ألا يدعو إلى الاستغراب وإثارة ألف سؤال وسؤال أنْ يتم "تحريك" حزب العمال الكردستاني - التركي الـ «P K K»، ودفعه إلى امتشاق السلاح مجدداً، بعدما بدأ الرئيس رجب طيب إردوغان يتخذ مواقف أكثر وضوحاً وأكثر حزماً تجاه الأزمة السورية، التي لولا المتدخلون من الخارج دعماً لبقاء بشار الأسد ونظامه، وعلى رأسهم إيران ومرشدها علي خامنئي، لكانت انتهت في مراحلها الأولى قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، وقبل أن تصل أعداد القتلى والجرحى والمفقودين والمشردين واللاجئين إلى هذه الأرقام الفلكية فعلاً.

Ad

والسؤال هنا هو: ما الجهة التي دفعت الـ"P K K" إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع الجيش التركي، والذي ساهم في التوصل إليه مساهمة رئيسية الزعيم الكردي مسعود البارزاني؟!

قلْ لي مَن المستفيد أقل لك مَن الفاعل... والمستفيد من تحريك الـ"P K K" ودفعه إلى العودة لامتشاق السلاح والتخلي عن وقف إطلاق النار، الذي كان أبرمه مع إردوغان، هو نظام بشار الأسد، ولكن لأن هذا النظام قد أصبح بحكم "المنهار" وغير القادر على التأثير على الأوضاع المحتدمة في سورية وحولها وفي المنطقة، فإن ما لا نقاش فيه، على الإطلاق، هو أن مَن يقف وراء هذا التحول المفاجئ هو إيران.

 ورغم تلاعب إيران بعامل المصالح بينها وبين تركيا خلال الأعوام الماضية، منذ بدء انطلاق الثورة السورية 2011، فإنها في الحقيقة ترى أن "القطب" الآخر الذي ينافسها على كل شيء في هذه المنطقة هو الدولة التركية بتاريخها وحاضرها، فالصراع بين العثمانيين والصفويين لايزال بمثابة جمر يُعسْعِسُ تحت الرماد يمكن استعادة توهجه في أي لحظة.

ولهذا فقد بادرت إيران، التي بعدما خسرت حرب الأعوام الثمانية مع العراق وتجرع الخميني مرارة الهزيمة كتجرع السم الزعاف، بدأت تعتمد استراتيجية البؤر الطائفية والجيوب العميلة، إلى تحريك حزب العمال الكردستاني التركي، الذي أسسه عبدالله أوجلان برعاية المخابرات السوفياتية الـ"كي جي بي" والمخابرات السورية، في ذروة اشتداد صراع المعسكرات والحروب بالوساطة بين المعسكر الغربي "الإمبريالي" والمعسكر الشرقي الاشتراكي.

 واللافت هنا حقاً هو: كيف يبقى هذا الحزب الـ"P K K" على ولائه وتبعيته للنظام السوري وبالتالي لإيران، التي هي الآن "وكيل" العديد من أنظمة هذه المنطقة، بينما هو يعرف، والكل يعرف أن نظام حافظ الأسد قد سلّم زعيمه عبدالله أوجلان تسليم اليد إلى المخابرات التركية وفقاً لاتفاقية "أضنا" التي أُبرِمت بين الرئيس السوري السابق وبين مرحلة ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية، والتي ستكشف قادمات الأيام أخطر بنودها وأخطر ما تضمنته من اتفاقيات سرية؟

 لماذا بمجرد ما طرأ تغيير فعلي في موقف إردوغان من الأزمة السورية، وبخاصة مسألة المناطق العازلة على الحدود التركية - السورية بعرض 50 كيلومتراً وطول 90 كيلومتراً، وموقفه من تنظيم "داعش" الإرهابي، لجأت إيران إلى تحريك حزب العمال الكردستاني - التركي؟

 والمؤكد أن هذا ليس حباً في الأكراد ولا تبنياً لقضيتهم، بل لإشغال تركيا، المُنافسة التاريخية، بمواجهة هذا الحزب، الذي لو أخذ موقفه على أساس مصالح "بني قومه" لكان وجه بنادقه إلى دولة الولي الفقيه التي تمارس استبداداً بدائياً على "أكرادها"، والتي ورثت عن حكم الشاه السابق إسقاط جمهورية مهاباد الكردية، التي كان الملا مصطفى البارزاني والد مسعود البارزاني يحتل منصب وزير الدفاع في حكومتها القصيرة العمر.