عامرة بالكفاءات والخبرات، وتمتلك كل مقومات النجاح ولا ينقصها شيء، فقط نحتاج أن نطبق ما لدينا من آراء سليمة ودراسات قويمة، والتجارب واضحة هنا وهناك، والعقول النيرة حاضرة، قائلاً إن هذه الأرض الطيبة لا تنضب من المخلصين الأكفاء... لقاء ثمين عامر بالآراء والنصائح، فإلى التفاصيل:

• بداية كيف ترى عدم تعافي الاقتصاد الكويتي حتى الآن من الآثار والتداعيات التي خلفتها الأزمة المالية العالمية؟ وهل يمثل استمرار هذا الوضع للاقتصاد خطراً على القطاع المصرفي؟ وإلى متى سيستمر وضع الاقتصاد الكويتي مأزوما بعد دخول العام السابع منذ اندلاع الأزمة العالمية؟

- يسرني أن أُرحب بك أخ محمد ومن معك من جريدة «الجريدة»، وأجد هذه الزيارة فرصة مناسبة نتحاور ونتناقش معكم حول بعض الامور ذات الأهمية بالنسبة الى الوضع الاقتصادي في البلاد.

في البداية، لعله من المفيد أن أوضح أن الاقتصاد الكويتي يتكون من قطاعين: الاول نفطي، والثاني غير نفطي. وأُريد أيضاً أن أُبين أن مقياس أداء أي اقتصاد هو معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (الحقيقي).

أعود ثانية إلى هيكل الاقتصاد الكويتي، حيث تشكل مساهمة القطاع النفطي تاريخياً نسبة تتراوح بين 50 – 65 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي، حيث ساهم ذلك القطاع في عام 2013 بنسبة بلغت حوالي 61.2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

وعلى جانب آخر، وفيما يتعلق بالأزمة المالية العالمية التي أشرت اليها في سؤالك، فجدير بالذكر أن أهم المظاهر والاثار التي خلفتها تلك الأزمة على معظم الدول التي تأثرت بها، كانت الاتي: ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية، توجيه مبالغ فلكية لدعم النظم المصرفية في تلك الدول، ارتفاع كبير في أرصدة الدين العام (مديونية الدولة)، تباطؤ شديد أو انكماش في معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي في تلك الدول.

ولو قمنا باسقاط تلك المظاهر على دولة الكويت، لتبين لنا التالي: فيما يتعلق بموضوع البطالة، وكما هو معروف، لم تتأثر مستويات البطالة في الكويت بالأزمة المالية العالمية، بل حافظت على مستوياتها المتدنية تاريخياً. والسبب ببساطة هو أن العمالة الوطنية يتم توظيف معظمها من قبل الحكومة، حيث حافظت الحكومة، ومازالت تُحافظ، على تعيين أعداد كبيرة منها في قطاعاتها وأجهزتها المختلفة سنوياً.

دعم المصارف

أما فيما يختص بالمظهر الثاني وهو دعم الأنظمة المصرفية، فلقد نشأت في الكويت حالة واحدة في عام 2008، حيث تدخلت فيها الدولة بمبلغ يُعتبر منخفضا. وفي الواقع، لم تكن تلك الحالة بسبب الازمة المالية المذكورة، بل كانت بسبب «سوء إدارة» في تلك الجهة.

وفي الحقيقة لم يكن ذلك دعماً بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه، إنما يمكن اعتباره استثمارا حيث تم استخدام تلك الاموال في عملية زيادة رأس المال في أحد البنوك بالمشاركة مع المساهمين فيه، حيث تحقق على ذلك الاستثمار عائداً سنوياً لا بأس به طيلة مدة الاستثمار. وبناء على ذلك يمكننا القول بشكل عام إن وحدات الجهاز المصرفي في دولة الكويت لم تعان مشاكل تُذكر جراء تلك الأزمة.

أما بخصوص المظهر الثالث وهو الدين العام، فمن الملاحظ أن الدولة قد حققت فوائض مالية كبيرة في موازناتها منذ السنة المالية 2008-2009، وهو العام الذي نشأت فيه تلك الأزمة، حتى 2013-2014. وبالتالي لم تقترض الدولة أي مبالغ لمواجهة أي عجوزات في الموازنة، مما أدى الى عدم زيادة رصيد مديونية الدولة، حيث تشير البيانات الى أن رصيد أدوات الدين العام في نهاية عام 2008 قد بلغ 1996,4 مليون دينار، وأغلق ذلك الرصيد عند 1567،1 مليون دينار في نهاية مارس 2015.

وهذه البيانات تُدلل بوضوح إلى أن رصيد الدين العام ( مديونية الدولة) لم يرتفع بل في الواقع انخفض بمقدار 429,3 مليون دينار منذ اندلاع الازمة المالية العالمية.

انكماش النمو

وفيما يتعلق بالمظهر الرابع والأخير، وهو تباطؤ شديد أو انكماش في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، تشير البيانات المتوافرة حول نسبة نمو ذلك الناتج بالأسعار الثابتة (الحقيقي) في دولة الكويت إلى أنه قد كان هناك نمو موجب في ذلك الناتج للسنوات الممتدة من 2008 حتى 2013 باستثناء عام 2009.

وفي سبيل معرفة أداء وحدات القطاع الخاص المختلفة، أرى من المفيد أن نركز على أداء القطاعات غير النفطية كي نتعرف بشكل أقرب على أداء الاقتصاد الذي تناوله سؤالك، حيث ان بيانات القطاع الخاص تندرج ضمن هذا القطاع. فمن اللافت للنظر أن هذه القطاعات قد حققت نمواً موجباً بالأسعار الثابتة (الحقيقي) وبشكل متصاعد منذ عام 2010 حتى 2013، مما يُدلل على تعافي هذا القطاع من آثار الأزمة المالية العالمية. وغني عن البيان أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز نسبة 25 في المئة، وهي نسبة متواضعة يتوجب على الدولة أن تعمل ما في وسعها على زيادتها إلى مستويات أعلى بكثير من الحالية أن رغبنا بزيادة وتيرة واستدامة الأداء الاقتصادي للبلاد، حيث ان القطاع الخاص في الاقتصادات المتقدمة والناشئة يُعتبر هو قاطرة التنمية ومحرك نشاط اقتصاداتها.

وضع غير مريح

وعودة للب وجوهر سؤالك، فالاجابة عليه هي أن الاقتصاد الكويتي قد تخطى بالفعل آثار تلك الأزمة. ولكن، هناك من يتسأل أنه لم يُلاحِظ وجود تطورات إيجابية اقتصاديه وتنموية أو مشروعات عملاقة منوعة على أرض الواقع تعكس ذلك، إضافة إلى الوضع غير المريح في سوق الكويت للأوراق المالية.

ولمزيد من القاء الضوء على تلك التساؤلات المشروعة، بالفعل لا توجد مشروعات كبيرة عديدة ومنوعة ذات طابع اقتصادي أو تنموي طفت على سطح الواقع خلال السنوات الماضية. والسبب هو أنه لم تكن هناك رؤية أو برنامج أولويات للمشروعات سوى تلك المرتبطة بالبنية التحتية التي أيضاً نحن متأخرون كثيراً بإنجازها. ويعود ذلك الى تبعثر الجهود وتناثر المرئيات والتصورات مصحوباً بضعف أداء القطاع العام وتدني مستوى كفاءته.

وأعتقد أن التساؤل المثار يرتبط أساساً بما ينشده المواطنون من وجود مشروعات ترفيهية بالإضافة الى أسواق ومجمعات تجارية (مولات) وغير ذلك من المشروعات ذات الطابع التنموي مثل المدارس والجامعات والمستشفيات، مع تمنيهم في ذات الوقت بالتمتع بمستوى تعليميي وخدمات صحية متقدمة ومتطورة، حيث ان المواطنين يقومون بمقارنة ما يشاهدونه في الخارج مع ما هو متوفر لدينا.

وفي هذا الشأن، ينبغي الإقرار بأن مثل هذه المشروعات هي من صلب الاعمال والآنشطة التي بالأصل ينبغي أن يقوم بها ويتملكها ويديرها القطاع الخاص لكي تنهض الدولة في شتى الميادين. إن ذلك القطاع في دولة الكويت يُعتبر في الواقع مُكَبلاً نسبياً بعدة قيود في هذا المجال، لعل أهم هذه القيود هو نُدرة الاراضي وارتفاع أثمان المتوفر منها الى مستوى يُلغي أو يُقلل من فرص نجاح الجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات، فضلا عن بيئة الاعمال السيئة الطاردة. وبالتالي ينبغي وضع المعالجات اللازمة لهذا الموضوع إن أردنا أن يقوم القطاع الخاص بمثل هذا الدور لكي يتمتع المواطنون بأماكن ترفيهية مرموقة وأسواق ومجمعات تجارية جذابة والى غير ذلك من المشروعات الضرورية التنموية في شتى المجالات.

أضف الى ما تقدم، فإن حرمان القطاع الخاص من فرص المشاركة في إدارة عديد من المشروعات الحكومية، مع عدم إفساح المجال له لمزيد من الاستثمارات في الاقتصاد الكويتي، واستمرار سريان حالة الشك والريبة المستمرة في أعمال وحدات القطاع الخاص، كل ذلك أدى الى عدم قيام القطاع الخاص بهذا الدور الهام في هذه المجالات.

وعلى الجانب الاخر، أود أن أُؤكد أهمية وضرورة قيام معظم وحدات القطاع الخاص بالعمل نحو تحسين مستوى واسلوب إدارتها وزيادة كفاءتها، وأن تكون جهودها منصبة نحو إنشاء اقتصاد منتج وخالق لفرص العمل.

أما فيما يتعلق بالاوضاع غير المريحة في البورصة، فهناك كما يبدو أمور كثيرة جاثمة على صدر البورصة تمنعها من النهوض والتعافي.

ترميم البورصة

فمن الواضح أن مستوى الثقة متدن جداً، ويُرادف ذلك حالة عدم تأكد سائدة بشكل كبير. كذلك، فالسوق يحتاج الى عملية ترميم رئيسية تتضمن الكثير من السياسات والاجراءات والادوات الجديدة التي تؤدي الى دعمه وتعزز من أُسس استقراره ونموه.

أما إذا تطرقنا الى القطاع العقاري، فغني عن البيان، انه قد استفاق من سباته الذي كان على مدى سنتين من بعد الازمة المالية العالمية، ووصلت مستويات أسعاره وسيولته الى حدود مرتفعة نسبياً.

وأخيراً، وفيما يتعلق بالنشاط التجاري، فبالفعل هناك خمول واضح فيه ويعود السبب الى سوء بيئة الاعمال في البلاد التي تحدثت عنها كثيراً في مقالات ومقابلات صحفية عديدة.

• ما تقييمك لمخاطر استمرار زيادة النفقات العامة في ظل أحادية الدخل واتساع فجوة الاختلالات، خصوصا وأنكم شخصياً سبق ان حذرتم منها في ظل اسعار مرتفعة للنفط، فكيف ترى الوضع حاليا؟

- لقد سبق أن حذرنا مراراً من أن عجز الموازنة العامة قادم لا محالة مالم يتم التصدي للاختلال الهيكلي الذي تعانيه الموازنة العامة للدولة.

لقد بات من الواضح ان الدولة لا تستطيع تخفيض حجم المصروفات العامة في الموازنة عن 19 مليار دينار بشكل كبير، دون إحداث أضرار في عدد من الجوانب. ومع استمرار انخفاض اسعار النفط، أصبحت الايرادات النفطية غير قادرة على تغطية حجم المصروفات العامة، وبالتالي بدأ عجز الموازنة بالظهور. ومن زاوية اخرى، ينبغي ألا يغيب عن ذهننا مبالغ المصروفات الاخرى التي لا تُدرج ولا تظهر ضمن أبواب الموازنة العامة حيث إنها بنود صرف تقع خارجها، مثل ما يتعلق بالمؤسسة العامة للرعاية السكنية، وبنك الائتمان، وربما مسقبلاً مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، بالإضافة الى زيادات رؤوس أموال مؤسسات حكومية، وشركات، ومؤسسات إقليمية ودولية تُساهم فيها دولة الكويت... إلخ.

فهذه في الواقع مبالغ كبيرة وضخمة لا ينبغي الاستهانة بها، وجميعها تُعتبر مصروفات خارج الموازنة العامة. وبالتالي، إن أردنا معرفة الوضع الحقيقي للمالية العامة، فيتوجب علينا فحص الموازنة بشكلها الشامل، حيث سيتبين لنا أن العجز الحقيقي سيكون أكبر بكثير من مثيله الذي تعكسه بيانات الموازنة العامة التقليدية، وذلك من دون احتساب أثر عوائد احتياطيات الدولة المختلفة على الموازنة العامة الشاملة.

مصدر وحيد

وفي ظل استمرار تداعيات أسعار النفط، مع اعتماد الموازنة على الايرادات النفطية كمصدر رئيسي شبه وحيد لتمويل مصروفاتها، فمؤدى ذلك هو تحقيق عجز مستمر قد يكون متنامياً سنوياً. إن ذلك العجز يحتاج لتمويل ينبغي على الدولة تدبير مصادره. ومن نافلة القول إن هناك حدودا قصوى للمبالغ التي تستطيع الدولة اقتراضها، إضافة الى المدى الزمني الذي تستطيع الدولة خلاله الاستمرار في الاقتراض.

لقد أضحى موضوع ضرورة معالجة أوضاع المالية العامة المختلة من الموضوعات التي تحظى بأهمية قصوى لدى البلدان المتقدمة والناشئة نظراً لخطورة ذلك الامر على أوضاع ومصير تلك البلدان وشعوبها. وعلينا استنباط الدروس والعبر من ما آلت اليه الاوضاع التي مرت بها بعض الدول في هذا الشأن مثل آيسلندا، إسبانيا، البرتغال، ايرلندا، وآخرها اليونان التي مازالت تعاني اضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية نتيجة للأزمة المالية التي مرت بها ومازالت تعاني آثارها المدمرة بسبب سوء إدارتها لاقتصادها وماليتها العامة، وعدم تصديها للاختلالات التي عصفت بها والتي كانت تتركز أساساً في استمرار عجز موازنتها نتيجة للحجم الكبير من المصروفات الجارية من جهة، مع تراخيها في عملية إصلاح نظمها الضريبية والتقاعدية من جهة اخرى، الامر الذي أدى الى استمرار قيام الحكومة اليونانية بالاقتراض لتمويل عجز موازنتها، والذي أدى في النهاية الى بلوغ قيمة المبالغ المقترضة مستوى لا تستطيع اليونان تلبية متطلبات خدمة دينها المذكور، فضلاً عن عدم قدرتها على تدبير أموال لإعادة هيكلة المالية العامة دون التأثير سلباً على مستوى الرفاهية المصطنع فيها.

وخُلاصة لما تقدم، فمن الصعوبة بمكان أن تكون هناك استدامة مالية للدولة في حالة الاستمرار على وضع كهذا بدون وجود إصلاحات مالية واقتصادية هيكلية حقيقة في البلاد.

• هل تعتقد أن وجود فريق اقتصادي أو مجلس متخصص لإدارة المنظومة الاقتصادية ووضع خطط استراتيجية متوسطة وقصيرة الأجل يمكن ان يحقق نجاحا وفعالية اعلى في ادارة الشأن الاقتصادي بعيدا عن اعباء الحكومه؟

- لقد كنت من المؤيدين لوجود مجلس اقتصادي، أو فريق اقتصادي، يساعد الحكومة في كل الشؤون الاقتصادية للبلاد، بحيث يكون أعضاء المجلس المذكور، أو الفريق الاقتصادي، متجانسين ومبتعدين كل البعد عن الجوانب السياسية وغير متأثرين بها عند اتخاذ أي قرارات اقتصادية. إن من شأن هذا المقترح مساعدة الحكومة في تحسين الاداء الاقتصادي للدولة، لكن يتوجب على الحكومة أن تتفاعل مع التوصيات والمقترحات التي يتم رفعها اليها بشكل إيجابي وسريع، وإلا لن تكون هناك فائدة من إنشاء هذا المجلس أو الفريق.

ولكن، ومن واقع التجربة والخبرة، فإني ارى أن يواكب أو يسبق ذلك ضرورة  تغيير النهج الذي تسير عليه الدولة، وهي في سبيل وضع الحلول والمعالجات واسلوب التنفيذ عند تصديها لأي مشاكل في الشأن الاقتصادي. ومن المفيد  أيضاً أن تتم الاستفادة من أفضل الدروس والممارسات العالمية المطبقة في الدول المتقدمة والناشئة في هذا الشأن، حيث إنهم يستخدمون ويستعينون بمكاتب استشارية متخصصة حسب نوع وطبيعة المشكلة المراد التصدي لها وحلها. ولقد لُوحظ في حالات كثيرة لدينا عدم نجاح الدولة بوضع المعالجات السليمة إضافة الى الفشل في تطبيق الحلول، حيث يتبين أن الخلل الرئيسي يكمن أساساً في ضعف وعدم كفاءة معظم الاجهزة التنفيذية في القطاع العام، فضلاً عن ارتفاع مقدار الجرعة السياسية في معظم القرارات والحلول ذات الطابع الاقتصادي، وعدم الثبات في تنفيذ كثير منها.      

• هل ترى أن التشريعات الأخيرة كقانون الشركات الجديد والتعديلات التي تمت على قوانين اقتصادية أخرى، كفيلة بتحسين بيئه الأعمال؟

- مما لا شك فيه أن القانون الذي ذكرته يُعتبر نقلة نوعية على كل من الصعيدين الاقتصادي والتجاري. ولكن ليست القوانين بمفردها قادرة ومعنية أساساً على تحسين بيئه الأعمال. فلكي تتحسن تلك البيئة، ينبغي الابتعاد عن البيروقراطية، وتبسيط إجراءات الدورة المستندية وتقصير مدتها، ومحاربة الفساد، وغير ذلك من الأمور الضرورية لتحسين بيئة الأعمال كحصر كل المعاملات المطلوب إنجازها في مجال الأعمال في مكان واحد مركزي، مع العمل على تطبيق نظام النافذة الواحدة الذكية.

أما القول ان لدينا حالياً مقرا قائما فيه جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة لإنجاز تلك المعاملات تحت سقف واحد، فهو قول يجانب الحقيقة ويُسطِحها من كل جوانبها. فليس المطلوب فقط تواجد تلك الجهات في مكان واحد، بل إن المطلوب هو قدرتها على إنجاز المعاملات بسرعة وسلاسة وسهولة دون حاجة صاحب المعاملة للتردد مرات عديدة على ذلك المكان وأماكن اخرى غير هذا لكي ينجز معاملته.

إضافة الى ذلك، يتوجب توافر دليل مبسط وشامل يُساعد صاحب المعاملة على إتمام معاملته ويرشده نحو معرفة كل المستندات والشروط المطلوبه، فضلا عن ضرورة أتمتة جميع نُظُم المعاملات وضمان إستمرارية عمل تلك النظم دون انقطاع أو تعطُل، وإبعاد تدخل العنصر البشري ما أمكن في إبداء الآراء الشخصية الاجتهادية التي تختلف من موظف الى آخر. كذلك، يتوجب العمل نحو فك التشابك المهول بين صلاحيات واختصاصات الجهات الحكومية ذات العلاقة في تلك المعاملات.

وإضافة الى كل ما تقدم، فمن الاهمية والضرورة بمكان وجوب توفر بيئة جاذبة للمستثمر الاجنبي في البلاد توفر له ما يحتاجه من خدمات راقية ومتميزة في مجال التعليم والصحة والتجارة والترفيه والخدمات الاخرى. وغني عن البيان، فإن ترتيب دولة الكويت يأتي في نهاية قائمة الدول في العالم بالنسبة لمؤشرات سهولة أداء الاعمال.

• هل لمست تغيرا اقتصاديا إيجابيا يُذكر فيما يتعلق باعادة هيكلة الاقتصاد أو إصلاح الخلل او إرساء نهج جديد لمستقبل اقتصادي مختلف منذ خروجكم من المهام الرسمية التي كنت فيها على رأس البنك المركزي ووزارة المالية. وما السبب؟

- في حقيقة الأمر لم ألمس أو أجد أن هناك تغييراً في النهج من شأنه العمل نحو إعادة هيكلة الاقتصاد أو إجراء إصلاحات اقتصادية. إن ما نحتاجه بالفعل هو إحداث نقلة نوعية وموضوعية في اسلوب ومنهجية الادارة الاقتصادية للبلاد.

• بما تراه من أوضاع مأزومة لكثير من الشركات، واضطراب وعدم استقرار للبورصة، كيف ترى استمرار تلك المخاطر على القطاع المصرفي؟

- يتطلب العمل المصرفي السليم والحصيف التحوط لجميع أنواع المخاطر بشكل مستمر. وبالتالي، فإن عدم استقرار البورصة الذي تطرقت له في سؤالك، وبالمفهوم السلبي له، يفرض على وحدات القطاع المصرفي اتخاذ مزيد من الحيطة والحذر تجاهه، وهو بالفعل ما قامت به البنوك على مدى السنوات الست الماضية. ومن المؤكد أن جميع البنوك قد جنبت ما فيه الكفاية من مخصصات محددة لمقابلة مخاطر انخفاض أسعار الأسهم التي بحوزتها كرهونات مقابل تسهيلات ائتمانية غير منتظمة، إضافة الى اتخاذ مزيد من الضمانات مقابل تسهيلات اخرى. وبموجب ما تقدم، من وجهة نظري فان بنوكنا في هذه المرحلة لا تُعاني أي نقصٍ في مستوى المخصصات المطلوبة نتيجة ما تعانيه البورصة من حالة عدم استقرار. وينبغي ألا يغيب عن ذهننا أن بنوكنا تحتفظ أيضاً بمخصصات عامة وبمخصصات احترازية إضافية لمواجهة أي مخاطر غير محسوبة وغير متوقعة.

وبما اننا نتحدث عن المخاطر، فمن المفيد أن نتذكر اننا حالياً عند أدنى مستوى سعر فائدة دينارية مرت به البلاد، وبالتالي يتوجب أخذ الحيطة والحذر، الى جانب الاحتساب للمخاطر العديدة التي قد تنشأ جراء البدء برفع مستويات أسعار الفائدة. كذلك، تلوح في الافق بوادر وظواهر أزمات مالية واقتصادية في دولٍ ومناطق عديدة في العالم تُملي علينا اليقظة والاحتساب لتداعياتها.

• نريد وصفة سهلة مرنة قابلة للتطبيق تحقق علاجاً واقعياً للوضع الاقتصادي الحالي؟

- كنت أتمنى أن تكون هناك وصفة سهلة متوفرة الآن بحيث تكون مرنة قابلة للتطبيق تحقق علاجا واقعيا للوضع الاقتصادي الحالي. لقد كانت هناك في السابق قبل حوالي 20 عاماً معالجات لو تم تنفيذها في ذلك الوقت ما كنا سنُعاني هذه الاوضاع الصعبة التي نمر بها. أما الآن فلا أعتقد بتوفر مثل هذه «الوصفة السهلة» التي يمكن أن تعالج أوضاعنا الاقتصادية المختلة بشكل كبير. فالكويت تحتاج الآن الى منظومة شاملة متكاملة من الاصلاحات الاقتصادية والادارية والتعليمية لكي تُعالج الاوضاع التي تعاني منها.

وحقيقة، فهناك تحديات جمة تواجه تقدم ونهضة البلاد، ويأتي تدني مستوى التعليم على قمة تلك التحديات. ولكن، بدون وجود سياج متين من الاخلاق والقيم يحمي ويصون المجتمع، فمن الصعوبة بمكان توقع نهضة في البلاد على أي مستوى وفي أي مجال. فاستمرار تدني منسوب تلك الامور الهامة سيؤدي بلا شك الى عدم نهوض وتقدم أي مجتمع، ويُنهي آمال وتطلعات شبابه.

وعليه، أُكرر ما ذكرته في بداية الرد على هذا السؤال من انه لا تتوفر حالياً وصفة سهلة لمعالجة أوضاع الفوضى الاقتصادية السائدة في البلاد، حيث يبدو أننا فاقدون لهويتنا الاقتصادية واتجاهنا الصحيح.

القطاع الخاص

• ما الآلية المناسبة والناجحة التي يمكن أن تحقق مساهمة أكبر وزيادة أوسع لنصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وتقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، وقصر دورها على الإشراف السيادي والرقابة والتنظيم؟

من الضروري، بل واللازم، أن تعمل الدولة على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وأن تقصر دورها على الاشراف والتنظيم والرقابة. ففي جميع الدول المتقدمة والناشئة، يُعتبر القطاع الخاص هو القاطرة الرئيسية التي تُحرك عجلة التنمية والنشاط الاقتصادي. وللعلم، فإن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي في دولة الكويت لا تتجاوز 25 في المئة، وهذه نسبة متدنية جداً.

أما عن ماهية الآلية المناسبة التي تزيد من مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، ففي وجهة نظري أنها تتركز في المجالات الرئيسية التالية: الخصخصة، الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص (PPP)، استخدام نظام البناء والتشغيل والتحويل (BOT and BOOT)، المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SME)، السماح للقطاع الخاص بإدارة بعض الانشطة التي تديرها الدولة.

وجدير بالذكر الى أننا نحتاج الى عملية إعادة بناء جسر الثقة وترميم العلاقات مع الشركات العالمية المتخصصة في بعض المجالات المذكورة، وذلك بعد التجربة غير الجيدة التي مرت بها بعض المشاريع ذات العلاقة في الدولة.

وعلى الجانب الآخر، فمن الاهمية بمكان أن نعمل نحو الارتقاء بأداء ومستوى كفاءة القطاع العام، حيث ان القطاع الخاص لا يستطيع العمل بمعزل عن القطاع العام.

وبالتالي إن أردنا إفساح المجال للقطاع الخاص ليقود قاطرة التنمية بشكل يؤدي الى تحقيق ما نصبو اليه من إيقاع اقتصادي قوي، فيتوجب أن يواكب ذلك وجود قطاع عام يتصف بكفاءة عالية و اداء مميز ويستطيع مسايرة القطاع الخاص في تفكيره واسلوب إدارته.

وبهذا الصدد، لابد من التأكيد والتشديد على أهمية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وحريُ بالقول إن نجاح القطاع الخاص في أداء الدور المرتقب منه مرتبط بنوعية وشمولية عملية إصلاح القطاع العام كي تنهض البلاد من كبوتها في ميادين عديدة.

ومن زاوية اخرى، ينبغي أن تكون هناك عدالة وإنصاف بين مختلف وحدات القطاع الخاص، حيث ان كثيرا منها غير ملتزم بالتراخيص والشروط المطلوبة للقيام بتلك الأنشطة، ولا يخضع للضوابط والمعايير المطلوبة، بينما نجد أن هناك وحدات اخرى ملتزمة ومنضبطة بكل ما تطلبه الجهات المنظمة والرقابية، مما يحمل الوحدات المنضبطة تكاليف مالية ليست بالقليلة إضافة الى الجهد المبذول في سبيل إنجاز وإتمام معاملاتها المختلفة لدى الجهات الرقابية العديدة، مما يؤدي الى معاقبة الملتزم ومكافأة غير الملتزم، وهذا أمر ينبغي التصدي له بكل حزم وبشكل عاجل.

• هل ترى فائدة أو تؤيد تطبيق برامج التيسير الكمي، كبرنامج شبيه بما قامت به الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول لاستعاده التوازن الاقتصادي؟

- إن الغاية الرئيسية التي تستهدفها برامج التيسير الكمي، التي قامت بها البنوك المركزية في بعض الدول المتقدمة، هي توفير سيولة لوحدات الجهاز المصرفي بكلفة معقولة للحفاظ على مستويات أسعار فائدة متدنية مقابل شراء أوراق مالية متنوعة.

البنوك قوية

وإذا ما نظرنا إلى وضعنا في الكويت، فبدون أدنى شك أن البنوك الكويتية لا تعاني بتاتاً صعوبة في أوضاعها المتعلقة بالسيولة، بل على العكس من ذلك، فهي تعاني تخمة وفائضا في السيولة. وللتدليل على ما ذكرته حول فائض السيولة الذي تتمتع به البنوك في الكويت، تشير بيانات النشرة الشهرية لبنك الكويت المركزي عن شهر أبريل 2015 إلى أن تلك البنوك لديها موجودات سائلة لدى البنك المركزي تُقدر بحوالي 5301 مليون دينار. وتتمثل تلك الموجودات في التالي: حسابات جارية، سندات البنك المركزي، ودائع البنوك لدى البنك المركزي.

إضافة إلى ما تقدم، فتلك البنوك تقتني أدوات دين عام كويتية قيمتها حوالي 1570 مليون دينار، وهذه أُصول على درجة عالية من السيولة والجودة.

وكذلك، فلو فحصنا بيانات الموجودات والمطلوبات الأجنبية لتلك البنوك، فسوف يتبين لنا أنها تتمتع بوضع صاف موجب لموجوداتها الأجنبية، حيث يبلغ ذلك الوضع حوالي 8963 مليون دينار.

ويُشير الفحص الفني المتأني الى وجود فائض في صافي مركز تلك البنوك فيما يتعلق بالودائع (الدائنة والمدينة)  يمكن للبنوك استخدامه في أي مجالات جديدة أو قائمة، حيث تبلغ قيمته حوالي 3477 مليون دينار تستطيع البنوك توظيفه في أي مجال ترغب فيه وفق سياساتها ذات العلاقة.

وخلاصة لما تقدم، فإن تلك البنوك لديها إجمالي أصول سائلة فائضة تستطيع توظيفها في مجالات جديدة أو قائمة تُقدر قيمتها بحوالي عشرة مليارات دينار وذلك بعد استبعاد رصيد حساباتها الجاري لدى البنك المركزي، وبما يشكل نسبة تبلغ حوالي 18 في المئة من إجمالي الميزانية المجمعة للبنوك كما هي في نهاية أبريل 2015، مما يؤكد حقيقة مفادها أن بنوكنا تتمتع بفائض سيولة مرتفع جداً يصل إلى حد التخمة. إن كل ما تقدم يدلل بوضوح الى عدم حاجتنا في دولة الكويت الى أي برنامج تيسير كمي.

• برأيك أين وصلنا من نقطه العجز التي لطالما حذرتم منها مراراً وتكراراً خلال مسيرتكم المهنية؟

- هل تقصد بـ»نقطة العجز» بالعجز في الموازنة العامة للدولة؟ إن كان الامر كذلك، فإن موازنة السنة المالية الماضية 2014-2015 قد شهدت حالة عجز قُدر بحوالي 2,3 مليار دينار كما تم الاعلان عنه مؤخراً، وذلك بعد عدة سنوات من تحقيق فوائض في تلك الموازنة امتدت حوالي 14 عاماً. وفي هذا الصدد، فإن معظم الدراسات التي تم إعدادها في السابق كانت تتوقع أن يحدث العجز بين الاعوام الممتدة من 2017 حتى 2023، وذلك بافتراض أن متوسط سعر برميل النفط سيدور حول مستوى 100 دولار للبرميل. ولكن مع الهبوط الشديد والسريع لسعر برميل النفط خلال النصف الثاني من عام 2014، حيث بلغ ذلك الانخفاض ما نسبته حوالي 52 في المئة، فإن الوضع سيكون أكثر سوءاً مما كنا نعتقده. وما يُثير القلق لدينا حالياً هو ظهور بعض البوادر المرتبطة بضعف النمو الاقتصادي العالمي لعام 2016 الذي سيؤثر سلباً في جانب نمو الطلب العالمي على النفط، مما سيؤثر في سعره بمزيد من الانخفاض عن مستواه الحالي.

عن القطاع المصرفي قال:

• البنوك لا تعاني أي نقص في مستوى المخصصات

• وضع البورصة يفرض المزيد من الحيطة والحذر

• لا معاناه لدى البنوك في جانب السيولة بل تعاني تخمة وفائضاً

• 5301 مليون دينار موجودات سائلة للبنوك لدى «المركزي»

• 1570 مليوناً أدوات دين عام للبنوك هي أصول عالية الجودة والسيولة

• 3477 مليوناً يمكن للمصارف استخدامها في مجالات جديدة

• 10 مليارات إجمالي أصول سائلة مصرفية فائضة يمكن توظيفها

الإنفاق بلا مردود اقتصادي للدولة لأن مستوى الخدمات متدن

• ترى جهات رسمية أن هناك إنفاقا استثماريا مهولا... يراه مراقبون  في المقابل بلا نتيجة اقتصادية. كيف ترى ذلك؟

- أعتقد أنك تقصد ما يتم إنفاقه من خلال الباب الرابع من الموازنة العامة للبلاد، أي ما يتم رصده من مبالغ في الموازنة لاستخدامها في مجال الانفاق الاستثماري (الرأسمالي). تشير البيانات التاريخية الى أن نسبة متوسط حجم الانفاق الاستثماري الى إجمالي الموازنة العامة في دولة الكويت تدور حول 18 في المئة، بينما تبلغ تلك النسبة لدى معظم دول المنطقة حوالي 30 في المئة، مما يؤكد أن حجم ذلك الانفاق ليس مهولاً كما يراه البعض.

وعلى جانب آخر، وعند استخدام معدل تكوين رأس المال الى الناتج المحلي الاجمالي في سبيل قياس معدلات الاستثمار في البلد وذلك لإجراء مقارنة بين دولة الكويت مع دول ومناطق اخرى وذلك للفترة الممتدة من عام 2000 حتى 2012، فسوف يتبين لنا التالي:  إن البيانات الواردة في الرسم البياني أعلاه تُظهِر لنا بشكل جلي أن نسبة الاستثمار (معدل تكوين رأس المال) كنسبة من الناتج هو الاقل في دولة الكويت مقارنة بالدول والمناطق المختارة، مما يقودنا الى نتيجة بشكل غير مباشر مفادها ان حجم ذلك الانفاق الاستثماري الحكومي لا يُعتبر مهولاً كما تراه بعض الجهات الرسمية، وذلك على الرغم من توفر فوائض مالية كبيرة في موازنات الدولة طوال السنوات الـ14 الماضية، علماً ان تلك الفوائض لم تتحقق نتيجة للانضباط المالي المنشود، بل كانت بسبب الارتفاع الكبير في حجم الايرادات النفطية.

أما فيما يتعلق بالمردود الاقتصادي لذلك الإنفاق، فهذا موضوع يشوبه عدد من الصعوبات والتعقيدات في مجال القياس طالما أن الدولة لا تفرض رسوماً بمستويات معقولة ومقبولة على استخدامات تلك المشاريع، ولا على الخدمات المقدمة من خلالها مع العلم بتدني مستواها، كما ان بعضها لا تُخفف بشكل واضح أو تعوض كلفة ما تقوم الدولة بصرفه في الخارج على خدمات للمواطنين كان ينبغي في الاصل الحصول عليها محلياً مثل العلاج الصحي.

أضف الى ما سبق عدم ملاحظة أثر واضح لذلك الانفاق على مستوى الناتج المحلي الاجمالي. وأود أن أُؤكد اننا إن أردنا مشاهدة تطور ونهضة على صُعد عديدة في البلاد، فيتوجب علينا أن نجعل القطاع الخاص هو من يتولى ويقود الى ذلك. ولنا في بعض دول المنطقة ومعظم دول العالم دروس وعِبَر في هذا الشأن.

رفع ضمان الودائع... قرار تأخر

• ألم يحن الوقت برأيك لرفع ضمان الدولة عن الودائع المصرفية؟

- في الواقع، أعتبر هذا الموضوع على درجة عالية من الاهمية. وفي وجهة نظري، فقد كان من المهنية والضرورة، بل والحكمة أيضاً، أن يتم رفع ذلك الضمان في نهاية عام 2012، وفي أبعد تقدير قبل نهاية النصف الثاني من عام 2013، حيث كانت جميع الظروف والمعطيات السائدة آنذاك داعمة وساندة لمثل تلك الخطوة الهامة، خصوصاً وأن البنوك الكويتية تتمتع بكفاية رأسمالية عالية مصحوبة بفوائض سيولة كبيرة جداً. لقد قامت معظم الدول، إن لم تكن كلها، التي ضمنت ودائع القطاع الخاص لدى مصارفها، عند حدوث الازمة المالية العالمية، بإلغاء ضمان الحكومة لتلك الودائع خلال عام 2013.

خلاصة القول انه لم يتم اقتناص تلك الفرصة الذهبية في وقتها المناسب لإبعاد مبالغ فلكية عن كاهل الدولة باعتبارها مضمونة ومكفولة من قبلها(التزامات طارئة على الدولة). وتُقدر تلك المبالغ المضمونة بحوالي 34,5 مليار دينار كما هو الوضع في نهاية أبريل 2015.