لا تثبت اعتداءات 13 نوفمبر بحسب رأيك ظاهرة تطرف الإسلام بل أسلمة التطرف. ماذا تقصد بذلك وما هو الرابط الذي يجب أن نقيمه بين هذه الاعتداءات والإسلام المتطرف؟ لا أنكر ظاهرة تطرف الإسلام، فهي موجودة. منذ عشرين سنة، بدأت تتطور أشكال أصولية من الديانات بين المسلمين كما حصل مع اليهود والمسيحيين أيضاً. لكن لا تزال السلفية في فرنسا محدودة. قد تكون خطابات إمام مدينة بريست حول الموسيقى مثيرة للسخط، لكننا ننسى أيضاً معنى أن يكون الشخص المتدين محافظاً: منذ فترة غير طويلة، هدد بعض الكهنة الأولاد الذين يمارسون العادة السرية بالذهاب إلى الجحيم. لكنّ هؤلاء الأشخاص ليسوا من ضمن الذين ينتقلون إلى ممارسة العنف السياسي. مسار الإرهابيين واضح في هذا المجال. يستعملون مراجع السلفيين ويتبنون «مظهرهم» لكنهم لا يمارسون عموماً الشعائر الدينية ولا يطبقون مظاهر السلفية الدقيقة التي نعرفها اليوم: فلا نشاهدهم وهم يواظبون على الصلوات الخمس يومياً أو يخوضون نقاشاً لامتناهياً على الإنترنت حول طريقة فرك الأسنان الصحيحة أو صوابية أكل جبنة الكممبير. كان الأخوان عبد السلام يبيعان الكحول في المقهى الذي يملكانه! من الواضح أن المجاهدين ينجذبون إلى الأسلحة أكثر من القرآن. ماذا عن كوادر «داعش»؟ إنه سؤال صعب. لا أشك بأن البغدادي سلفي لكننا نعلم أيضاً أن عدداً كبيراً من قادة التنظيم هم من «البعثيين». لا يجعلهم هذا الأمر منافقين، فقد عاش بعضهم طبعاً تجربة العودة إلى الدين، لكنّ هذه المسألة لا تهمّهم كثيراً. في أفغانستان، حرصت حركة «طالبان» فوراً على إعطاء دروس حول عدالة الشريعة الإسلامية بتوجيه من الملالي. لكن داخل تنظيم «داعش»، لا نجد إلا المحاكم الخاصة التي يديرها المقاتلون. ما من شيوخ أو أئمة أو رجال دين. ما الذي يمكن تعلّمه من أصل المجاهدين؟ يجنّد تنظيم «داعش» شباناً من «الجيل الثاني» وأبناء القادمين الجدد والمرتدين. بالنسبة إلى البعض، لا بد من رفض المجتمع وأنماط الحياة المعاصرة والعائلة استناداً إلى المصطلحات الإسلامية. بما أن أهالي «الجيل الثاني» لا يهتمون بهذه المسألة أو لا يجيدون التعامل معها، هم لم يلقنوا أولادهم الإسلام الذي يجب تطبيقه ضمن مساحة اجتماعية وثقافية محددة. بالنسبة إلى شباب الجيل الثالث أو الرابع من المهاجرين، لا تُطرَح المشكلة الدينية بالطريقة نفسها: يجب أن تعيد العائلات بناء الإسلام في فرنسا، ما يعني ضرورة أن تتحدث مع أولادها عن الممارسات الدينية والحجاب والذبح الحلال والرحلات المدرسية. يمكن أن يصبح النقاش صدامياً لكنه موجود. بالنسبة إلى «الجيل الثاني» والمرتدين معاً، يحصل التطرف فجأةً بناءً على مبادئ إسلامية نموذجية ومنفصلة عن بقية المجتمع. يثير هذا الوضع قلق الأهالي طبعاً وهذا هو الهدف منه أصلاً. بحسب رأيي، يجب أن يفهم الجميع أن الإرهابيين يصبحون متطرفين وحدهم، بموازاة مجتمعهم. تحتل النزعة الجهادية بنظري مساحة التطرف بين الأجيال، وهي المساحة الفارغة التي نشأت بعد اختفاء اليسار المتطرف. كان «فصيل الجيش الأحمر» أو «الألوية الحمراء» الإيطالية عبارة عن حركات شبابية ترفض صراحةً خيانة الأهالي، على عكس منظمة «إيتا» أو «الجيش الجمهوري الإيرلندي» مثلاً، فقد كانت هذه الحركات قومية وبالتالي عابرة للأجيال. لكن تتعدد نقاط التشابه بين النزعة الجهادية واليسار المتطرف على المستويين البنيوي والشكلي. ما تلك النقاط؟ الحراك للحراك والنضال لأجل نشوء مجتمع خيالي، أو بروليتاريا عالمية أو أمة لجميع المسلمين. لكن يتجاهل المجاهدون، مثل اليسار المتطرف، فرعاً يعيش إلى جانبهم في المجتمع: إنهم العاملون الألمان بالنسبة إلى «فصيل الجيش الأحمر» والمساجد بالنسبة إلى المجاهدين. يعتبر الطرفان أن لا وجود للأبرياء: إما أن نكون معهم أو نُعتبَر خونة. لذا ما من علاقات مترابطة: لا مكان للأصدقاء أو رفاق الطريق. أخيراً يطمح الجهاد، مثل اليسار المتطرف، إلى نشوء عالم خيالي وغير قابل للتحقيق وهو يقود إلى عنف قاتل وانتحاري أيضاً. من الصادم أن نلاحظ أنّ أحداً من الإرهابيين لم يخطط للهرب. تسيطر هذه الفكرة على الأشخاص الذين يموتون أثناء العمليات. يقفزون أو يسمحون للشرطة بقتلهم. تتحدث الحكومة اليوم عن «حلّ» المساجد المتطرفة. ما رأيك في هذه الخطوة؟ لن تفيد هذه الخطوة في شيء! أولاً، لا يتواجد الإرهابيون هناك. ثانياً، سيصبح الأشخاص سلفيين إذا أرادوا ذلك في مطلق الأحوال. السلفية ليست فيروساً ينقله الأئمة إلى شبان أبرياء. تتعلق هذه النزعة بحجم الطلب في السوق مثل النزعات الأصولية الأخرى. تبدو الفكرة القائلة إن الإسلام الليبرالي سيشفي المسلمين من السلفية سخيفة بقدر المفهوم القائل إن اللاهوت الليبرالي الذي يتبناه البابا فرنسيس سيضع حداً للحملات التي تدعو إلى الحفاظ على شكل العائلة التقليدية. لكن لا يفهم حكامنا شيئاً عن الدين ومسار تطوره وهم يحملون نظرة موضوعية للوضع. يتكلمون عن الإسلام في فرنسا منذ 25 سنة، ولكنهم يدعمون هذا الإسلام في الجزائر والمغرب ضمناً منذ 25 سنة! إنه شكل من الانفصام التام. نقدم للشباب الفرنسي المسلم والمعاصر نموذج الإسلام «الصالح» والإسلام المعتدل في أشخاص مثل حسن الشلغومي: إنه إمام بالكاد يجيد اللغة الفرنسية ويرتدي ملابس غريبة... أو مثل المفكرين الفرنكوفونيين المثاليين الذين يشرحون للناس أنهم ما عادوا يثقون بإيمانهم. هذا ما يحصل فعلياً بدل العمل على إنشاء إسلام فرنسي عادي من خلال البحث عن أشخاص أتقياء بين المسلمين المنتمين إلى الطبقات الوسطى. ما المسار الذي يجب اتخاذه؟ لنأخذ الجيش مثلاً! حين أراد إنشاء مجموعة من المرشدين المسلمين، اتجه إلى مسجد باريس الذي عجز كالعادة عن فعل أي شيء. لذا طرح العروض وتلقى طلبات ترشيح واختار 30 مرشداً فرنسياً ممن يحملون شهادات جامعية ويستطيعون أداء مهمتهم على أكمل وجه. وها نحن نريد الآن تعيين أئمة في السجون لمكافحة التطرف بكل بساطة. لكن لا تسير الأمور بهذه الطريقة: سيُعتبَر هؤلاء الأئمة أشبه برجال شرطة ولن يصغي أحد إليهم! في المقابل، سيسمح تجنيد أئمة يستطيعون تلبية الحاجات الروحية والتعامل مع المعاناة النفسية للمعتقلين بقطع الطريق أمام المتطرفين الذين يحاولون غسل أدمغة رفاقهم في الزنزانة. في بلد علماني، يستحيل طبعاً تطبيق هذه المقاربة في كل مكان. لكن يجب البدء بالجيش وسرعان ما تتمكن السجون من إنشاء «مخزون» من الأئمة وتكوين نخبة دينية. كيف يمكن أن نناضل بفاعلية ضد الخطر الإرهابي بحسب رأيك؟ تقضي السياسة الفاعلة بحسب رأيي بتحسين عمل فرع المعلومات وزيادة عدد رجال الشرطة الكفوئين: اليوم، ندفع أيضاً ثمن اختفاء فرع المعلومات والشرطة المحلّية. كان لفرع المعلومات عيوبه: فقد كان بعض العناصر كفوئين ويعرفون بلدتهم عن ظهر قلب، بينما بدا البعض الآخر مهووسين وكانوا يرون الإرهابيين في كل مكان. لكن لا يمكن استبدال المراقبة الإلكترونية بهذه التحقيقات المكثفة بحسب رأيي. ما من تكتم أصلاً حول ميول التطرف المفاجئة: فالناس يتكلمون والأهالي يقلقون. يجب أن نسعى أيضاً إلى التحكم بمعاناة هؤلاء الشبان الذين ينبهرون بالعنف ويشعرون بتشاؤم مفرط. الجهاد ليس التعبير الوحيد عن معاناتهم. برزت ظاهرة ثانوية «كولومباين» في الولايات المتحدة (حيث هاجم شبان مدرستهم). تُتَرجم هذه النزعة بجرائم عنيفة. يمكن التفكير أيضاً بأن بعض المنحرفين قد يتجهون إلى الجهاد إذا لم يجدوا أي فرصة أخرى لحمل أسلحة الكلاشنكوف. تشمل مدينة نيس بعض المرشحين للذهاب إلى سورية أكثر من مرسيليا ويقدم إقليم الألب البحرية أكبر عدد منهم، ما يثبت أيضاً أن التفسيرات الاجتماعية والاقتصادية المبسطة غير صحيحة. كذلك، يجب تفريغ فقاعة «داعش»! حين سماها مانويل فالز «الدولة» الإسلامية، هو منحها مكانة مساوية للدولة الفرنسية وساهم في تسويقها. أين أصبح مشروع «داعش»؟ عدّل التنظيم مسار قتال «القاعدة» لكنه احتفظ بفكرة إنشاء «أمة عالمية». لذا من المنطقي أن يتابع توسعه. لكن ثمة عائق اليوم أمام هذا التوسع وهو عائق لا يمكن تجاوزه بنظري. لن يسمح الشيعة يوماً بسقوط بغداد، وسيدافع الأكراد العراقيون والسوريون عن أرضهم، ومن الواضح أن الروس يقدّسون بشار الأسد، ولم ينجح تنظيم «داعش» في التمدد في لبنان وفلسطين والأردن. هذا ما يجعل كوادر التنظيم متوترين حتماً. أراد البعض «طَلْبنة» الحركة عبر محاولة بناء دولة إسلامية حقيقية ضمن حدود واضحة، لكن عارضهم آخرون لأن أي برنامج مماثل لن يناسب المتطوعين الأجانب. ثمة تصعيد للوضع لكن لا يمكن أن يحصل إلا في الخارج: ليس مفاجئاً أن نشهد اعتداءات متلاحقة في شرم الشيخ وبيروت وباريس. لا مفر من أن يقع تنظيم «داعش» في المأزق الذي واجهته «القاعدة» عند اتباع هذا المسار: فهو سيحشد العالم كله ضده وسيواجه مصاعب متزايدة. حتى الاعتداءات في 13 نوفمبر كانت فاشلة في العمق: أعادوا توحيد فرنسا وفشلوا في إحداث انقسام بين المسلمين وغير المسلمين. ولا ننسى أن العملية بدت غير محترفة بأي شكل. فقد تحرك ثلاثة انتحاريين من دون قتل أحد وحوصر منظّم العملية في شقة قريبته. لا يزال مستواهم بعيداً عن احتراف «القاعدة» سابقاً. أظن أن تنظيم «داعش» سيختفي عاجلاً أو آجلاً بتأثير من تناقضاته الداخلية. لكن حتى ذلك الوقت، يمكن أن يسبب الأضرار طبعاً. لستَ مقتنعاً إذاً بعملية «السحق» التي يتحدث عنها فرانسوا هولاند عبر تحالف دولي كبير؟ منذ أيام فيتنام، من المعروف أن أي حرب لا يمكن الفوز بها بالقنابل، بل يجب نشر قوات ميدانية. اقترح باراك أوباما تقديم دعم جوي من الأميركيين بينما توفر القوات المحلية الدعم البري. نجحت هذه الخطة للدفاع عن الأرض الكردية لكن لا يرغب الأكراد في مهاجمة الرقة. وإذا تولى بشار هذه المهمة، قد يزداد الوضع سوءاً: يجب ألا ننسى أن عدد ضحايا النظام يفوق ضحايا «داعش». لذا يجب بناء تحالف سياسي قبل إطلاق أي تحالف عسكري كما تقضي خطة فرانسوا هولاند. لكنّ المهمة صعبة: يطبّق كل لاعب استراتيجية مختلفة ونلاحظ في الأزمة الروسية التركية الراهنة أن الكثيرين لا يعتبرون «داعش» عدوهم الأول بل الدول المجاورة لهم!
توابل
أوليفر روي: حلّ المساجد المتطرفة لن يفيد!
05-12-2015