سأختصر شرح الظروف التي جمعتني بالشيخ محمد متولي الشعراوي في لندن عندما جاء إلى العلاج، إذ شرحت كل تلك التفاصيل في كتابي "شخصيات عرفتها وحاورتها"، لكن هناك أسئلة لم تأخذ طريقها للنشر أجد أن الوقت مناسب لنشرها.

Ad

• هناك بعض المثقفين التقدميين يرون أن الشيخ الشعراوي يعد من أخطر  الوسائل لتخدير الإنسان العربي فيما يطرحه من آراء!

- يكفي أن تقول: "التقدميين"، لأن التقدمية شيء لا يُحمد لذاته، ولكن يجب أن يُعلم ماذا يتقدم، لأن التقدمي يقابله الرجعي، فلا رجعية تُذم، ولا تقدمية تُمدح إلا إذا عرفنا الرجعي يرجع لماذا والتقدمي يتقدم لماذا. فإذا كانت التقدمية أن يتقدم الإنسان ليعلو على ربه، في أن يُشرع لنفسه، وأن يعمل، وأن يقنن لنفسه فهذا شيء مرفوض من جهتي على الأقل.

والرجعية التي تقابلها، رجعية لأي شيء! فإذا كانت رجعية جاهلية فهي مذمومة، وإن هي رجعية إلى ما نام في نفوسنا من الإسلام ومن قضاياه فتلك رجعية محمودة!

• شيخنا ما تفضلت به ليس مفهوماً للتقدمية والرجعية من جانبها الاجتماعي والاقتصادي؟!

- المفهوم الاجتماعي والاقتصادي لا يُنشئه المجتمع، إنما الإنسان يجب أن يفكر في نفسه أولاً.

الإنسان محاط بكون لا يد له فيه، أُعدَّ له قبل أن يوجد عليه، وهُيّئت له كل أسباب حياته من قبل أن يخلقه الله.

• لكأني ألمح ما تفضل به شيخنا أنه يعول على الجبرية؟

- لا، لا، لا، لا أقول الجبرية. أولاً ما هي الجبرية؟ الحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وقلنا خلق له قبل أن يخلقه ثم علم من خلقه ألا يعلم من خلقه! وأورد له غرائز لابد أن توجد فيه، ولكن هذا الوجود للغرائز محروس بقيم أعطاها الله له، قيم تُعليه الغرائز، فغرائز الجوع مثلاً: يجوع الإنسان، وكل منا يجوع، والجوع يتطلب أن نأكل.

الدين جاء ليعمل ماذا؟! الغريزة يُعليها لأنها مطلوبة في تكوينه، مطلوبة في وجوده، فلا يجعلها تتمرد وتخرج عن النطاق المطلوب منها إلى نطاق غيره!

• مع احترامي لما تفضلت به، فإن آدم ذهب إلى تلك الشجرة التي حُرمت عليه بالذات ليأكل منها!

- لأن الله خلق له اختياره، وسيترتب عليه ثواب وعقوبة، فالملائكة لا تستطيع أن تقول إن لهم عقلاً! لأن مهمة العقل أن يختار، وأن يتصرف، وأن تكون لديه بدائل، والملائكة لا بدائل عندهم!

• لكنهم لما طُلب إليهم السجود لآدم تساءلوا، ولما عرفوا الحقيقة بعدما علمهم آدم - بعقله - الأسماء، عرفوا الحقيقة وقالوا لربهم: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"؟!

- إذاً ردوا أنفسهم إلى الأصالة، والله جل وتبارك عندما طلب إليهم أن يسجدوا لآدم لكي يكرموا هذا الآدم، فمعنى ذلك أنهم سجدوا لله، ولكن لماذا هذا السجود؟ لأنهم مكلفون بعد ذلك أن يكونوا في خدمة هذا الخليفة الذي اختاره الله، فقال لهم وهم في سجودهم له سبحانه وتعالى: أنتم مكلفون بخدمة هذا الإنسان، فالسجود ليس لآدم، ولكنهم يسجدون لصنعة الله في خلق آدم!

ورفض إبليس السجود لآدم هو رفض لمشيئة الله، لأن السجود لم يأمر به آدم، إنما صدر به أمر من الله فالعصيان ليس لآدم إذاً، إنما لمن أمر بالسجود لآدم!

• شيخنا هذا الموضوع على امتداد التاريخ قد شغل المفكرين والفلاسفة!

- وما الذي انتهت إليه الفلسفة، منذ أن خُلقت حتى الآن؟! ثم قل لي أولاً ما هي الفلسفة؟

• إن أردتها بالمعنى اللفظي، فالفلسفة تعني محبة الحكمة! وإن أردت معناها الفعلي فهي محاولة الإنسان منذ أن بدأ يفكر أو يقدح شرارة التفكير في ذهنه ليبحث عن إجابات في سر هذا الكون ومما خُلق! هل من الماء أم من الهواء أم من النار؟ هذه هي التساؤلات الأولى التي قادت الفلاسفة منذ أقدم العصور حتى الآن في البحث عن السبل التي تؤدي إلى أقصى قدر من السعادة التي يجب أن تعم حياة الإنسان!

* * *

• وهنا استوقفني الشيخ الشعراوي، ليستفيض بكلام تمنيت أن مساحة مقالتي هذه تسمح بنشره!