لا نريد تصديق أنه حين تبرد الجراح وتنتهي أجواء العزاء، سيتبدد مشهد الوحدة الوطنية الرائع، ويعود كلٌّ إلى سِربه وينغمس الكويتيون مجدداً في الاصطفافات، وترجع نغمة الطائفية إلى الجامع والحسينية ومجلس الأمة الذي أتحفنا بمشادات شائنة يستحي أن يأتي بمثلها العوام.

Ad

لن نقبل حتماً أن تذهب هدراً دماء شهداء «الإمام الصادق»، وألا نخرج من المأساة بعبرة، ولا نضع الإصبع على الجرح، ولا نقوم بخطوات عملية تبدأ بورشة إزالة أسباب التطرف، لننتقل إلى العلاجات الجادة.

تعالوا جميعاً إلى كلمة سواء، ولنفرش كلامنا على بساط أحمدي لأنه لا مجال للكلام الموارب بعد الثمن الغالي الذي دفعناه.

فالدماء الزكية تستصرخنا للجهر بالحقيقة وعدم مراعاة حساسية طائفية سنية أو شيعية ولا تفسيرات دينية وفتاوى ملئُها الغلو والتخلف والنبش في نزاعات التاريخ لإيقاظ الفتن النائمة.

تعالوا نتصارح، ولا نحمِّل مسؤولية الإرهاب للآخرين دولاً أو استخبارات تنسج مؤامرات. هو خرج من بيوتنا وجلودنا لأن كل متشدد فينا هو مشروع فتنة، وكل جاهل يسمع دعاة السخافة والعلم الناقص والأفكار الظلامية، هو مشروع إرهاب.

تعالوا نتصارح، والكلام موجه إلى البيئة الحاضنة لأفكار التشدد، وإلى الدولة، وإلى النخب السياسية والثقافية، وإلى كل أبناء الشعب الكويتي؛ نحن لسنا متفقين حتى اليوم على تعريف العنف ولا الإرهاب، ولا على تفسير النصوص، وليس لدينا مع الأسف دولة شجاعة ذات مواقف واضحة في رسم الخطوط وتعريف المصطلحات لأنها تتعاطى مع هذه المسائل الخطيرة حسب الظروف السياسية. فتارة تشجع الجمعيات الخيرية، على سبيل المثال، وطوراً تضيق عليها، وحيناً تضبط الأجواء المولدة للإرهاب، وأحياناً تتساهل في إطار تسويات وتبادل مصالح، وكأن الدولة تنتقص من حقها في تحديد شرعية الممارسات الدينية، فتخضع لابتزاز الخطاب الديني والطائفي المتشدد، وتتيح له التمدد والازدهار.

فليُطرح السؤال على كل فرد منا: أسامة بن لادن شيخ أم إرهابي؟ وليُسأل السادة النواب قبل غيرهم هذا السؤال، ثم فلتُسأل كلية الشريعة عن عدد الأساتذة فيها الذين ينعتونه جهاراً بلقب «شيخ». ولنحدد مواقفنا على هذا الأساس منتهين من اللغة المزدوجة والالتباس وتغطية العقلية الإرهابية بالتدين والمظاهر في الشكل واللباس.

حان الوقت لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولنبدأ بسؤال بسيط سيشكل الجواب عنه مؤشراً حقيقياً وسيسمح باستنتاجات.

ماذا نسمي أسامة بن لادن؟ الإرهابي التكفيري أم «الشيخ أسامة»؟ ونحن في الواقع نعرف كثيراً من عناصر الجواب، فكثيرون في مجاميع التخلف والتشدد يرفضون نعت مؤسس «القاعدة» بالإرهابي، ويبجلونه ويتجنبون إدانته علناً، بل يسبغون عليه لقب «شيخ» لتأكيد مشروعيته الدينية ولوضعه في مصاف الأنقياء والشهداء لا المجرمين المارقين.

هذا كان سؤالنا إلى كل السنّة المعنيين في الكويت. أما سؤالنا إلى الشيعة فهو أيضاً بسيط ولا ينكأ جراحاً ولا يعود سنوات كثيرة أو قليلة إلى الوراء. وهو: من منكم يعتبر ياسر الحبيب شيخاً يستحق الاحترام؟ ومن منكم يراه مارقاً خائناً للوحدة الوطنية ومحرضاً على الفتنة؟

فليسأل كل واحد منكم رجل الدين الذي يصلي خلفه وأهل بيته هذا السؤال.

هذان سؤالان سيفرزان الناس، لكن ليس بين طائفة وطائفة، بل بين مؤمن وسطي معتدل ومتشدد ظلامي، سيفرزان الناس بين مؤمن بالدولة وخارج عنها، بين من يريد أن يكون مواطناً تحت سقف الدستور، ومن يريد أن يكون تابعاً لمذهب أعلى من الدولة والقانون.

آن أوان الإجابة عن هذه الأسئلة الأساسية، وعلى أساسها يجب على المجتمع والدولة أن يبنيا على الشيء مقتضاه... وللحديث تتمة.

الجريدة