"شُنق صدام حسين: هل صار العراق مكاناً أفضل؟ مكاناً أكثر أماناً؟ قُتل القذافي أمام المشاهدين: هل صارت ليبيا مكاناً أفضل؟ وها نحن اليوم نندد بالأسد، هلا نحاول استخلاص العبر؟". سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الأمم المتحدة، 1 أكتوبر.

Ad

كانت روسيا محقة بشأن العراق وليبيا، في حين أخطأت الولايات المتحدة وبريطانيا، فلا يبدو أن تغيير النظام غيّر دول الشرق الأوسط نحو الأفضل، كما حذر فلاديمير بوتين منذ سنوات، فلا تهدف سياسته إلى دعم أي مجموعة مسلحة "تحاول حل المشاكل الداخلية بالقوة"، ويعني بذلك الثوار، سواء كانوا معتدلين أو متطرفين، وأشار إلى أن الكرملين يتملكه دوماً "شعور سيئ بأن الوضع سيصل إلى حائط مسدود، إن حصلت هذه المجموعات على الدعم من الخارج، فنحن لا نعلم الأهداف الفعلية لمقاتلي الحرية هؤلاء، ونخشى أن تغرق المنطقة في الفوضى".

جعل التدخل الروسي الحاسم باراك أوباما وديفيد كاميرون يبدوان ضعيفين وحائرين، فعندما سئل قراء صحيفةDaily News الوطنيون بالتأكيد عمن يملك "الحجج الأقوة" بوتين أم أوباما؟ أجاب 96% منهم بوتين.

فبوتين يؤكد أن الربيع العربي شكل كارثة، وفتحت الدول الغربية التي شجعت الديمقراطيين العرب على التمرد ضد حكامهم المسنين الفاسدين صندوق باندورا من المشاكل.

فخرج بوتين من رهانه السوري وهو يبدو أكثر حزماً لأنه يعرف على الأقل مَن هم حلفاؤه، والأهم من ذلك أعداؤه، أما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المقابل، فتعارضان كل المجموعات الكبيرة تقريباً في الحرب في سورية، فلا يرفض الغرب الأسد وحلفاءه فحسب، بل أيضاً كل خصومهم، من "داعش" إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وأحرار الشام.

ولكن بما أن بوتين كان محقاً بشأن مخاطر التدخل، فمن المرجح أن تفضي مغامرته في سورية إلى نهاية سيئة. أولاً، من غير الصحيح أن الأسد يشكل جدار الصد الأول ضد "داعش" في سورية، فقد أظهرت أرقام IHS Jane’s أن 6% فقط من عمليات جيش النظام الـ982 السنة الماضية استهدفت "داعش"، فقد وجه الأسد معظم هجماته، بما فيها صواريخ السكود والبراميل المتفجرة المخيفة التي تلقيها الطائرات المروحية على المناطق السكنية، ضد مجموعات معارضة لـ"داعش"، مما ساهم في تمهيد الدرب أمام استيلاء "داعش" على الرقة وحقول النفط في شمال سورية.

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر العملية الروسية في سورية ضئيلة، مقارنة بقواعد شاسعة مثل معسكر النصر الذي بنته هاليبيرتون للجيش الأميركي في العراق، علماً أن هذا المعسكر بدا أشبه بمطار ضخم وضم صالات طعام كبيرة، ومراكز تجارية، وهكتارات من المنشآت المكيفة. لكن التقارير الحالية من سورية تشير إلى عملية روسية منظمة إنما صغيرة تشمل مخبزاً ميدانياً، ومغسلاً محمولاً، وسرباً واحداً من الطائرات الحربية، فضلاً عن بضع طائرات مروحية قتالية.

مع هذه القوة العسكرية الصغيرة نسبياً، كسب بوتين نفوذاً دبلوماسياً واسعاً وأوقف أي محاولات غربية متجددة للإطاحة بالأسد، ولكن حتى الكرملين لا يعقتد أن القوة الجوية الروسية قادرة وحدها على تحقيق النصر للأسد؛ لذلك يتوقع دبلوماسي بريطاني بارز في المنطقة أن يلي الضربات الجوية الروسية هجوم بري تقوده إيران (ربما الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي زار موسكو في مطلع هذا الصيف). لكن الدبلوماسي البريطاني يضيف أن "هذا يضع مَن تدعمهم روسيا في الميدان في مواجهة عنيفة مع مَن تؤيدهم الولايات المتحدة، وهذا ما اعتدنا تسميته الحرب بالوكالة".

أضف إلى ذلك خطر التصعيد المباشر (سواء كان متعمداً أم لا) في المواجهة مع حلف شمال الأطلسي، فمن الممكن أن تحلق الطائرات الروسية وطائرات الحلف في الأجواء عينها، مستهدفة أهداف مختلفة من دون أي تنسيق في حركة الطيران، وقد اعترضت طائرات إف-16 تابعة للقوات الجوية التركية طائرة روسية بعد أن انتهكت، حسبما قيل، مجال تركيا (وحلف شمال الأطلسي) الجوي، وإذا دعا كاميرون إلى توجيه ضربات جوية في سورية (وتُظهر الإشارات من مقر الحكومة البريطانية إلى أن من المرتقب التصويت على هذه المسألة في البرلمان)، فسيدفع هذا الوضع نوابه إلى التريث، فلمَ يرسلون القوات الجوية الملكية إلى هذه المعمعة والمخاطرة بمواجهة مع روسيا والانجرار إلى صراع أوسع؟

لا شك أن تدخل بوتين شكل طوق نجاة للأسد، إذ يعرض التلفزيون الروسي بانتظام  صوراً لروس سعداء يشاهدون بوتين على شاشة التلفزيون باهتمام كبير أو يلوحون بالأعلام الروسية، لكن هذا التدخل قد يطيل الحرب، وبما أن نشر القوات الروسية أنهى خطط الغرب لفرض منطقة حظر جوي بغية حماية المدنيين في المناطق المحصنة، فمن المؤكد أن الأسد سيحاول المستحيل، ساعياً لاستعادة الثمانين في المئة من سورية التي خسرها منذ بداية التمرد الذي أودى بحياة 220 ألفاً حتى اليوم.

 إذاً، تكمن المفارقة في أن التدخل الروسي قد يؤدي في النهاية إلى تشديد يد "داعش" والمجموعات السنية المتطرفة الأخرى التي تعتبر أن طائفة الأسد العلوية مرتدة، وأنها ما عادت تحظى اليوم بدعم الإيرانيين الشيعة فحسب، بل أيضاً الروس الروم الكفار.

لكن بوتين أكثر اهتماماً من حيث الأساس بالظهور بمظهر مَن يعكس القوة الروسية، لا إصلاح الحرب السورية، فهدفه تصوير بريطانيا والولايات المتحدة كنمرين من ورق أدى ترددهما إلى فراغ سياسي في سورية ملأه بوتين بكل ثقة. تبدو العملية الروسية صغيرة وقابلة للحمل، حتى إن بوتين قادر على سحبها في غضون أسبوع واحد وإعلان النصر عندما تزداد الأوضاع سوءاً، ولا شك أنه يدرك أن هذا يفوق ما تمكنت بريطانيا والولايات المتحدة من تحقيقه في أي من حروبنا الأخيرة.

* أوين ماثيوز | Owen Matthews