أكدت القاصة سعاد سليمان الحاصلة على جائزة الملك الإسباني خوان كارلوس للقصة القصيرة أن الأدب في كينونته إنساني بالدرجة الأولى لا ذكوري ولا نسوي، موضحة أن فن القصة القصيرة سينشط في السنوات المقبلة ولكن هذا لن يقلل من قيمة الرواية أو الشعر فالآداب والفنون تتكامل ولا تتنافر.

Ad

في قصتك القصيرة جداً {حالة فزع} الحاصلة على الجائزة تروين مأساة بائعة مناديل في إحدى إشارات المرور في 65 كلمة فقط، كيف استطعت فعل ذلك؟

من الصعب شرح كيف فعلت ذلك، هذا تحليل وتفسير من اختصاص النقاد، فأنا أكتب فقط وأقرأ  حتى في قراءاتي عكس طريقة كل الكتاب لأني أحرص على الاستمتاع بما أقرأ ولا أشغل نفسي كثيراً بعيوب الكاتب ولا أبحث عن مناطق ضعفه. للقراءة عليّ فضل كبير لا يقل عن فضل الكتابة والتعليم أيضاً، ولا أريد أن أفقد عفوية الكتابة بتفسيرها أو شرح طريقة كتابتها.

فزت بهذه الجائزة وسط 23 ألف قصة أخرى... ماذا يمثل لك هذا التفوق الواضح؟

جائزة {خوان كالورس} منحتني مزيداً من التشجيع والإصرار على الإبداع في وقت وظرف تاريخي واجتماعي وإنساني واقتصادي وسياسي صعب جداً، وأكثر اقتراباً من العبث الذي يدفع الكاتب إلى الكتابة أو الانتحار. فما نمر به في الوطن العربي يوشك أن يجعلنا على حافة الجنون. الكاتب والمبدع ليس مجرد ناسج حواديت، هو يهتم أيضاً بالعالم من حوله ينحاز إلى قضايا وطنه، يؤرقه الفقر والجوع والمرض والقهر. كيف نكتب وحولنا كل هذا الدمار والجنون وعدم الاستقرار وكل هذا العدد من البشر اللاجئين والمرضى والجوعى الذين يبحثون عن أوطان ضاعت أو على وشك الضياع؟ منحتني الجائزة الثبات على استكمال مشروعي الأدبي ومحاولة تخطي كل الحواجز، أيقنت أني ما جئت إلى هذا العالم كي أمضي كما جئت، ولكن لأترك بصمة ما حتى لو كانت صغيرة وسأستمر في كتابة ما أريد فقط لأني أريده وسيقدر الآخرون أو الزمن أو التاريخ ما فعلت في وقت ما.

في كتاباتك اهتمام واضح بقضايا المرأة ومعاناتها... فهل تحاولين نقل أزمات المرأة العربية عبر الأدب؟

أحاول نقل قضايا الإنسان الرجل والمرأة، فالأدب في كينونته إنساني بالدرجة الأولى لا ذكوري ولا نسوي، ربما جاء اهتمامي بالمرأة لأنه بالضرورة يجب أن أكتب عما أعرف وبالمصادفة البحتة أن نوعي كما جاء في شهادة الميلاد أنثى، وبالتالي الأقرب إلى كتاباتي هي مشاكلي ومشاكل كل النساء اللاتي أعبر عنهن، ولكني أيضاً أعبر عن أبي الفقير الذي طحنه الفقر وشرب كأس المرار حتى رباني وعلمني أنا وإخوتي. أكتب عن الرجل المقهور كما المرأة المقهورة تماماً.

هل ثمة مستقبل للقصة القصيرة جداً في عالمنا العربي؟

أعتقد ذلك، وأعتقد أن ميدان فن القصة القصيرة سينشط في السنوات المقبلة ولكن هذا لن يقلل من قيمة الرواية ولن ينهي فن المسرح ولن يجعل فن السينما في ركود.

لدينا مبدعات كثيرات توقفت بعضهن في منتصف الطريق... لماذا؟

لدينا أيضاً مبدعون كثيرون توقفوا في منتصف الطريق ولم يكملوا. ربما كانت حياة المرأة العربية، خصوصاً المصرية، أصعب من غيرها في العالم، ربما لأنه ما زالت ثمة حرب ضروس ضد كتابة المرأة تتمثل في وصف ما تكتبه بالأدب النسوي وهو تصنيف ظالم، وفي تصنيف آخر بأدب الجسد والكتابة على الجسد، رغم أن ما يكتبه الرجل أحيانا يتجاوز كتابة الجسد ويدخل في تصنيف الكتابة الإباحية، ولكنه الرجل المقدس في الثقافة العربية فليفعل ما يشاء.

ذكرت في أحد حواراتك التلفزيونية أن بعض الجوائز العربية لا يذهب إلى مستحقيه. هل تؤثر هذه المجاملات سلبياً على المناخ الأدبي؟

لا يجب أن تؤثر، وأعتقد أنها محدودة التأثير فلم يعد المجال ضيقاً للكتابة وظهرت قنوات ووسائط أخرى تحقق الشهرة والجماهيرية للكاتب أكثر من الجوائز، أما الجوائز العربية وعدم حياديتها فحدث ولا حرج.

كتبت الشعر في إحدى مراحل حياتك... لماذا تركتيه وتفرغت للرواية والقصة؟

وجدت أن الرواية والقصة هما الأنسب لتكويني الإنساني فأنا أعشق الدراما، ويجذبني الصراع والحبكة أكثر من الشعر، ويبدو أنني سأضيف لوناً آخر، وهو المسرح. تتكامل الفنون ولا تتنافر، وأستعمل قدراتي الشعرية أحياناً في نسج تفاصيل وأضفي شاعرية على نصوصي الروائية والقصصية فما زال يناوشني من وقت إلى آخر.

هل أنصفك النقد واحتفى بتجربتك الأدبية كما تستحقين؟

لم يحدث بعد، ولن أغضب إن لم يحدث أبداً. ثمة أزمة حقيقية في تفاصيل الحياة الثقافية المصرية تحتاج إلى إعادة نظر، تحتاج إلى أن يتوافر للناقد مركز متخصص يمده بما يصدر من إبداعات ويتيح له نشر ما يكتب عن الإبداعات بمقابل مادي حتى يستطيع العيش.

 لا يمكن أن أطلب من ناقد أن يقيم تجربتي أو تجربة أي من الكتاب والمبدعين وهو يعاني عدم الاستقرار ويضطر إلى العمل في مهن متعددة كي يوفر احتياجاته الإنسانية، ثم يكتب ويتوسل مساحة ينشر فيه. عندما ينصلح حال الناقد سينصلح حال النقد ويحصل كل منا على حقه.