منذ عامين أنتجت شركة {السبكي فيلم للإنتاج السينمائي} (أحمد السبكي)، فيلماً بعنوان {تتح} أخرجه سامح عبد العزيز، اختارت لبطولته نجمها محمد سعد، الذي تنظر إليه بوصفه {الدجاجة التي تبيض ذهباً}، وبرغم الفشل الذريع الذي حققه الفيلم إلا أن الشركة عادت، لسبب مجهول، وأنتجت فيلماً جديداً بعنوان {حياتي مبهدلة}، تنطلق أحداثه من الشخصية الرئيسة {تتح}، الذي تحول من بائع صحف فاشل في الفيلم القديم إلى رئيس نوبتجية الأمن في مول شهير!

Ad

  بعيداً عن المفارقة الكوميدية المتمثلة في اختيار {تتح} بمشيته العرجاء، وهيئته البلهاء، وملامحه الغارقة في السذاجة، وشخصيته التي لا تخلو من عته، ليتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن المول، وترسيخ الانضباط في المكان، يشهد الفيلم مفارقة أخرى تكمن في اتجاه الشركة المنتجة إلى تصعيد شادي علي مدير تصوير فيلم {تتح} (2013) ليصبح مخرجاً لفيلم {حياتي مبهدلة}، فيما جددت الثقة في السيناريست سامح سر الختم، وعهدت إليه وحده كتابة ما يمكن تسميته {تتح 2}، في حين أطاحت بشريكه محمد نبوي، الذي تعاون معه في كتابة قصة وسيناريو وحوار {تتح}!

  منذ المشهد الأول، الذي جرى فيه استدعاء {تتح} ليخمد تمرد مجموعة الأمن، التي يُطالب أفرادها برفع المرتبات، والاستعانة بكلاب تعينهم في مهمتهم، يقع الفيلم في فخ الابتذال والانحطاط، إذ يستنكر «تتح» مطالبتهم بالاستعانة بكلاب حراسة، ولا يرى فارقاً بينهم و{الكلاب»، وفي المشهد التالي مباشرة يوافق على مرور زبائن المول عبر البوابات الإلكترونية من دون كشف، لكنه يستوقف رجلاً بحجة أنه مشتبه فيه، ويُشبعه سخرية وتحقيراً لأنه ضخم الجثة والرأس!

  لم يترك محمد سعد نقيصة لم يرتكبها في «حياتي مبهدلة»، فالأداء يميل إلى المبالغة، ومخارج الألفاظ مُبهمة، والعشوائية والإيحاءات الجنسية تصدم المشاهد، ومع كل هذه البلاهة يريد الكاتب أن يوهمنا بأن بطله يمتلك فراسة، وسرعة بديهة، وعينين تفضحان المشتبه فيهم، ومن ثم تزخر مواقف الفيلم بالافتعال، وتتسم الحوارات بالارتجال في معناه السلبي، ونلمح الورطة التي أصابت المخرج شادي علي، وأراد النجاة منها من خلال الزج بنفسه، وبالفيلم، إلى معترك السياسة، تارة بالسخرية على شعار «آسفين ياريس»، وأخرى بالهجوم على قناة «الجزيرة»، التي تحرض الشعب ضد الجيش والشرطة، وتستحق أن يفض «تتح» بكارة طاقمها، وثالثة بتحميل «داعش» المسؤولية عن كل ما يجري في واقعنا، وهي محاولة يائسة من الكاتب والمخرج للخروج من أزمات كثيرة، بعضها ناتج عن مشاكل إنتاجية، كالديكورات الفقيرة (تامر فايد)، والحارة التقليدية، والكادرات البليدة (تصوير وائل خلف)، وأخرى سببها العقم الدرامي، فالعلاقة العاطفية بين {تتح} و{فاتن} - نيكول سابا - لا تنطلي على الجمهور، لكن السيناريست يؤمن بأن عشق الجسد فانٍ وعشق الروح مالوش آخر، فيلجأ إلى افتعال خزعبلات عن القط الذي دهسه {تتح} بسيارته، فظهرت خطيبته القطة الكونتيسة -  إيمان سيد – لتثأر منه، وتسعى لإجهاض مشروع زواجه و{فاتن}، وكان بمقدور السيناريست، ومعه المخرج، أن ينسجا من هذه العلاقة الثأرية، والصراع بين عالم القطط، وبني البشر، تجربة سينمائية غاية في الإثارة تمنحنا، في النهاية، فيلم رعب أو فيلما فانتازيا، لكن قلة حيلة السيناريست، وافتقاد المخرج ملكة الإبداع، قادا الفيلم إلى بئر سحيق من التراجع التقني والميتافيزيقي، فالبطل يبحث عن الشفاء مما ظنها هلاوس وتهيؤات لدى {الشيخ جلال} - حسن حسني – الدجال بشكله التقليدي، وطقوسه السخيفة، وتوظيف الخدع والمؤثرات (ياسر النجار) تم بشكل بدائي للغاية، مقارنة بما نراه في السينما العالمية، بسبب الحبكة الضعيفة، والتنفيذ الهزيل، والتكرار الممل في نوعية لا يمكن أن تُصيب المشاهد بملل من أي نوع!

   السؤال الذي طاردني عقب مشاهدة أحداث فيلم {حياتي مبهدلة}: {هل يمكن لمخلوق طبيعي أن يحتمل متابعة هذا الفيلم طوال ساعة ونصف الساعة؟} لم أواجه معاناة في البحث عن الإجابة، فالتجربة ثقيلة الظل، ومرهقة للعقل والقلب معاً، والاعتماد على التضاد أملاً في خلق مفارقات كوميدية لم ينجح، والفكرة التي كان يمكن أن تقودنا إلى فيلم مشوق انتهت بنا إلى فيلم يخلو من المفاجآت، لا يعرف الطريق إلى الكوميديا، بل يدعو إلى التثاؤب، ويقودك إلى يقين جازم أنك شاهدته من قبل، كما في أغنية {خلتني أقول}، التي غناها سعد مع صافينار، وهي نسخة مكررة من أغنيتيه مع بوسي في {تتح} ومي عز الدين في {اللمبي 8 جيجا}، وأن محمد سعد يُصرّ على إهدار مجهوده  في فيلم مستهلك كل ما فيه مُستنسخ من شخصياته وأفلامه السابقة، مثل: {تتح، اللمبي، عوكل، كركر، كتكوت وبوحة»، وكأنه يُعلن على الملأ أنه يُشهر إفلاسه!